النسيان .. نعمة شطب من لا نريـد من قلوبنا
الخميس / 22 / ربيع الأول / 1435 هـ الخميس 23 يناير 2014 19:22
نوف محمد
هل تتخيلون كيف يمكن أن يكون حال أي منا لو أننا لا ننسى ونبقى نتذكر كل شيء؟
هل عقولنا وقلوبنا قادرة على استيعاب كل ما يمر بنا من أحداث ومشاعر وأشخاص وتخزينهم تراكميا دون أن يمحى منهم شيء أو أحد؟
بالتأكيد أننا غير قادرين ولا مهيئين سيكيولوجيا ولا فسيولوجيا لاستيعاب كل هذا الكم الكبير من الأحداث والتفاصيل الحياتية المعقدة والمتواترة والدقيقة في تفاصيلها أحيانا، ولا كل الأشخاص الذين يمرون بحياتنا، عابرين كانوا أو أصدقاء أو زملاء عمل أو أقارب أو حتى أحباب قد نعيش معهم أو قد نفارقهم يوما ما.
أفراح كثيرة وأحزان كثيرة أيضا تمر بنا ومشاعر رضا ورفض وغضب وكره وحب، تخيلوا أنها تلقى جميعا في عقولنا وقلوبنا، أيها سوف يمثلنا، وأيها سوف نحتفظ به، وأي الأشخاص سوف نبقي عليهم ضمن تصنيف هذه المشاعر المتزاحمة؟
بالتأكيد أن فكرة الاحتفاظ بكل شيء معقدة جدا لمجرد التفكير بها؛ لذل فلنحمد الله على نعمة النسيان.
النسيان.. واحدة من أعظم وأجل النعم التي من بها الله عزو جل على عباده، وإلا لما قدرت أم على فراق فلذة كبدها إن وافاه الأجل المحتوم ولا ابن أو بنت على فراق أمهما، ولا زوجة على فراق زوجها والعكس.
لولا نعمة النسيان لكانت الحياة معقدة يستحيل العيش فيها، ولكن بالنسيان تختزل ذاكرتنا ما تريد أن تبقي عليه من مشاعر وتحتفظ بالأشخاص الذين نريد لهم أن يبقوا معنا حتى بعد الرحيل عنهم، وبين من نمحوهم من ذاكرتنا وكأنهم لم يكونوا بها يوما ما دون أن نأسى على فراقهم.
وقد وصف الدكتور إبراهيم ناجي في رائعته «الأطلال» الوصفة السحرية كيلا نقع في فخ تعقيد الحياة بعدم النسيان بدقة متناهية:
أيها الساهر تغفـو
تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التأم جرح
جد بالتذكار جــرح
فتعلم كيف تنسى
وتعلم كيف تمـحو.
نعم، الحياة لا يمكن لها أن تتوقف عند حدث، ولا تسمحوا لها أن تتوقف عند أحد، الحياة تستمر ولا يمكن لشخص أيا كانت منزلته منا أن يجعل حياتنا تتوقف عنده إن هو هجرنا أو نحن هجرناه إن اختار فراقنا أو فارقناه، والذاكرة الإنسانية بنوعيها..
«قصيرة المدى short term memory» و «long term memory» ، تختزل من تريد لهم أن يبقوا فيبقوا معنا، وتمحو من لا تريد لهم البقاء معنا، ولذلك الحياة تستمر وتمضي بنا الأيام سراعا نحو واقع جديد وأشخاص جدد ولا تتوقف الحياة إلى برحيلنا إلى جوار رب كريم «أطال الله في أعماركم».
يقول الأمير خالد الفيصل:
يا نعمة النسيان يا رحمة الله
لولاك أنا عزاه وش كان سويت
لو أذكر اللي كان دقه وجله
ما كان ساعة في حياتي تهنيت
لولاي اسلي خاطري جاه عله
وارتاح لين ارسلت بعض التناهيت.
