الابتزاز جريمة أخلاقية وفوضى تقنية
أئمة مساجد ومختصون: مضاعفة العقوبات تقطع دابر مرتكبيها
الخميس / 20 / ربيع الثاني / 1435 هـ الخميس 20 فبراير 2014 19:06
عبدالله الداني (جدة)، مريم الصغير، سعاد الشمراني (الرياض)، عبدالله الحكمي، طفيل اليوسف (الدمام)، نادر العنزي (تبوك)
قبض مركز هيئة الأمر بالمعروف في حي السامر بجدة على شاب من جنسية عربية ابتز فتاة سعودية جامعية، بعد حصوله على صورها ومقاطع فيديو خلال تواصلها معه في وقت سابق عبر «الواتساب» و«الكام»، ومن ثم شرع في تهديدها بفضحها وإطلاع والدها على الصور ما لم تمكنه من نفسها، عندها تقدمت الفتاة بشكوى خطية إلى رجال الهيئة بمركز هيئة السامر لتخليصها من الشاب المبتز، وبعد التحريات والتثبت من الشكوى تم الإيقاع بالشاب بالجرم المشهود، وتمت إحالته لجهة الاختصاص تمهيدا للتحقيق معه ومحاكمته شرعا.
وفي حادثة أخرى، ضبطت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة جدة، ممثلة في مركز هيئة الواسطة، مواطنا في عقده الرابع متهما بابتزاز طالبة جامعية، كانت قد حصلت على هاتف المبتز من إعلان عن توظيف داخل أحد الأسواق، وبعد تواصلها معه أوهمها أنه مالك شركات ويملك علاقات تمكنه من توظيف راغبي العمل، طالبا منها لقاءه قبل أن يختلي بها ويصورها، وبينت الطالبة أن الرجل ابتزها بالصور لإرغامها على الخروج معه ما دفعها لإبلاغ الهيئة، وبعد مرور 12 ساعة من تلقي البلاغ تمكن مركز هيئة الواسطة من الإطاحة بالمبتز بعد التحقق من بلاغ الفتاة، والاستماع للمكالمات بين المدعية والمدعى عليه في أحد أسواق جنوب جدة، حيث عثر في هاتفه الجوال على صور الفتاة ومراسلاته لها، حيث جرى إعداد محضر وأحيل لجهة الاختصاص للتحقيق معه ومحاكمته شرعا، كما تمكنت هيئة جدة ممثلة في مركز هيئة الواسطة من القبض على وافد عشريني ابتز فتاة عشرينية، بعد أن هددها بنشر صورها التي حصل عليها في وقت مبكر عن طريق قريبة له، وخيرها بين التشهير بها أو الخروج معها إلى مكان عام، إلا أن الهيئة تمكنت من التنسيق والقبض عليه وإحالته لجهة الاختصاص.
من جهة أخرى، تقدمت امرأة عشرينية (مطلقة) لمركز هيئة الصديق بجدة بشكوى ضد شخص في عقده الثالث بعد أن شرع في ابتزازها وتهديدها بالفضيحة بعد أن تعرف عليها في مقر عملها في أحد المستشفيات بغرض الزواج، واستمرت العلاقة بينهما خمسة أشهر زودته خلالها بصورها، وخلال هذه الفترة طلب منها مقابلتها للغداء معا وقام بتصويرها في سيارته وهي لا تشعر، وفي المرة الثانية طلب منها الخروج معه وقام بتصويرها بمقطع فيديو في مكان مغلق، فطلبت منه قطع العلاقة، إلا أنه رفض ذلك وأخذ يطالبها بمرافقته إلى شقته أو فضحها، وكان يرتاد مقر عملها باستمرار لتشويه سمعتها ويصر عليها بالخروج معه أثناء الدوام، فتم التنسيق مع الفتاة لمسايرته، وتم القبض عليه بعد أن حضر لأخذها من عملها ووجد بجواله أدلة تؤكد علاقات محرمة مع عدة نساء إلى جانب صور صاحبة الشكوى ومقاطع فيديو لها.
وفي واقعة أخرى، تقدمت امرأة سعودية بشكوى لمركز هيئة الصحيفة ضد أحد العاملين في محل لبيع الملابس النسائية، بعد أن تعمد البائع الاتصال بها على جوالها وفي أوقات متأخرة من الليل ويطلب منها إقامة علاقة محرمة معه، وبعد التأكد من صحة الشكوى وجمع الأدلة طلب أعضاء الهيئة من المرأة الذهاب للمحل لاستلام بضاعتها والاتصال على فرقة الهيئة من هناك، وعند دخولها المحل قابلها العامل المتحرش وصرح لها أنه هو من يقوم بالاتصال عليها، وبمواجهته أقر بجرمه فتم القبض عليه وإحالته لجهة الاختصاص.
