جنيف 2: الأزمة على الطاولة والحلول خارج الغرف المغلقة

قراءة: أسماء كوار

يرى بعض السياسيين أن الأزمة السورية تحولت إلى رقعة تعولم فيها الصراع بين قوى إقليمية ودولية، الفاعلون على أرضها هم الذين يحددون اتجاهها ونتيجتها، وبالتالي يعتقدون في حضور كل الأطراف أمرا ضروريا لإحراز تقدم على المستوى الدولي لإيجاد خارطة طريق يشترك فيها كل الفاعلين الدوليين، بما فيها الدول المتورطة في الأزمة، والتي يرى وزير الخاريجية الأمريكي كيري أهمية دورها في إقناع النظام بالإقدام على الانصياع لإرادة المجتمع الدولي، والتوصل مع الأطراف المتفاوضة إلى حل يسرع من حقن دماء السوريين.
بعض التسريبات من العاصمة السويسرية جنيف، تشير إلى وجود اجتماعات بيرن بقيادة سويسرية تضم وفدا من المعارضة (وليس الائتلاف)، ووفدا أمريكيا وروسيا ودول على علاقة بالأزمة، على نحو يخترق موقف النظام المتشدد بالتوازي مع المفاوضات التي تدور تفاصيلها في مبنى هيئة الأمم المتحدة، بين وفدي المعارضة الممثلة في الائتلاف والنظام بقيادة الوسيط الأممي الأخضر الإبراهيمي.
الخبراء السياسيون والمصادر الدبلوماسية الغربية، يجنحون باتجاه انعقاد هذه الاجتماعات، بالتوازي مع انعقاد جنيف 2 كضرورة لإيجاد أرضية توافقية، تسرع من وضع خارطة طريق تلتزم بها كل الأطراف. ويبدو أن اجتماعات بيرن أو غيرها، لن تكون مفاجئة للكثير من الأطراف التي اعتبرتها من أبجديات المفاوضات الدولية، لأن الاجتماعات التي تتم في الغرف المغلقة، تديرها توافقيا اجتماعات ثانوية توجه مسار الاجتماعات المعلنة. بل ذهب البعض إلى القول، إن الطبخة التي تتم حاليا في بيرن، هي التي سيجتمع حولها الأطراف المعنيون في المراحل المقبلة ويلتزمون بها. وأكدوا أن الطبخة التي تتم في الغرف المغلقة، أهم بكثير من تلك التي تتم خارجها.
الإبراهيمي أعلن بلهجة صارمة في بداية التفاوض، أن لا أحد من الوفدين يمكنه الانسحاب أو مغادرة مبنى هيئة الأمم المتحدة أو الاستقالة. وصرح بعدها، أن الهوة بين النظام السوري والمعارضة كبيرة، ولا يمكن التوصل وفق هذا إلى حل يرضي كل الأطراف مع بداية الجولة الأولى من المفاوضات، ويخدم بالدرجة الأولى الشعب السوري. واعتبر أنه لا يمكن تجسير هذه الهوة إلا بضغط دبلوماسي كبير من الولايات المتحدة وروسيا، وإشراك كل الأطراف المعنية.
وهو الأمر الذي بدا واضحا من خلال الضغوط التي تمارسها أمريكا وروسيا على الوفدين في جنيف، وحملهما مبدئيا على إيجاد أرضية توافقية حول مقترح ورقة الإبراهيمي، والتي تتعلق بهيئة الحكم الانتقالي، وهي في الحقيقة مقترح روسي أمريكي، تم الاتفاق على خطوطه العريضة، دون الخوض في موضوع مستقبل رئيس النظام بشار الأسد في أي عملية انتقالية. وقد طلب من وفد المعارضة أن لا يطرح مستقبل الأسد حاليا، بل يجب تجاوز هذه النقطة بالذات.
وفي السياق ذاته، كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، قد أعلن على ضرورة إشراك الدول المتورطة في المرحلة المقبلة من التفاوض. ويبدو أن الأتراك يتجهون نحو نفس الرؤية، وهو ما يفسر سعي أردوغان نحو طهران، لإقناعهم بضرورة الضغط على نظام دمشق لتلين مواقفها على طاولة الحوار. ولذلك فإن كل المحاولات تصبو للتوصل إلى وضع خارطة طريق من أجل تحقيق تسوية سياسية، تكون جنيف 2 من خلاله آلية لتحقيق مقاربة إقليمية وفق تسوية سياسية يجمع عليها كل الأطراف.
وبما أن النظام السوري لم ولن يقدم أي تنازلات ما لم يكن هناك ضغط روسي أمريكي، فإن الملاحظين يعتقدون أنه من الصعوبة بمكان تحقيق إنجاز كبير في مبنى هيئة الأمم المتحدة بجنيف، ويؤكد الملاحظون أن الاجتماعات التي تتم بين الأطراف المعنية سواء في بيرن أو غيرها من المناطق في العالم، لا تعتبر مؤامرة تحاك في السر، بل يعتقد أنها خطوات سياسية لتسهيل تفعيل المضي في إيجاد حل للأزمة السورية. وهو تحصيل حاصل لأي مفاوضات دولية وإقليمية حول القضايا الشائكة.