قراءة الساندويش

محمد المصباحي

** لعل الفرق -بوجهة نظري- بين القراءة من الكتاب والقراءة عبر التقنية يشبه الفرق بين الذي يأكل الساندويش وبين من يتناول وجبة تحتوي على السلطات والأطعمة المتنوعة..
** فالمرء خارج منزله يتصفح من خلال التقنية، لكنها -أي التقنية- لا تمكنه من تدوين ملاحظاته على ما يقرأ بصورة مباشرة، فيضطر مثلا إلى جلب المعلومة لمكان آخر في جهازه عبر مذكرة، فضلا عن أن الشبكة العنكبوتية تحتوي على معلومات عدة تجعل من الصعوبة -أحيانا- معرفته بالدقيق منها، مما يضطره إلى أخذ معلومته سريعا بطريقة محدودة الصلاحيات، وهذا مثل الساندويش الذي يتناوله خارج بيته دون أن ينوع في أطباق الطعام..
** أما القابع في بيته فيتصفح كتابه الورقي ويدون ملاحظاته على ما يقرأ بطريقة مباشرة على الورق في صورة سلسة، فيتمكن من الرجوع إلى ما قرأ دون وسائط التقنية، ويستطيع البحث بيده عن المعلومة وهذا أسهل.. وهذه الميزات التي يحصل عليها القابع في بيته جراء استخدامه الكتاب الورقي مثله في ذلك كمن يتناول طعامه الدسم في بيته فيتذوق مختلف الأصناف وأفيدها..
** لا أعتقد أحدا سينكر هذا التشبيه سوى الجيل الجديد الذي لم يخض تجربة الكتاب الحقيقية، والذي ما زال يحتج بأن الجيل القديم هو الذي لم يخض تجربة التقنية بمهنية واحترافية، فجيلنا الناشئ يرى أن التقنية هي الأساس، وأن الورق لم يعد له تلك الأهمية..
** حتى نكون واقعيين في ميزات الكتاب الورقي وكذلك التقنية ينبغي النظر إلى كل الجوانب الإيجابية منها والسلبية، فنجد مثلا في مكتباتنا اليوم كيف استمر الكتاب دون أن يتعطل أو يتعرض للمشكلات الفيروسية التي تتعرض لها التقنية، فيظل على الرفوف محتفظا بمحتواه سنين عددا، ولعل بقاء كتب الأولين من آكد الأدلة الهامة التي تجعل هذه الوسيلة البدائية ذات قيمة، في حين تفتقر التقنية هذه الميزة فلا أمان لها لأن موديلاتها تتغير كل فترة، مما يصعب التعامل مع القديم منها، كما تتعطل الأجهزة، ويصعب أن نعتمد عليها في تكوين أرشيف حقيقي خال من الأوراق..
** ومن الواجب أيضا ذكر حسنات التقنية، إذ أتاحت وأمدت لنا ما لم يستطع الكتاب توفيره.. كالوصول إلى المعلومة في لحظات.. بعد أن كان التصفح في أمهات الكتب يبذل الجهد، ويهدر الوقت، ويكلف الكثير.. كما مكنتنا التقنية من اختزال أمهات الكتب في أقراص صغيرة يسهل حملها، والاحتفاظ بنقاء الصورة.. وسهولة التنقل بالمعلومة من مكان لآخر..
لحظة:
راغب المعرفة لا يعتمد على وسيلة ويهمل أخرى.. فلكل شيء ميزته.