إيهام بالزواج
واتهم مواطن ثلاثيني فتاة باستغلال «طيبته» وموقفة الإنساني بعد أن قدم لها مساعدة مالية، إلا أنها اتهمته بإقامة علاقة غير شرعية معها ورفعت شكوى ضده لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتبوك، تتهمه بابتزازها وإيهامها بالزواج وإرسال رسائل تهديد لها، الأمر الذي أدى إلى فصله وصدور حكم شرعي بسجنه شهرين، وجلده 60 جلدة.
وقال المواطن (ع.م.ع) لـ « عكاظ الأسبوعية» إنه كان يملك مكتبا للتقسيط وجاءني اتصال هاتفي من فتاة أبلغتني بأنها بحاجة إلى جهاز جوال بالتقسيط، فطلبت منها حضور كفيل أو محرم، ولم تحضر بل دأبت على الاتصال بي لغرض إقامة علاقة معها إلا أنني كنت أتحاشاها.
وأضاف «أكثرت الفتاة الاتصالات وطلبت مني في أحد الأيام مساعدة مالية قدرها 1000ريال، فأوصلت لها المبلغ عند بوابة أحد الأسواق التجارية، وكانت برفقتها شقيقتها»، مستغربا تلقيه اتصالا من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتهامه بخلوة غير شرعية مع الفتاة وابتزازها بالصور وإيهامها بالزواج منها - رغم عدم وجود دلائل - (وفقا لصك الحكم تحتفظ «عكاظ» بنسخة منه).
وأشار المواطن إلى أن القضية تسببت بفصله من عمله وصدور حكم شرعي بسجنه لمدة شهرين بتهمة علاقة غير شرعية مع الفتاة.
وأكد مصدر مسؤول بهيئة تبوك لـ «عكاظ» بأن قضية الشخص هي قضية «ابتزاز» متكامل الأركان، كما حصلت الصحيفة على القرار القضائي الصادر من المحكمة الجزئية بتبوك والذي تضمن اتهام الفتاة للمواطن (ع.م.ع) بأنه كان يمنيها بالزواج، وأنها تحتفظ بتسجيلات صوتية ورسائل تهديد، إلا أنها لم تحضر تلك الإثباتات – حسب القرار القضائي-، في حين أصدرت المحكمة الجزئية بتبوك بإثبات إقامة علاقة محرمة مع فتاة لا تمت له بصلة شرعية والحكم عليه بعقوبة تعزيرية بالجلد 60 جلدة والسجن لمدة شهرين.
تبادل الصور
«اتفقنا على تبادل الصور، ومن صورته عرفت أنه رجل متلاعب، فقطعت علاقتي به».. هكذا قالت (ف،م)، فحاول ابتزازي عن طريق شخص آخر كان قد تحصل على رقمي وصوري عن طريقه، فلجأت لهيئة الأمر بالمعروف الذين تعاملوا مع موقفي بسرية تامة والحمد الله.
وتقول فتاة «تعرضت للابتزاز بعد ما وقعت في حب شاب أوهمني بالزواج واتفقنا للخروج معا إلى أحد المطاعم ولكنه أوهمني بأن المطاعم مراقبة من الهيئة وعرض علي الذهاب إلى شقته وهناك حاول الاعتداء علي وعندما رفضت وقاومته قام بضربي وتصويري وبعدها بدأ بابتزازي لتلبية رغباته، فنصحتني صديقتي بإبلاغ الهيئة وبالفعل تقدمت بشكوى للجهات المعنية والحمد الله انتهى الأمر بسلام».
من جانبه، ذكر مصدر بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن (وحدة مكافحة جرائم الابتزاز) تقوم بالإشراف على عمل الهيئة في قضايا الابتزاز وتلقي البلاغات ومتابعة آلية معالجتها مع الفروع والهيئات والمراكز، وبين المصدر أن الهيئة ستعقد مؤتمرات لمناقشة قضية الابتزاز بمشاركة عدد من الجهات الحكومية والأهلية لمناقشة ظاهرة الابتزاز وإيجاد السبل لمعالجتها.
من جهتها، ذكرت الأخصائية الاجتماعية بقسم توجيه وإرشاد الأسري بمجمع الأمل هيا العبيد، أن 88 في المائة من قضايا الابتزاز تقف خلفها الفتيات، واقترحت على وحدة مكافحة الابتزاز توفير خط ساخن للوحدة ونشره في الأماكن العامة، وقالت «آخر الإحصائيات عن حالات الابتزاز المنشورة في موقع هيئة الأمر بالمعروف فاقت عدد الحالات الأخلاقية خلال 8 سنوات وبما يقارب الضعف، هذا إذا استثنينا الحالات التي لم يبلغ عنها بسبب الخوف والتردد في التبليغ».
مسؤولية التعليم
وهنا أرجع سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ المسؤولية عن حماية الفتيات من الابتزاز إلى القائمين على التعليم في الجامعات والمدارس، مشيرا إلى أن المعلم والمعلمة في الجامعة والمدرسة يعيشون مع الطلاب ساعات عديدة، فلهم دور في ترشيد الطلاب من وسائل الشر.
