المجلس البلدي .. إتـقـان فـنّ الجلـوس !!
السبت / 24 / ربيع الأول / 1435 هـ السبت 25 يناير 2014 19:36
حسن النعمي
المجلس مكان لاستقبال الضيوف والحكي والمشورة أحيانا، وهو دور تقليدي راسخ في ثقافتنا. ولا ضير أن يمتد هذا التقليد إذا كان الهدف الانتقال من الحكي إلى الفعل، وليس مجرد الحكي والمشورة، ثم انفضاض المجلس مع وعد باللقاء في مجلس آخر.
المجلس البلدي في أصله تكوين مدني يراد به الفعل والحركة، وليس مجرد ممارسة الجلوس بامتياز، حيث يطبق وظائف الجلوس باستمتاع، ويستحضر تـراث العرب التليد من حكايات التشاور وحسن استقبال الضيوف، وحسن توديعهم بمثـل ما استقبلوا به من حفاوة وترحاب.
في التصور العام يمكن اعتبار المجلس البلدي تجربة مهمة في مسيرة بناء المؤسسات ذات الطابع المدني، فلا يمكن لأي راصد موضوعي أن يستبعد هذا التكوين من التطور البطيء لبناء مؤسسات المجتمع المدني. الفرق بين مؤسسات المجتمع المدني وتجربة المجلس البلدي أن المجلس جاء تكونه وفقا لتصور حكومي، بينما التجربة المدنية في تكوين المؤسسسات تأتي استجابة طبيعية للمتغيرات، تأتي وفق مبادرات شعبية تهدف إلى التمثـيـل العام للمناقشة، والمراقبة، والدفاع عن الحقوق المجتمعية العامة.
ويمكن اعتبار تجارب جمعية حقوق الإنسان، وحماية المستهلك وغيرها من المؤسسات ذات الطابع المدني جزءا من هذا الوعي البطيء بضرورة دفع المواطنين للعب دور حيوي في المسؤولية الاجتماعية.
تنشأ سلبية المواطنين من تحيـيد دورهم في الحياة العامة، فإما أن يكونوا موظفين لدى الحكومة، أو مستقلين همهم أعمالهم الخاصة، أو عاطلين عن العمل، أو مستفيدين من برامج الضمان الاجتماعي. وهذا الغياب أحدث اتكالية وعدم مبالاة عند الكثير، وحتى الذين لديهم رغبة في العمل الاجتماعي لم يجدوا منافذ حقيقية للعمل العام.
لعل تغول الدور الحكومي ذي النزعة الرعوية، والتماهي بأن الحكومة عليها كل المسؤوليات من التخطيط إلى التنفيذ إلى المراقبة، حد من دور المواطن في الإسهام المنظم عبر مؤسسات مجتمع مدني فاعلة ومؤثرة.
تجربة المجلس البلدي تجربة حضرت، لكنها تلاشت بقوة. في انتخابات الدورة الأولى اندفعت النخب ظنا منها أنها قد وجدت ضالتها، فاستثمرت القوى الدينية كل طاقتها لتستحوذ على النصيب الأكبر من مقاعد المجالس البلدية من خلال استثمار القوائم الذهبية التي زكاها بعض المشايخ والدعاة، فسهل انتخاب مجموعات معينة للوصول لهذه المجالس بصفتها إحدى المنابـر القوية التي ستؤثر في مسيرة الوطن، ولأن الفهم كان خاطئا، فقد ارتبكت التجربة، ولم يصل للمجالس من يستحق. وظل دور المجلس، مهما كان منقوصا، غائبا، فدوره مدني خدمي بحت، وليس منبرا دعويا كما تصوره أصحاب القوائم الدينية الذهبية. وربما يذكر البعض حادثـة فوز أحد المرشحين من القوائم الذهبية، عندما التفت لمنافسه الذي خسر إذ تلا عليه قول الله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون)، هذا الإسقاط الحاد قاد الرجل للمحكمة بتهم القذف والتألي على الله في شأن دنيوي. ومع ذلك انتهت التجربة بالصلح رغم فداحة الجرم.