صحيح إن طريق الذاكرة نحو عالم النسيان ليس مفروشا بالورود دائما؛ فهناك من يبكي لينسى، وآخر يضحك لينسى، وآخر ينام ليهرب من واقعه وينسى، وهناك من يغرق نفسه في العمل لينسى، وهناك من يسافر لينسى، وهناك من يلجأ لأشياء ضارة لينسى كالإدمان على المخدرات أو معاقرة الخمر، أو غيرها من السلوكيات الضارة، وهناك من يختار حياة جديدة وأشخاصا جددا ليكمل مشوار الحياة معهم، شريطة أن يجيد الانتقاء كي لا يكرر أخطاء الماضي ويضطر للعودة من المربع الأول والدخول في دائرة الذاكرة والنسيان من جديد، وهناك من يحب لينسى، وهناك من يخون لينسى، شبكة معقدة جدا من التناقضات وربما المترادفات والمتواليات التي تبدأ ولا تنتهي.
هكذا هي متلازمة الذاكرة والنسيان، شبكة معقدة جدا من العلاقات الإنسانية إذا ما كان الحديث عن الذاكرة وحدها، ولكن الحياة تصبح أسهل وأجمل إذا ما كان الحديث عن النسيان، ولعل من أجمل وصايا النسيان تلك التي أطلقها الأمير بدر بن عبدالمحسن، عندما قال:
تذكـــر النســيان لا عاد تنســاه
يا قـلب وانسـى القـلب لعـل يشـفا
يدرى الحبيب انه حبيب وابجفاه
ما هـو خراب الكون لا اقفيت واقـفـا
كان الخطا منى فقـلبي خــطاياه
هو علـمه وشـلون يهـجـر ويجـفـا.
إلى أن يقـول:
إلى متى صدري بتحرق حناياه
كنـك عـلى صـالـي عظـامـي بتدفـا
والى متى جفنى بيسقيك من ماه
كن اللـــيالـي لا صـفا الدمـع تصـفا
تذكر النســيان يا قلب وانســـاه
وانسى الجروح اللي مع الوقت تشفا.
هل عقولنا وقلوبنا قادرة على استيعاب كل ما يمر بنا من أحداث ومشاعر وأشخاص وتخزينهم تراكميا دون أن يمحى منهم شيء أو أحد؟
بالتأكيد أننا غير قادرين ولا مهيئين سيكيولوجيا ولا فسيولوجيا لاستيعاب كل هذا الكم الكبير من الأحداث والتفاصيل الحياتية المعقدة والمتواترة والدقيقة في تفاصيلها أحيانا، ولا كل الأشخاص الذين يمرون بحياتنا، عابرين كانوا أو أصدقاء أو زملاء عمل أو أقارب أو حتى أحباب قد نعيش معهم أو قد نفارقهم يوما ما.
أفراح كثيرة وأحزان كثيرة أيضا تمر بنا ومشاعر رضا ورفض وغضب وكره وحب، تخيلوا أنها تلقى جميعا في عقولنا وقلوبنا، أيها سوف يمثلنا، وأيها سوف نحتفظ به، وأي الأشخاص سوف نبقي عليهم ضمن تصنيف هذه المشاعر المتزاحمة؟
بالتأكيد أن فكرة الاحتفاظ بكل شيء معقدة جدا لمجرد التفكير بها؛ لذل فلنحمد الله على نعمة النسيان.
النسيان.. واحدة من أعظم وأجل النعم التي من بها الله عزو جل على عباده، وإلا لما قدرت أم على فراق فلذة كبدها إن وافاه الأجل المحتوم ولا ابن أو بنت على فراق أمهما، ولا زوجة على فراق زوجها والعكس.