ودعا آل الشيخ الفتيات إلى إبلاغ الجهات المعنية بما يتعرضن له من ابتزاز، وحذرهن من الاتصالات الهاتفية المشبوهة وعدم الاستجابة لها، أو الانسياق وراء الشباب بمعسول القول، كما وجه نصيحته للمبتزين بالالتزام بتقوى الله عز وجل، وعدم الانسياق وراء شهواتهم ورغباتهم «فكما تدين تدان».
وأضاف سماحته «على الفتاة أن لا تجعل وسيلة الاتصال بالاستماع لهذا وذاك، فكم من رجال يقتنصون المرأة ويبتزون كرامتها بالاتصالات المشبوهة التي يرون فيها عقد علاقة مع امرأة أجنبية عنهم لا قرابة تربطهم، ولكنهم والله هم دعاة السوء»، مطالبا الفتاة أن تمسك نفسها وتعرض عن الاتصال الذي لا ينفع، وعندما ترى اتصالات مشبوهة فليكن موقفها عدم المبالاة. وأردف بقوله: «أيتها الفتاة المسلمة، كم من الناس يغوون الفتيات بالاتصال على أرقام الهاتف، وكم يعدون ويمنون حتى إذا وقعت المرأة فريسة تأخروا عنها، وكم من امرأة انساقت وراء قول ظن الصدق فيه، وإذا هم فئات أفسدوا عرضها وأهانوا كرامتها وشوهوا سمعتها».
ونصح آل الشيخ الفتيات بعدم حفظ صورهن أو صور صديقاتهن في البريد الإلكتروني، لأنه عرضة للاختراق والسرقة، ولكي لا يساعدن ضعاف النفوس لإلحاق الضرر بهن وعدم التردد في إبلاغ الجهات المختصة عن هؤلاء حتى ينالوا عقابهم.
جرائم خطيرة
وبما أن جريمة الابتزاز هي من الجرائم الخطيرة حيث أصبحت منتشرة بشكل كبير جدا مع تطور التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي «عكاظ الأسبوعية» ومن خلال هذا التحقيق تناقش هذه القضية مع العلماء والمختصين من جوانب عدة، وهنا يصف المستشار الشرعي والقانوني الشيخ عبدالكريم بن مرحول الشمري، الابتزاز بالدخول غير المشروع على إحدى وسائل الاتصال أو التكنولوجيا الخاصة بشخص معين لتهديده أو ابتزازه، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعا، ويضيف «الابتزاز جريمة أخلاقية تعبر عن خسة نفس وسلوك معوج ووازع ديني منعدم، وتؤكد وجود نية إجرامية لدى الجاني لا تكترث بـالأعراف المجتمعية والآداب العامة».
وقال «تبدأ إجراءات تحريك الدعوى الجزائية ضد الشخص المبتز بتقديم بلاغ لجهات الضبط كأقسام الشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ثم تتم إحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام التي تعمل على استكمال ملف القضية من أدلة ثبوتية وغيرها من وسائل الإثبات وفقا لنظام الإجراءات الجزائية، ومن ثم إحالتها إلى القضاء الشرعي ليصدر فيها حكما تعزيريا رادعا».
وأردف «تبدأ مأساة جريمة الابتزاز بسب التساهل في التعامل مع الغرباء أو الجرأة في مخالفة تعاليم ديننا الحنيف حيث تنتشر قضايا الابتزاز في العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء، فتبدأ بكلمة ثم موعد ثم لقاء أو حتى مجرد إرسال معلومات وصور عن نفسها».
وزاد «ينبغي أن يحذر الجميع من خطورة التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في شبكة الإنترنت والهواتف الذكية، وضرورة تحصين النفوس بغرس تعاليم ديننا الحنيف لتقوية الوازع الديني والأخلاقي في نفوس الأبناء».
حملات توعوية
وهنا أوضح المتحدث الرسمي لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات سلطان المالك، أن الهيئة تنفذ حملات توعوية بدأت منذ ثلاثة أشهر، حيث ترسل كل أسبوع رسالة إعلانية عبر كافة وسائل الإعلام المتاحة، ومنها التوعية والتنبيه بخطورة الابتزاز بأي وسيلة كانت.
وقال بخصوص مواكبة النظام الخاص بجرائم المعلوماتية ومواكبته لما يجري من مستجدات تقنية في هذا العصر، إن النظام صدر في عام 1428هـ ويطبق من حينه، إلا أن الكثيرين لا يعرفون عنه شيئا وكذلك من يرتكبون الجرائم لا يدركون العقوبات المترتبة عليها، ولكن هدفنا نشر النظام لحماية من يحتاجون إلى الحماية وعقوبة من يجرؤون على الاعتداء على الناس.
