ظاهـرة عضـل الرجـل

أحمد عجب

بقدر ما كان الحكم غير مسبوق (وربما اعتبره البعض مجحفا) ، بقدر ما كان بادرة أمل وشعاع نور ساطع نفـذ مـن باب كهف مظلم تسكنه مجموعـة مـن الفتيات اليائسات اللاتي حكم عليهن بالعضل مدى الحياة والإقامة الجبرية في هذا المكان المعزول عن العالم تماما، هذا الحكم الذي نشرت «عكاظ» تفاصيله قبل أيام يقول: أقرت إحدى المحاكم مؤخرا استمرار سجن مواطن أربعيني على ذمة قضية تهديده لرئيس المحكمة بالقتل، وذلك حتى وفاة أحدهما ، وكان المواطن قد أطلق تهديداته داخل المحكمة بسبب قيام القاضي بتزويج أخته لأحد المواطنين دون أخذ موافقـة الأب وبقية أفراد الأسرة ممـا أشعرهم بالغـبن والمذلـة !؟. بداية اسمحوا لي أن أحيي في هذا القاضي أمانته وشجاعة لتبنيه هذه القضية حتى تمكن من تخليص الفتاة من العضل الذي تدعيه، وقد يقول قائـل : كفاية تلميعا وتطبيلا ، ففضيلته القاضي الوحيد بالمحكمة وحتى لو كان هناك قضاة آخرون فإن القضية ستحال إليه الكترونيا من قسم صحائف الدعوى وبحكم عمله يكون ملزما بنظرها والسير فيها، فأين هي الشجاعة والبسالة التي تتحدث عنها ؟! وهنا أقول : كان بإمكانه لو أراد أن يريح دماغه ويهرب من المسؤولية، أن يعطي مواعيد متباعدة، وأن يمنح الخصم الأجل وراء الأجل، وأن يأمر بشطب الدعوى عند أول جلسة تتغيب عنها الفتاة المدعية وفق قاعدة (من ترك دعواه يترك) أن يجنب نفسه التهديد والوعيد ويصدر حكمه لصالح المدعى عليه بحجة عدم كفاءة الخاطب !!. أما من يستغرب تزويج الفتاة بدون موافقة والدها (وليها الشرعي) فإنه يتحدث من منطلق العادات والتقاليد التي تمنح رجل البيت القوامة ( الكلمة كلمته والشور شوره ) وهنا لا أستطيع لومه لأننا جميعا وبكل صراحة (ذلك الرجل)، إلا أن هناك حدودا يستحيل معها الرفض والمنع المتكرر إلى جحيم لا يطاق وتعدٍ صارخ على أبسط حقوق المرأة في الحياة، ومتى استطاعت الفتاة اللجوء إلى المحكمة ووجدت القاضي الذي لا يخاف في الله لومة لائم، وثبت عضل الولي لها (أي امتنع عن تزويجها ممن ترغب فيه إذا كان كفؤا) وثبت أن العضل كان بسبب طمع الولي براتب البنت مثلا أو لرغبته في الحصول على أكبر مهر أو كذا نكاية بطليقته (أم البنت) وأصر على موقفه هذا فإن الولاية تنتقل من الأب إلى ولي أبعد منه أو إلى القاضي ناظر الدعوى. مع أنني مثل غيري حين أشاهد سائقا متهورا يعرض أرواح الآخرين للخطر أو حين أجد شابا يتحرش بخلق الله (والعجرة لا تفارقه) أتمنى بعفوية متناهية أن يتم وضعه في السجن (حتى يخيس) لأنه المكان الطبيعي له ولأشكاله، ومع أنني مثل غيري كلما سمعت بقضية عضل سجنت فيها أحلام فتاة تمنيت لو أن الفاعل يمر بذات الظروف بحيث يصادر رأيه وتقيد حريته مدة من الزمن، غير أنني والحق يقال لا أخفي حيرتي عند قراءتي لهذا الخبر بسبب عبارة (السجن حتى وفاته أو وفاة القاضي) لأنها باختصار لا تختلف كثيرا عن عبارة (ما راح أزوجك حتى آخر يوم بعمري).. فهل نحن أمام مشكلة اجتماعية جديدة اسمها (ظاهرة عضل الرجل) ؟!.