الأعمال الأدبية لليوناردو دافنشي
الجمعة / 02 / ربيع الأول / 1435 هـ الجمعة 03 يناير 2014 19:37
شوقي بزيع
قل أن امتلك فنان عبر العصور ذلك الغنى الثقافي والتنوع الإبداعي الذي امتلكه الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي. ذلك أن فن الرسم الذي اشتهر به صاحب اللوحات الأشهر في مطالع عصر النهضة الأوروبية لم يكن سوى واحدة من مهاراته الكثيرة، والتي تراوحت بين النحت وعلوم الطبيعة والهندسة المعمارية.. وغيرها. وإذا كانت لوحته الشهيرة الموناليزا، ذات الابتسامة الملغزة، قد تحولت إلى أسطورة حقيقية في تاريخ الفن، فإن ذلك لا ينبغي أن يصرف أنظارنا عن أعمال رائعة أخرى من طراز «العشاء الأخير» و«عذراء الصخور» و«يوحنا المعمدان».. والكثير من الروائع الهندسية التي زينت كنائس روما وأبنيتها التراثية. والكثيرون يجهلون أن دافنشي قدم دراسات وبحوثا معمقة في مجال علوم التشريح والدورة الدموية، وفي مجال الفلك وتأثير القمر على حركتي المد والجزر، وفي علوم الحركة والماء والري ونقل المياه من الأنهار. على أن وجها آخر لدافنشي يكاد لا يعرفه سوى القلة القليلة من القراء هو وجه الأديب والمفكر والشاعر، والذي صدر عن «دار التكوين» قبل أسابيع قليلة. سنعثر في هذا الكتاب الجامع على نصوص إبداعية وأقوال مأثورة ولقى رؤيوية وحكمية واستشراف لمستقبل العالم يصعب تصديقه. وفي ذلك الكشكول الثري من الأخيلة والمقاربات تتجاور الوقائع مع التصورات، والخرافات مع الأساطير، والمحاججات مع الشذرات الشعرية الخاطفة. كأننا هنا إزاء اختلاط مذهل بين التاريخي والغيبي، وبين منتهى العلم وذروة الشطح التهويمي. وفي القراءة التراجيدية للوجود يقترب دافنشي من المناخات السوداء لمراثي إرميا ونبوءات نوستراداموس. لكننا نشعر بالذهول أيضا إزاء حديث الفنان عن «المخلوقات المجنحة التي ستحمل البشر داخل أجسادها»، معطوفا على المجسم الذي رسمه دافنشي لطائرة المستقبل. في هذا الكتاب الرائع سنقرأ نصوصا مدهشة عن البشر الذين يتحدثون إلى من ليس حاضرا، ويسمعون حديث من لا يتكلم. وعن وحل الأرض الذي سيدفع تعاظمه الناس للسير على رؤوس الأشجار، وعن الذين يبيعون الفراديس دون رخصة ممن يملكها. وفي الكثير من النصوص سيبدو لنا دافنشي سابرا لأغوار النفس البشرية، ومصغيا بعمق إلى نبض العالم ومصائر الكائنات، وأكثر اتصالا بالحداثة والجدة من الكثير ممن يعيشون بيننا اليوم.