وأضاف «لاحظنا خلال الفترة الحالية انتشار مثل هذه الجرائم، وليس هذا غريبا إذ أن العالم يشهد نحو 14 ألف جريمة معلوماتية في الدقيقة الواحدة، وهذا الأمر يتطلب مواجهة خاصة من أي جهة مهتمة بهذا الجانب»، وتابع «أطلقنا حملات خاصة لمواجهة الجرائم، ولدينا حملة في مستقبل الأيام خاصة بحماية الأطفال من مخاطر استخدام التقنية».
أما عضو لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بمجلس الشورى النائب السابق لمدير عام الاتصالات السلكية واللاسلكية بوزارة الداخلية اللواء مهندس ناصر غازي العتيبي، فبين أن ابتزاز الفتيات بواسطة التقنيات دارج في العالم كله، وبالتالي فإن أخذ الحيطة والحذر واجب، ويضيف «لا يقتصر الابتزاز على الفتيات فحتى المجرمون يسطون على أموال البنوك مستغلين بعض الثغرات، وكانت هناك ضجة سابقة حول هذه الاختراقات التي استغلت البطاقات الائتمانية»، لافتا إلى أن الثغرات في التقنية سهلت حصول الابتزاز بأنواعه سواء الابتزاز الجنسي أو المالي أو غيره.
وأردف «يعزو حصول المشكلات من وراء التقنية إلى نقص مستوى الثقافة التقنية لدى بعض أفراد المجتمع، فهؤلاء لا يعرفون أين تصل بياناتهم وكيفية انتقالها ولا الشبكات الناقلة لها، خصوصا في ظل كثرة الأجهزة الذكية، وهو ما يحتم علينا تكثيف توعية الناس في كيفية استخدام التقنية وتحذيرهم من أضرارها».
ظاهرة الابتزاز
بدورها، توضح الباحثة الدكتورة نادية باعشن، أن تزايد ظاهرة نشر أخبار الابتزاز في مجتمعنا يتمثل في فئتين: الأولى: شباب «ذئاب» يترصدون المجتمع وفتياته ليفتكوا بهن، والثانية: فتيات لا يمتلكن أدنى مقومات التفكير التي تحد من الوقوع «فريسة» للفئة الأولى، محذرة من نشر الأخبار المتكررة في الصحف والمجلات عن قضايا الابتزاز، قائلة: «إذا كان المقصود بهذه الأخبار توعية الفتيات والنساء من مخاطر تلك الظاهرة، فإن التوعية بهذه الطريقة تسيء للمجتمع كله، وتعمم ظواهر الابتزاز نظرا لكثرتها».
وفيما يحذر مستشار الإصلاح المجتمعي الدكتور عبدالرحمن المحرج من شخصية المبتز التي قد تظهر حتى في الرجل الصالح، أو في صورة مقدمي الاستشارات الأسرية، أكد الدكتور فهد العبود أن أكثر وسائل تقنيات المعلومات المستخدمة في ابتزاز الفتيات والإساءة لهن البريد الإلكتروني، وكاميرا الجوال، وتقنية البلوتوث، مشيرا إلى أن بعض الصحف نشرت كثيرا عن سرقة صور خاصة لبعض الفتيات عن طريق اختراق البريد الإلكتروني لهن، من قبل بعض ضعاف النفوس وابتزازهن بالرضوخ لمطالبهم الدنيئة.
إعادة النظر
ويوضح الدكتور المحرج، أن نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي صدر قبل أكثر من عام ودخل حيز التطبيق، نص في مادته الثالثة على أن الدخول غير المشروع على البريد الإلكتروني لشخص وتهديده وابتزازه يعد جريمة يعاقب عليها النظام بالسجن لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 500 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، مشيرا إلى أنه من هنا يتضح أن هذا النظام يحفظ جميع الحقوق المترتبة على الاستخدام المشروع لأجهزة الحاسب الآلي وتقنيات المعلومات المختلفة، ويعاقب كل من يحاول الإساءة للآخرين أو يخالف مواد هذا النظام.
ويرى عضو مجلس الشورى الدكتور فهد العنزي، أن عقوبة المبتز والتي لا تتجاوز السنة وغرامة 500 ألف ريال غير كافية، مطالبا بإعادة النظر فيها ومضاعفتها.
ويلقي الدكتور عقيلات اللوم على المسلسلات الرومانسية التي تصور العشاق بصورة مثالية، ما يدفع الفتاة التي تعاني في أسرتها من الجفاف العاطفي إلى الاضطراب والبحث عنه، ثم تقع فريسة لأول ذئب بشري يتربص بها، ويتعامل معها بالأسلوب الذي تبحث عنه.
سلوك انحرافي
وتؤكد الكاتبة الدكتورة هيا عبدالعزيز المنيع أن ابتزاز الفتيات سلوك انحرافي بكل المقاييس، ويكشف عن ضعف الطرفين، معتبرة أن ضعف الفتاة المحطة الأولى التي ينطلق منها الشاب لابتزازها، مشيرة إلى أن «الابتزاز لا يأتي فجأة ويهطل كالمطر في الصيف من سماء الفتاة، بل تسبقه نسائم ومد وجزر، ثم تزداد الأتربة فلا يرى أحدهما الآخر، وتتحرك حقيقة المشاعر وتنكشف الأقنعة لتجد الفتاة نفسها وقعت رهينة سوء تقديرها للأمور».