لولا نعمة النسيان لكانت الحياة معقدة يستحيل العيش فيها، ولكن بالنسيان تختزل ذاكرتنا ما تريد أن تبقي عليه من مشاعر وتحتفظ بالأشخاص الذين نريد لهم أن يبقوا معنا حتى بعد الرحيل عنهم، وبين من نمحوهم من ذاكرتنا وكأنهم لم يكونوا بها يوما ما دون أن نأسى على فراقهم.
وقد وصف الدكتور إبراهيم ناجي في رائعته «الأطلال» الوصفة السحرية كيلا نقع في فخ تعقيد الحياة بعدم النسيان بدقة متناهية:
أيها الساهر تغفـو
تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التأم جرح
جد بالتذكار جــرح
فتعلم كيف تنسى
وتعلم كيف تمـحو.
نعم، الحياة لا يمكن لها أن تتوقف عند حدث، ولا تسمحوا لها أن تتوقف عند أحد، الحياة تستمر ولا يمكن لشخص أيا كانت منزلته منا أن يجعل حياتنا تتوقف عنده إن هو هجرنا أو نحن هجرناه إن اختار فراقنا أو فارقناه، والذاكرة الإنسانية بنوعيها..
«قصيرة المدى short term memory» و «long term memory» ، تختزل من تريد لهم أن يبقوا فيبقوا معنا، وتمحو من لا تريد لهم البقاء معنا، ولذلك الحياة تستمر وتمضي بنا الأيام سراعا نحو واقع جديد وأشخاص جدد ولا تتوقف الحياة إلى برحيلنا إلى جوار رب كريم «أطال الله في أعماركم».
يقول الأمير خالد الفيصل:
يا نعمة النسيان يا رحمة الله
لولاك أنا عزاه وش كان سويت
لو أذكر اللي كان دقه وجله
ما كان ساعة في حياتي تهنيت
لولاي اسلي خاطري جاه عله
وارتاح لين ارسلت بعض التناهيت.
صحيح إن طريق الذاكرة نحو عالم النسيان ليس مفروشا بالورود دائما؛ فهناك من يبكي لينسى، وآخر يضحك لينسى، وآخر ينام ليهرب من واقعه وينسى، وهناك من يغرق نفسه في العمل لينسى، وهناك من يسافر لينسى، وهناك من يلجأ لأشياء ضارة لينسى كالإدمان على المخدرات أو معاقرة الخمر، أو غيرها من السلوكيات الضارة، وهناك من يختار حياة جديدة وأشخاصا جددا ليكمل مشوار الحياة معهم، شريطة أن يجيد الانتقاء كي لا يكرر أخطاء الماضي ويضطر للعودة من المربع الأول والدخول في دائرة الذاكرة والنسيان من جديد، وهناك من يحب لينسى، وهناك من يخون لينسى، شبكة معقدة جدا من التناقضات وربما المترادفات والمتواليات التي تبدأ ولا تنتهي.
هكذا هي متلازمة الذاكرة والنسيان، شبكة معقدة جدا من العلاقات الإنسانية إذا ما كان الحديث عن الذاكرة وحدها، ولكن الحياة تصبح أسهل وأجمل إذا ما كان الحديث عن النسيان، ولعل من أجمل وصايا النسيان تلك التي أطلقها الأمير بدر بن عبدالمحسن، عندما قال:
تذكـــر النســيان لا عاد تنســاه
يا قـلب وانسـى القـلب لعـل يشـفا
يدرى الحبيب انه حبيب وابجفاه
ما هـو خراب الكون لا اقفيت واقـفـا
كان الخطا منى فقـلبي خــطاياه
هو علـمه وشـلون يهـجـر ويجـفـا.
إلى أن يقـول:
إلى متى صدري بتحرق حناياه
كنـك عـلى صـالـي عظـامـي بتدفـا
والى متى جفنى بيسقيك من ماه
كن اللـــيالـي لا صـفا الدمـع تصـفا
تذكر النســيان يا قلب وانســـاه
وانسى الجروح اللي مع الوقت تشفا.