من تجربة مع المجلس البلدي في جدة، والأمر قد ينسحب على كل المجالس البلدية، وجدته مجلسا يوهم من يأتي إليه أن عندهم الحل، حيث يستحضر آداب الضيافة لمن يزوره، فهناك الآرائك الفخمة، والعصائر المنوعة، والابتسامات السخية، وتخرج من المجلس وقد شعرت أن المرافق البلدية قد دانت لك، بل وعلى استعداد لإرضاء طموحك وتعويضك عن خسائرك المادية والمعنوية. ولأن التناقض بين مجلس للحكي والفضفضة، ومجلس يؤدي دورا ملموسا كان واضحا، مما حدا ببعض أعضاء هذه المجالس لتقديم استقالتهم.
لم تكن المجالس البلدية تمثـل رقما مهما لدى الأمانات والبلديات التي تشكل أحد أهم المرافق التي يجد المواطن في خدماتها نقصا، وإهمالا، وعدم شمولية. من هنا جاء الاستبشار بالمجالس البلدية التي ستكون صوتـا منظما يمثـله في تحقيق مصالح الأحياء المختلفة. غير أن تكوين المجالس كان منزوع الصلاحيات التي تحقـق مصالح المواطنين، وبقيت الأمانات بنفوذها وإنحيازها وتجاهلها بعيدة عن دورها الإنساني في توزيـع خدماتها بقدر من المساوة وفقا لنمو المدن.
ولعل الدورة الثانية في تجربة المجالس البلدية عكست عدم رضا المواطنين، وعكست تراخي النخب وخاصة الدينية منها في التكتـل وراء تجربة المجالس بعد أن أدركوا عدم تأثيرها. من هنا عزف الأغلبية عن الذهاب للانتخابات، وفقدت المجالس أهم ما تحتاج وهو الإيمان بها كفكرة، أكثر من دورها كجهة ذات صلاحيات معدومة.
المجلس البلدي نجح كفكرة، ولن يكون بعده إلا ما هو أفضل، لكن واقعه لم يكن هو المأمول، فقد مثـل دور الجالس ولم يستطـع النهوض للقيام بدوره كما يجب.
المجلس البلدي في أصله تكوين مدني يراد به الفعل والحركة، وليس مجرد ممارسة الجلوس بامتياز، حيث يطبق وظائف الجلوس باستمتاع، ويستحضر تـراث العرب التليد من حكايات التشاور وحسن استقبال الضيوف، وحسن توديعهم بمثـل ما استقبلوا به من حفاوة وترحاب.
في التصور العام يمكن اعتبار المجلس البلدي تجربة مهمة في مسيرة بناء المؤسسات ذات الطابع المدني، فلا يمكن لأي راصد موضوعي أن يستبعد هذا التكوين من التطور البطيء لبناء مؤسسات المجتمع المدني. الفرق بين مؤسسات المجتمع المدني وتجربة المجلس البلدي أن المجلس جاء تكونه وفقا لتصور حكومي، بينما التجربة المدنية في تكوين المؤسسسات تأتي استجابة طبيعية للمتغيرات، تأتي وفق مبادرات شعبية تهدف إلى التمثـيـل العام للمناقشة، والمراقبة، والدفاع عن الحقوق المجتمعية العامة.
ويمكن اعتبار تجارب جمعية حقوق الإنسان، وحماية المستهلك وغيرها من المؤسسات ذات الطابع المدني جزءا من هذا الوعي البطيء بضرورة دفع المواطنين للعب دور حيوي في المسؤولية الاجتماعية.
تنشأ سلبية المواطنين من تحيـيد دورهم في الحياة العامة، فإما أن يكونوا موظفين لدى الحكومة، أو مستقلين همهم أعمالهم الخاصة، أو عاطلين عن العمل، أو مستفيدين من برامج الضمان الاجتماعي. وهذا الغياب أحدث اتكالية وعدم مبالاة عند الكثير، وحتى الذين لديهم رغبة في العمل الاجتماعي لم يجدوا منافذ حقيقية للعمل العام.