وأضافت قائلة «من خلال معايشة واقع الفتيات بحكم العمل، لا أعتقد أن المشكلة متسعة، وإن كانت موجودة فهي قليلة، ولكن خطورتها تكمن في أنها كشفت عن ضعف التواصل الإنساني داخل الأسرة بين الفتاة وأسرتها، وبين الشاب وأسرته، ما يجعل الفتاة تقع ضحية ضعفها خوفا من التهديد تارة، ورغبة في الاستسلام للتهديد تارة أخرى، وإن أظهرت للآخرين أنها مرغمة»، مشيرة إلى أن «الفتاة تبحث هنا عن إشباع عاطفي وجدته عند شاب لا يبخل عليها بشيء، خاصة الكلمات الرقيقة والمشاعر المتدفقة، وكأنه سيموت إن لم يسمع صوتها أو يرى بسمتها التي لا تشرق شمس يومه إلا بها».
وأردفت «أتصور أننا نحتاج لمواجهة تلك المشكلة وغيرها من خلال فتح أبواب التواصل داخل الأسرة، بحيث يستمع الوالدان للابن أو الابنة، ولا نترك الأمر حتى يتطور، لأن الشباب غالبا وخاصة في السن الصغيرة يبحثون عن الحلول الأسهل، التي تأتي باستشارة الصديق وهو بنفس الخبرة والوعي، ولا بد من تدخل المدرسة في توعية الفتيات مع التوسع في دور جمعية وهيئة حقوق الإنسان لحماية الفتيات».
من جهته، أوضح أستاذ القانون بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عمر الخولي أن تفعيل الجانب الوقائي ونشر الوسائل الوقائية أفضل من البحث عن علاج للمشكلة بعد وقوعها، إذ أن المشكلات لن تقف غالبا بعد وقوعها وبمجرد الإبلاغ عن الحالة، لأن من يقع ضحية للابتزاز عادة يكون موقفه ضعيفا، ولا يتصور أن المشكلة ستنتهي بمجرد الإبلاغ عن الجاني.
ظواهر دخيلة
وبما أن ظاهرة ابتزاز الفتيات تعتبر من الظواهر الدخيلة والجديدة على المجتمع السعودي، ومع هذا أخذت في الانتشار خلال السنوات الأخيرة بشكل يدعو إلى القلق الأمر الذي دفع العديد من المختصين والمربين إلى التحذير منها والدعوة إلى التصدي لها، وجريمة الابتزاز تكتمل أركانها بمجرد التهديد حتى وإن لم يكن يقصد التنفيذ، وتستقبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوميا أكثر من 100 اتصال من فتيات تعرضن للابتزاز، ومع هذا لم يعد المنع والحجب يكفيان للتربية، فالتحصين أولى والوقاية خير من العلاج، ونسبة الابتزاز لدى الشباب 62 في المائة أما لدى الفتيات فقد بلغت 28 في المائة تقريبا وهي في تزايد.
وبحسب ما أكدته إحصاءات هيئة الأمر بالمعروف فإن عدد حالات الابتزاز خلال ثماني سنوات فاق ما يقارب الضعف، هذا إذا ما وضع في الحسبان أن بعض القضايا لا يتم التبليغ عنها بدافع الخوف والرهبة ممن تعرضت لهذه الجريمة، فيما أشارت إحصائية أخرى إلى أن عدد قضايا الابتزاز التي تعرضت لها الفتيات في المملكة يصل لـ (20) حالة يومية تختلف خطورتها من بلاغ لآخر مما يعني أن الحالات الشهرية للابتزاز تبلغ (600) حالة.
وقد أدرجت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الابتزاز من ضمن القضايا الأخلاقية والتي عرفتها بأنها الاعتداء على الأعراض قولا وفعلا مثل الدعارة والقوادة والزنا والخلوة المحرمة والاغتصاب والاختطاف والشذوذ الجنسي والمعاكسات والتحرش وأيضا ابتزاز النساء.
ويجمع الأخصائيون والمراقبون، على أن التقنية الحديثة بوسائلها المتنوعة أسهمت بشكل واضح في تفشي ظاهرة الابتزاز إلا أن ضعف الوازع الديني لدى الشباب والفتاة وتهاونهم في إقامة العلاقات بينهم يبقى السبب الأبرز وراء هذه الجريمة ويعضده أسبابا أخرى مثل الفراغ العاطفي والتنشئة الاجتماعية غير الصالحة وتأخر الزواج.
