بئر لمى وصعود الخرافة

شتيوي الغيثي

حسم بيان الدفاع المدني الأخير قضية الطفلة لمى التي سقطت في البئر قبل أسابيع لصالح العلم، فتحليلات الـ DNA أثبتت أن الأشلاء المنتشلة من قاع البئر تعود للطفلة نفسها وليس لأي أمر آخر لحيوان، كما كان يروج بعض المرجفين مستغلا انشداد الذهنية الشعبية للقصص الغرائبية انتشرت بشكل فاضح ومخجل طيلة عمليات الحفر سواء عن طريق مفسري الأحلام أو عن طريق مثيري الغرائبية الأمنية المؤامراتية وكأننا في أحد أفلام هوليود. تناول عبدالسلام الوايل هذا الموضوع بشكل جميل في الشرق لذلك لن أعود إلى تناوله. ما سوف أركز فيه هنا هو عن آليات استغلال الشعبي والغرائبي لتكريس الخرافة في المجتمع.
من المعروف أن لنا تاريخا طويلا وعريضا من القصص التاريخية ذات النزعة الأسطورية كعادة المجتمعات التقليدية. التصورات التي يحملها الكثيرون عن الكون هي تصورات لا تتم للعلم بصلة بل هي أقرب إلى التصورات الأسطورية التي شكلت معظم المجتمعات الحالية. هذا الركام من الأساطير والقصص والحكايات الشعبية وربما الدينية أيضا تحمل شكل الموثوقية لاتصال كثير منها بالمعطيات الدينية رغم أنه أحيانا لا علاقة للأمرين ببعضهما. الجن مثلا لهم سورة قرآنية باسمهم لكن النص القرآني لا يوضح لنا هيئاتهم أو قدراتهم أو أي شيء من الخرافات التي سردت لاحقا لدى قطاع عريض من أبناء المسلمين. تكفي هذه الإشارة فقط لدى بعض الناس لبناء قصص أخرى وتضخيمها وخلق فضاء أسطوري يستطيع من خلاله الدخول إلى القبض على عقول الناس واستغلالها.
في قضية لمى كان التعاطف الشعبي مع القضية وتباطؤ عمليات الحفر لأسباب طبيعة الأرض وطريقة حفر الآبار الارتوازية كفيلة كلها بخلق حالة من الجزع الشعبي. ومع عدم ثقة المجتمع التقليدي بالطرق الحديثة من آليات ــ رغم كل ما تحظى به التقنية من استهلاك اجتماعي ــ فإن التفسيرات الأسطورية والغرائبية تحاول أن تسد ثغرة الطمأنينة في الوجدان الجمعي، إضافة إلى تهويل بعض وسائل الإعلام للمسائل، ومع عدم وجود قوانين صارمة توقف كل المتلاعبين بأخيلة الناس ومعتقداتهم وتصوراتهم لأجل مصالح شخصية أو تكثيف الحضور الرمزي في أي قضية فإن حضور الخرافة سوف تتكرر في كل قضية لاحقة.
نحن بحاجة حقيقية إلى قانون صارم يمكن أن يحد من هذه الظواهر. في قضية لمى ما زال مثيرو الشائعات يسرحون ويمرحون، كما أن مفسري الأحلام الذين شاركوا في القضية ما زالوا يتصدرون واجهة الفضائيات دون أدنى مسؤولية.