شيزوفرينيا

محمد الحربي

يقول الخبر: «حضر مباراة النصر أمام الشباب عضوات من مجلس الكونجرس الأمريكي، ضمن استضافة نادي النصر لوفد من كبار مستشاري مساعدي أعضاء الكونغرس الأمريكي، وذلك بعد أن تلقى رئيس النادي الأمير فيصل بن تركي بن ناصر خطابا من مجلس الشورى يفيد بالرغبة بحضورهم هذه المباراة واستضافتهم. وقام النادي مباشرة بالتنسيق في ذلك مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب، حيث تم تمكينهم من الحضور، وذلك استثمارا لزيارتهم التي يقومون بها للمملكة لعكس صورة متميزة عن الرياضة السعودية.....»، إلى نهاية الخبر.
وحتى هنا لا مشكلة؛ خبر جميل، وبادرة ممتازة من المجلس، رغم ما أثاره من جدل بين مؤيد ومعارض كعادتنا نحن السعوديين، ورغم أن هناك سؤالا مهما يفرض نفسه: لماذا أراد المجلس لهن رؤية تطور منشآت الرياضة فقط، وليس الجامعات أو مراكز الأبحاث ــ مثلا؟!
لا يهم، يجوز أن لهن ميولا رياضية.
ولكن السؤال الأهم: ماذا عن برلمانياتنا نحن؟! وماذا عن بنات البلد؟! لماذا لا يتبنى المجلس ذات المبادرة تجاههن؟!
هل السعوديات وحدهن نساء، والأمريكيات أو غيرهن من الجنسيات الأخرى لسن نساء ــ مثلا؟!
هناك حالة عجيبة في مجتمعنا، لا يمكن وصفها إلا بأنها «شيزوفرينيا» أو حالة فصام مجتمعي، عندما يتحدث المجتمع نفسه عن المرأة السعودية، تجده يتحدث بحساسية، ويتطرف البعض إلى درجة وصفها بالعورة، وتجد ذات الشخص لديه في منزله خادمة أو اثنتان تسرحان وتمرحان ربما بدون حجاب، وربما ترتدي بنطلونا، وتتحدث معه وتضحك وتقدم له الطعام ويجلس أمامها بملابس البيت، وكأنها ليست امرأة، ولا يقيسها بمقاييس الحرمة والعورة التي يقيسها على زوجته أو ابنته أو أخته أو حتى أمه أو جدته.
وليس الرجال وحدهم من يعانون من هذه الشيزوفرينيا، النساء أيضا في مجتمعنا يعانين منها، تجد الواحدة منهن تجلس في مطعم أو كوفي شوب كاشفة وجهها، وبمجرد دخول شخص يرتدي شماغا أو غترة وعقالا، إلا وتجدها تسارع إلى تغطية وجهها، وكأنما لدغتها حية أو عقرب، وكأن صاحب الغترة والعقال رجل والعامل الوافد لا يمت لجنس الرجال بصلة!!
يا جماعة الخير، والله العظيم، إنهم رجال مثلنا بالضبط، يشعرون بما نشعر، ويشتهون ما نشتهي، ولديهم نفس كمية هرمون التستوستيرون الذي يسري في أجسادنا، ووالله إن الأجنبيات ومنهن الخادمات في منازلنا نساء مثل نساءنا بالضبط، يشعرن بما تشعر به نساؤنا، ويشتهين ما يشتهينه، ولديهن نفس كمية هرمون البروجستيرون الذي يسري في أجساد نسائنا!!.
نحن من أكثر شعوب الأرض حديثا عن خصوصيته، ولكننا نفصل هذه الخصوصية على مقاس أهوائنا وميولنا ورغباتنا، ونسقطها على الواقع الذي نريد وقتما نريد وكيفما نريد وعلى من نريد، ونضرب بها عرض الحائط متى ما كانت لا تلبي رغباتنا وأهواءنا!.
وربما تتذكرون جميعا ما حدث في شهر مايو الماضي عندما حضرت في مدرجات استاد الملك فهد الدولي عائلة سعودية وامرأة نيوزيلندية، في إحدى المباريات، وبدأت الأنباء تتضارب حول السماح بدخول العائلات للملعب من عدمه، وبسرعة البرق سارع اتحاد الكرة إلى نفي الأمر، رغم أن مدير الاستاد كشف ــ وقتها ــ عن أنه تلقى من الاتحاد السعودي خطابا طالبه فيه بتخصيص أماكن لمشجعات منتخبات الإمارات، ونيوزيلندا وترينداد وتوباجو، وأن الخطاب لم ينص على السماح للسعوديات بدخول الملعب!!.
وليس في هذا الأمر وحده تظهر حالة الفصام هذه، فكثير من الكتاب السعوديين الليبراليين أو اليساريين أو المطالبين بانفتاح المجتمع، يكتبون ويتحدثون عبر وسائل الإعلام بشيء، بينما هم آخر من يمكن أن يطبقوه في بيوتهم، وحتى من هم في أقصى اليمين يقولون بشيء بينما يناقضونه في بيوتهم، ونراهم يفعلون عكسه عندما نلتقي بهم صدفة في الخارج.
مجتمع عجيب، لديه أزمة ثقافة واضحة تماما، ويعاني من حالة فصام ثقافي ومجتمعي فريدة من نوعها، بين ما يريده حقيقة وبين ما يمارسه في واقعه، مهووس بأن يبقى في عين الآخرين الفاضل الذي على رأسه ريشة دائما، بينما يمارس أمام هذا الآخر كل ما لا يمت لرمزية الريشة التي على رأسه بشيء، لا من قريب ولا من بعيد، إلا من رحم الله، ويمكنك أن تجادله في كل شيء إلا في موضوع خصوصيته هذا!!.
مجتمع عجيب يحوي كل التناقضات، تمنحه الدولة كامل الحرية في اختيار نمط الحياة التي يريد، ولا تلزمه بشيء غير الضوابط الشرعية الثابتة، ليحقق مطالبه، ومع ذلك يبقى ويبدو أنه سيبقى طويلا عاجزا عن أن يختار، ومن وجهة نظري، هذه هي أهم خصوصية تميز المجتمع السعودي!!.

m_harbi999@hotmail.com

للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 176 مسافة ثم الرسالة