أثر كبير
ومن وجهة نظر مختصين أيضا هناك أثر كبير لوسائل الإعلام (السيئة) التي تحرض الشباب والفتيات على التعارف فيما بينهم وإقامة العلاقات المحرمة وكذلك المواقع الإلكترونية معترفين أن البنات عاطفيات ويتم الإيقاع بهن من خلال استغلال عاطفتهن وضعفهن، كما أن المشكلات الزوجية والحرمان العاطفي والتفكك الأسري والفقر والحاجة الماسة في بعض الأسر أدت أيضا إلى المساهمة في انتشار هذه الظاهرة، وتشير إحصائية اجتماعية أن كثيرا من الفتيات اللواتي يترددن عليها كن يبحثن عن مصدر عمل فوقعن نتيجة خداع من البعض أدى في النهاية إلى استدراجهن وابتزازهن.
ومع أن المرأة هي ضحية جريمة الابتزاز، إلا أنها تكون عادة مساهمة فيها بشكل كبير من خلال تساهلها في إقامة العلاقات ومنح الطرف الآخر فرصة لابتزازها بمنحه صورها أو السماح له بلقائها مما يسهل عملية التصوير والتسجيل ومن ثم ابتزازها، حيث أفادت دراسة حديثة أن 88 في المائة من قضايا الابتزاز تقف خلفها الفتيات، وعللت الدراسة ذلك إلى تجاوب المرأة بتسليم الرجل ما يمكنه من ابتزازها به كالصور والفيديو ونحوهما.
مشكلات اجتماعية
من جانبه، أكد الباحث الاجتماعي خالد الدوس أن الابتزاز ومظاهره من المشكلات الاجتماعية النفسية التي بدأت تشهد تزايدا ملحوظا وبشكل متسارع في المجتمع السعودي ويضيف «الابتزاز وأنماطه وطبقا للمفهوم الاجتماعي هو محاولة الحصول على مكاسب مادية أو معنوية، أو إشباع رغبات عن طريق الإكراه من شخص أو أشخاص أو حتى مؤسسات ويكون ذلك الإكراه بالتهديد بفضح سر من أسرار الضحية وهو أسلوب من أساليب الضغط الذي يمارسه المبتز على الضحية وهي المرأة في الغالب أو الرجل أحيانا».
وعن الآثار السلبية للابتزاز قال «للابتزاز آثار شرعية كالوقوع في معصية الله تعالى والمجاهرة بها، وانتهاك المحارم إلى جانب الآثار النفسية وما يصاحبها من شيوع بعض الأمراض النفسية خاصة عندما تكون جرائم جنسية».
إلى ذلك، قال المستشار والباحث الاجتماعي خالد البيشي بأن ظاهرة الابتزاز ظاهرة وممارسة خطيرة متى ما انتشرت في المجتمعات فإنها تهدد كيانه وتماسكه وترابطه، فابتزاز من الرجل للمرأة يكاد يكون هو الأكثر منه للمرأة للرجل، وتنجم عنه أمراض نفسية ومشكلات اجتماعية وتكون المرأة في الغالب هي الضحية، ويضيف «الاحصائيات تقول إن نسبة الابتزاز لدى الشباب بلغت في العامين الفائتين 62 في المائة أما لدى الفتيات فقد بلغت 28 في المائة تقريبا وهي في تزايد».
ضعف الوازع
وأوضح إمام وخطيب الجامع الكبير بمليجة الشيخ فهد بن سعد العبلان، أن ابتزاز للفتيات أمر خطير ويعود إلى ضعف الوازع الديني لدى المبتز الذي لو عرف أن عقاب التشهير بالناس عقاب شديد من رب العالمين لمن فعل ذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والأخرة)، ورسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم صعد المنير فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه و لم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ونظر ابن عمر إلى الكعبة فقال: «ما أعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك».
من جانبه، قال مبارك الدوسري (من الأعيان) إن سوء استخدام وسائل الاتصالات الحديثة يعد أحد أنواع الابتزاز، كما أن عدم تثقيف الناس بأضرار هذه التقنية أضر بفئة الشباب من الجنسين، ويرى الدوسري الحل في زيادة الوعي وفتح الأسر قلوبها لأبنائها والتقرب منهم، ومعاقبة المبتزين بالعقاب الرادع.
في حين بينت من جانبها، المرشدة الأسرية رئيسة المركز النسائي بالخفجي هاجر بنت علي إبراهيم العتين أن هناك أسبابا عديدة للابتزاز للفتيات منها قلة الوعي وعدم الخوف من الله وسوء الاستخدام للأجهزة الحديثة ووسائل الاتصال.
سلاح ضغط
وأوضح المحامي والمستشار القانوني حمود الخالدي، أن الابتزاز سلاح ضغط يمارسه المبتز على الضحية، مستخدما أسلوب التشهير بها على أوسع نطاق أو إبلاغ ذوي المرأة حتى يجعلها تقع تحت وطأة ضغوط المبتز ليجبرها على مجاراته وتحقيق رغباته الجسدية أو المادية.