لعل تغول الدور الحكومي ذي النزعة الرعوية، والتماهي بأن الحكومة عليها كل المسؤوليات من التخطيط إلى التنفيذ إلى المراقبة، حد من دور المواطن في الإسهام المنظم عبر مؤسسات مجتمع مدني فاعلة ومؤثرة.
تجربة المجلس البلدي تجربة حضرت، لكنها تلاشت بقوة. في انتخابات الدورة الأولى اندفعت النخب ظنا منها أنها قد وجدت ضالتها، فاستثمرت القوى الدينية كل طاقتها لتستحوذ على النصيب الأكبر من مقاعد المجالس البلدية من خلال استثمار القوائم الذهبية التي زكاها بعض المشايخ والدعاة، فسهل انتخاب مجموعات معينة للوصول لهذه المجالس بصفتها إحدى المنابـر القوية التي ستؤثر في مسيرة الوطن، ولأن الفهم كان خاطئا، فقد ارتبكت التجربة، ولم يصل للمجالس من يستحق. وظل دور المجلس، مهما كان منقوصا، غائبا، فدوره مدني خدمي بحت، وليس منبرا دعويا كما تصوره أصحاب القوائم الدينية الذهبية. وربما يذكر البعض حادثـة فوز أحد المرشحين من القوائم الذهبية، عندما التفت لمنافسه الذي خسر إذ تلا عليه قول الله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون)، هذا الإسقاط الحاد قاد الرجل للمحكمة بتهم القذف والتألي على الله في شأن دنيوي. ومع ذلك انتهت التجربة بالصلح رغم فداحة الجرم.
من تجربة مع المجلس البلدي في جدة، والأمر قد ينسحب على كل المجالس البلدية، وجدته مجلسا يوهم من يأتي إليه أن عندهم الحل، حيث يستحضر آداب الضيافة لمن يزوره، فهناك الآرائك الفخمة، والعصائر المنوعة، والابتسامات السخية، وتخرج من المجلس وقد شعرت أن المرافق البلدية قد دانت لك، بل وعلى استعداد لإرضاء طموحك وتعويضك عن خسائرك المادية والمعنوية. ولأن التناقض بين مجلس للحكي والفضفضة، ومجلس يؤدي دورا ملموسا كان واضحا، مما حدا ببعض أعضاء هذه المجالس لتقديم استقالتهم.
لم تكن المجالس البلدية تمثـل رقما مهما لدى الأمانات والبلديات التي تشكل أحد أهم المرافق التي يجد المواطن في خدماتها نقصا، وإهمالا، وعدم شمولية. من هنا جاء الاستبشار بالمجالس البلدية التي ستكون صوتـا منظما يمثـله في تحقيق مصالح الأحياء المختلفة. غير أن تكوين المجالس كان منزوع الصلاحيات التي تحقـق مصالح المواطنين، وبقيت الأمانات بنفوذها وإنحيازها وتجاهلها بعيدة عن دورها الإنساني في توزيـع خدماتها بقدر من المساوة وفقا لنمو المدن.
ولعل الدورة الثانية في تجربة المجالس البلدية عكست عدم رضا المواطنين، وعكست تراخي النخب وخاصة الدينية منها في التكتـل وراء تجربة المجالس بعد أن أدركوا عدم تأثيرها. من هنا عزف الأغلبية عن الذهاب للانتخابات، وفقدت المجالس أهم ما تحتاج وهو الإيمان بها كفكرة، أكثر من دورها كجهة ذات صلاحيات معدومة.
المجلس البلدي نجح كفكرة، ولن يكون بعده إلا ما هو أفضل، لكن واقعه لم يكن هو المأمول، فقد مثـل دور الجالس ولم يستطـع النهوض للقيام بدوره كما يجب.