حوار الأعداء في بغداد

بيار روسلان

بعد أربع سنوات على سقوط نظام صدام حسين، حان الوقت أخيراً للحوار في بغداد. فقد استلزم الأمر أربعة أعوام طويلة من الأخطاء المكلفة لكي يتوصل الرئيس جورج بوش إلى الاستنتاج بأن أمريكا لا تستطيع بمفردها -رغم قوتها الهائلة- أن تجعل السلام والطمأنينة يعودان إلى العراق. أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.. ومن غير المجدي أن نتحسّر على الزمن الضائع. فعلى العكس من ذلك يجب تقديم الدعم، بدون تحفظ أو تردد، للتغيير الجذري الذي يجتاح العقول حالياً في واشنطن. إن المؤتمر الذي انعقد في العاصمة العراقية، لن يقلب المعطيات رأساً على عقب، ولن يتمخّض فوراً عن مجموعة من الردود على الأسئلة المعقدة التي بقيت حتى اليوم، بدون أجوبة. غير أن مجرد انعقاد المؤتمر هو، بحد ذاته، اختراق مهم، فالمتحاورون الذين انقطعوا عن الكلام في ما بينهم منذ فترة طويلة من الزمن، تمكنوا من فرض وجهات نظرهم، واستطاعوا أخيراً الإصغاء إلى ما يمكن للآخر أن يقوله. ولقد اضطرت الولايات المتحدة إلى سلوك سبيل الحوار، نتيجة للخسارة التي مُني بها الرئيس بوش في الانتخابات البرلمانية النصفية في نوفمبر الماضي. كما أن تقرير «بيكر- هاملتون» الذي رفضه البيت الأبيض منذ صدوره، لم يكن يطالب إلا بما تجري محاولة فعله اليوم، أي: إشراك إيران وسوريا في عملية البحث عن حل للمشكلة العراقية. والإدارة الأمريكية تستطيع فعل ذلك اليوم لأن الأيديولوجيين فيها، أمثال دونالد رامسفيلد، وجون بولتون وحتى ديك تشيني، اضطروا إلى الانحناء والخضوع أمام البراغماتيين، وعلى رأسهم كوندواليزا رايس في وزارة الخارجية، وروبرت غيتس في وزارة الدفاع. لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة قد استسلمت، بل على العكس، فالضغط العسكري المتزايد على إيران، خير دليل على ذلك، بالإضافة إلى خطة زيادة عديد القوات الأمريكية لفرض الأمن في بغداد. غير أن سياسة واشنطن أصبحت مفهومة أكثر ومقبولة من الآخرين، فهي حصلت على المساندة من معظم الدول العربية، القلقة من ان احتمال الاقتتال بين السنة والشيعة، قد ينتقل إلى خارج الحدود العراقية، والنزوح الهائل للاجئين العراقيين، جعل هذه الدول تدرك أن الخطر أصبح حقيقياً. أما سوريا وإيران فهما بالتأكيد شديدتا التشكيك، والدولتان تجدان في هذا المؤتمر بداية لإرواء عطشهما بالاعتراف الدولي. وهاتان الجارتان للعراق ليس لهما أية مصلحة من تزايد التدهور في الأوضاع الأمنية والاجتماعية في العراق. لكنهما تبالغان كثيراً في تقدير ثمن مشاركتهما في المساعدة على إعادة الاستقرار إلى بلد، تجد الولايات المتحدة نفسها فيه بحاجة ماسة إليهما. وبالنسبة لطهران، يبدو أن الهدف الأول من مشاركتها، هو الحصول على «الليونة» في موقف واشنطن من برنامجها النووي، أما بالنسبة لدمشق، فإن لبنان هو المكان الذي تبحث فيه عن التنازلات، وخاصة عبر محاولتها رفع السيف المسلط على عنق النظام السوري في التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. لكن الولايات المتحدة ترفض أي نوع من المساومات أو المقايضات، في مواضيع لا علاقة مباشرة لها بالشأن العراقي، غير أنها للمرة الأولى منذ أربع سنوات تبدو مستعدة للنقاش والحوار مع أعدائها، وهذه بداية حسنة.
* رئيس تحرير صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية
ترجمة: جوزيف حرب