وأضاف «لا شك أن هناك عددا لا يستهان به من قضايا الابتزاز في السعودية لا تكون المرأة طرفا فيها، فقد يحصل المبتز على صور خاصة للمرأة دون علمها فتكون أداة لابتزازها من خلال نشرها على مواقع التواصل، لذلك فإن الابتزاز إذا خلا من حالة الجرائم المعلوماتية، فإن القاضي ينظر إليها حسب وقائع وظروف القضية حيث أنه قد يحكم فيه بالسجن والجلد على المبتز.
أما إذا دخلت جريمة الابتزاز كنوع من الجريمة المعلوماتية عن طريق الحاسب الآلي أو عن طريق الهاتف فإنه يطبق عليه نص نظام العقوبة من خلال نظام الجرائم المعلوماتية، مع التنبيه هنا لضرورة التروي والهدوء في التعاطي مع قضايا الابتزاز، خاصة حينما تتعلق بالفتاة والتي هي الطرف الأضعف غالبا.
وفي حادثة أخرى، ضبطت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة جدة، ممثلة في مركز هيئة الواسطة، مواطنا في عقده الرابع متهما بابتزاز طالبة جامعية، كانت قد حصلت على هاتف المبتز من إعلان عن توظيف داخل أحد الأسواق، وبعد تواصلها معه أوهمها أنه مالك شركات ويملك علاقات تمكنه من توظيف راغبي العمل، طالبا منها لقاءه قبل أن يختلي بها ويصورها، وبينت الطالبة أن الرجل ابتزها بالصور لإرغامها على الخروج معه ما دفعها لإبلاغ الهيئة، وبعد مرور 12 ساعة من تلقي البلاغ تمكن مركز هيئة الواسطة من الإطاحة بالمبتز بعد التحقق من بلاغ الفتاة، والاستماع للمكالمات بين المدعية والمدعى عليه في أحد أسواق جنوب جدة، حيث عثر في هاتفه الجوال على صور الفتاة ومراسلاته لها، حيث جرى إعداد محضر وأحيل لجهة الاختصاص للتحقيق معه ومحاكمته شرعا، كما تمكنت هيئة جدة ممثلة في مركز هيئة الواسطة من القبض على وافد عشريني ابتز فتاة عشرينية، بعد أن هددها بنشر صورها التي حصل عليها في وقت مبكر عن طريق قريبة له، وخيرها بين التشهير بها أو الخروج معها إلى مكان عام، إلا أن الهيئة تمكنت من التنسيق والقبض عليه وإحالته لجهة الاختصاص.
من جهة أخرى، تقدمت امرأة عشرينية (مطلقة) لمركز هيئة الصديق بجدة بشكوى ضد شخص في عقده الثالث بعد أن شرع في ابتزازها وتهديدها بالفضيحة بعد أن تعرف عليها في مقر عملها في أحد المستشفيات بغرض الزواج، واستمرت العلاقة بينهما خمسة أشهر زودته خلالها بصورها، وخلال هذه الفترة طلب منها مقابلتها للغداء معا وقام بتصويرها في سيارته وهي لا تشعر، وفي المرة الثانية طلب منها الخروج معه وقام بتصويرها بمقطع فيديو في مكان مغلق، فطلبت منه قطع العلاقة، إلا أنه رفض ذلك وأخذ يطالبها بمرافقته إلى شقته أو فضحها، وكان يرتاد مقر عملها باستمرار لتشويه سمعتها ويصر عليها بالخروج معه أثناء الدوام، فتم التنسيق مع الفتاة لمسايرته، وتم القبض عليه بعد أن حضر لأخذها من عملها ووجد بجواله أدلة تؤكد علاقات محرمة مع عدة نساء إلى جانب صور صاحبة الشكوى ومقاطع فيديو لها.
وفي واقعة أخرى، تقدمت امرأة سعودية بشكوى لمركز هيئة الصحيفة ضد أحد العاملين في محل لبيع الملابس النسائية، بعد أن تعمد البائع الاتصال بها على جوالها وفي أوقات متأخرة من الليل ويطلب منها إقامة علاقة محرمة معه، وبعد التأكد من صحة الشكوى وجمع الأدلة طلب أعضاء الهيئة من المرأة الذهاب للمحل لاستلام بضاعتها والاتصال على فرقة الهيئة من هناك، وعند دخولها المحل قابلها العامل المتحرش وصرح لها أنه هو من يقوم بالاتصال عليها، وبمواجهته أقر بجرمه فتم القبض عليه وإحالته لجهة الاختصاص.
إيهام بالزواج
واتهم مواطن ثلاثيني فتاة باستغلال «طيبته» وموقفة الإنساني بعد أن قدم لها مساعدة مالية، إلا أنها اتهمته بإقامة علاقة غير شرعية معها ورفعت شكوى ضده لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتبوك، تتهمه بابتزازها وإيهامها بالزواج وإرسال رسائل تهديد لها، الأمر الذي أدى إلى فصله وصدور حكم شرعي بسجنه شهرين، وجلده 60 جلدة.
