جدة التاريخية.. عودة الروح
الأربعاء / 21 / ربيع الأول / 1435 هـ الأربعاء 22 يناير 2014 19:41
غازي عبداللطيف جمجوم
النجاح الباهر الذي حققه مهرجان جدة التاريخية خلال الأيام الماضية يؤكد على احتفاظ جدة القديمة بجاذبيتها وإمكانياتها السياحية الكبيرة، كما يؤكد تعلق أبناء هذه البلاد الراسخ بموروثهم التراثي الأصيل. كل ذلك يجعلني واثقا أن جدة القديمة أصبحت بمشيئة الله قريبة جدا من الفوز بمكانها على قائمة اليونسكو للتراث العمراني العالمي. فالتراث العمراني المتميز موجود، والمهرجان أظهر بوضوح بدء الجهود الصادقة لإكمال البنى التحتية اللازمة والعزم على توفير الدعم اللازم لتحقيق المحافظة على ذلك التراث. على نفس القدر من الأهمية، سيشجع نجاح المهرجان جميع ملاك البيوت القديمة على البدء بجدية في ترميم بيوتهم وإحيائها لإيقاف مسلسل الخراب الذي تعرضت له في الفترة السابقة. وقد أثبت المهرجان إمكانية الاستفادة مما تم ترميمه من هذه البيوت بطرق متعددة مثل المتاحف والمقاهي والمطاعم وأماكن بيع التحف والهدايا التذكارية وصالات عرض الأعمال الفنية والأفلام الوثائقية والمناسبات مما تحقق بالفعل وغير ذلك مما ينتظر التحقيق مثل الفنادق والمكاتب وغيرها. حضرت حفل افتتاح المهرجان واستمتعت بمشاهدة الأوبريت الغنائي الكبير «خير البحر» الذي ذكرني بالمهرجان الوطني في الجنادرية وقد حكى تاريخ نشأة جدة وعلاقتها بالبحر ومكانتها التجارية والدور الذي لعبته في استقبال حجاج بيت الله وكيف أثرى ذلك تركيبتها السكانية المتنوعة. من الخطب الافتتاحية أعجبني إشادة رئيس الغرفة التجارية بجدة الشيخ صالح كامل بجهود أمين جدة الأسبق المهندس محمد سعيد فارسي في المحافظة على تراث جدة العمراني، وعن إنشاء صندوق لدعم الاستثمار في جدة التاريخية، وأعجبني في كلمة الملاك للأستاذ عبد الله زينل التصميم على إعادة تأهيل هذا التراث، كما أعجبني في كلمة أمين جدة الدكتور هاني أبو راس تحديد تسع مبادرات جديدة لحماية وتطوير المنطقة التاريخية من أهمها التوثيق الإلكتروني لمخططات المنطقة التاريخية وإنشاء إدارة متخصصة لمشاريع التراث العمراني. في المرة الثانية أخذت كل أفراد العائلة وقضينا حوالي أربع ساعات في المهرجان. مشينا إلى أن تعبت أقدامنا ومع ذلك لم نشبع رغبتنا في تغطية كل الفعاليات التي جاوزت الخمسين فعالية. انبهر الصغار من الأحياء ذات الأزقة الضيقة التي بدت نظيفة ومنيرة والبيوت العتيقة ذات الرواشين المزركشة، من منظر الحمار الذي يجر العربة أو برميل الماء ومن الجمل والهودج، من «السقا» الذي يرفع صفيحتي الماء للمنازل ومن «أزيار» الماء والدوارق الفخارية التي تحفظ الماء وتبرده، من السيارات والأجهزة القديمة. تذوقوا الأكلات الشعبية المختلفة. شاهدنا كثيرا من الصور لجدة القديمة واللوحات والأعمال الفنية. شاهدنا كيفية صناعة القوارب الخشبية التي كان يعتمد عليها الأجداد في صيد السمك والتجارة وأول فرن في جدة. تجولنا في معارض الكتب والطوابع والعملات القديمة ومسرح الفكاهة. شاهدنا الشباب والشابات يقدن المجموعات السياحية لتعريف الزوار بالفعاليات المختلفة. أعجبني وقوف الناس في طوابير منظمة لدخول بعض الأماكن المزدحمة وكأنهم في عالم ديزني. غصت الأزقة والساحات بصورة لم أشهدها في السابق وتزامل الجميع في جو عائلي بهيج. من مزايا المهرجان أنه متصل بالسوق الحقيقية القائمة والتي غطت بسهولة كل احتياجات الزوار. الإمكانيات جاهزة لجعل المهرجان يستمر طوال العام ولو بصورة أصغر. الغائب الكبير عن المهرجان هذا العام، في رأيي، كان بحيرة جدة التاريخية والتي بقيت منسية رغم أنها على بعد أمتار قليلة من أضواء المهرجان وحيويته. أتمنى في الأعوام القادمة أن يتم ربط ساحل البحيرة بطريقة مباشرة بموقع البوابة الأثرية على مدخل المنطقة التاريخية ويمكن أن يتم ذلك بسهولة عن طريق فتح النفق المغلق الذي يعبر أحد الشوارع المحيطة بميدان البيعة أو إضافة نفق آخر بسيط حتى لا تكون هناك حاجة لعبور الشوارع الخطرة بين البحيرة وموقع البوابة. ما أجمل أن يتمكن زوار جدة القديمة في المهرجانات القادمة من التنزه على ضفاف البحيرة والاستمتاع بما يمكن أن يضاف حولها من فعاليات، وسيساعد ذلك على الاستفادة من كثير من مواقف السيارات الإضافية القريبة. ختاما لابد من شكر جميع القائمين على تنظيم مهرجان هذا العام وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العليا للسياحة والآثار الذي نجح مؤخرا في استصدار مشروع الملك عبد الله للتراث الحضاري لدعم السياحة والمحافظة على الآثار مما سيكون له بإذن الله مردود كبير في إكمال تأهيل جدة التاريخية ومختلف المواقع الأثرية السياحية في بلادنا.