وقال المواطن (ع.م.ع) لـ « عكاظ الأسبوعية» إنه كان يملك مكتبا للتقسيط وجاءني اتصال هاتفي من فتاة أبلغتني بأنها بحاجة إلى جهاز جوال بالتقسيط، فطلبت منها حضور كفيل أو محرم، ولم تحضر بل دأبت على الاتصال بي لغرض إقامة علاقة معها إلا أنني كنت أتحاشاها.
وأضاف «أكثرت الفتاة الاتصالات وطلبت مني في أحد الأيام مساعدة مالية قدرها 1000ريال، فأوصلت لها المبلغ عند بوابة أحد الأسواق التجارية، وكانت برفقتها شقيقتها»، مستغربا تلقيه اتصالا من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتهامه بخلوة غير شرعية مع الفتاة وابتزازها بالصور وإيهامها بالزواج منها - رغم عدم وجود دلائل - (وفقا لصك الحكم تحتفظ «عكاظ» بنسخة منه).
وأشار المواطن إلى أن القضية تسببت بفصله من عمله وصدور حكم شرعي بسجنه لمدة شهرين بتهمة علاقة غير شرعية مع الفتاة.
وأكد مصدر مسؤول بهيئة تبوك لـ «عكاظ» بأن قضية الشخص هي قضية «ابتزاز» متكامل الأركان، كما حصلت الصحيفة على القرار القضائي الصادر من المحكمة الجزئية بتبوك والذي تضمن اتهام الفتاة للمواطن (ع.م.ع) بأنه كان يمنيها بالزواج، وأنها تحتفظ بتسجيلات صوتية ورسائل تهديد، إلا أنها لم تحضر تلك الإثباتات – حسب القرار القضائي-، في حين أصدرت المحكمة الجزئية بتبوك بإثبات إقامة علاقة محرمة مع فتاة لا تمت له بصلة شرعية والحكم عليه بعقوبة تعزيرية بالجلد 60 جلدة والسجن لمدة شهرين.
تبادل الصور
«اتفقنا على تبادل الصور، ومن صورته عرفت أنه رجل متلاعب، فقطعت علاقتي به».. هكذا قالت (ف،م)، فحاول ابتزازي عن طريق شخص آخر كان قد تحصل على رقمي وصوري عن طريقه، فلجأت لهيئة الأمر بالمعروف الذين تعاملوا مع موقفي بسرية تامة والحمد الله.
وتقول فتاة «تعرضت للابتزاز بعد ما وقعت في حب شاب أوهمني بالزواج واتفقنا للخروج معا إلى أحد المطاعم ولكنه أوهمني بأن المطاعم مراقبة من الهيئة وعرض علي الذهاب إلى شقته وهناك حاول الاعتداء علي وعندما رفضت وقاومته قام بضربي وتصويري وبعدها بدأ بابتزازي لتلبية رغباته، فنصحتني صديقتي بإبلاغ الهيئة وبالفعل تقدمت بشكوى للجهات المعنية والحمد الله انتهى الأمر بسلام».
من جانبه، ذكر مصدر بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن (وحدة مكافحة جرائم الابتزاز) تقوم بالإشراف على عمل الهيئة في قضايا الابتزاز وتلقي البلاغات ومتابعة آلية معالجتها مع الفروع والهيئات والمراكز، وبين المصدر أن الهيئة ستعقد مؤتمرات لمناقشة قضية الابتزاز بمشاركة عدد من الجهات الحكومية والأهلية لمناقشة ظاهرة الابتزاز وإيجاد السبل لمعالجتها.
من جهتها، ذكرت الأخصائية الاجتماعية بقسم توجيه وإرشاد الأسري بمجمع الأمل هيا العبيد، أن 88 في المائة من قضايا الابتزاز تقف خلفها الفتيات، واقترحت على وحدة مكافحة الابتزاز توفير خط ساخن للوحدة ونشره في الأماكن العامة، وقالت «آخر الإحصائيات عن حالات الابتزاز المنشورة في موقع هيئة الأمر بالمعروف فاقت عدد الحالات الأخلاقية خلال 8 سنوات وبما يقارب الضعف، هذا إذا استثنينا الحالات التي لم يبلغ عنها بسبب الخوف والتردد في التبليغ».
مسؤولية التعليم
وهنا أرجع سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ المسؤولية عن حماية الفتيات من الابتزاز إلى القائمين على التعليم في الجامعات والمدارس، مشيرا إلى أن المعلم والمعلمة في الجامعة والمدرسة يعيشون مع الطلاب ساعات عديدة، فلهم دور في ترشيد الطلاب من وسائل الشر.
ودعا آل الشيخ الفتيات إلى إبلاغ الجهات المعنية بما يتعرضن له من ابتزاز، وحذرهن من الاتصالات الهاتفية المشبوهة وعدم الاستجابة لها، أو الانسياق وراء الشباب بمعسول القول، كما وجه نصيحته للمبتزين بالالتزام بتقوى الله عز وجل، وعدم الانسياق وراء شهواتهم ورغباتهم «فكما تدين تدان».
وأضاف سماحته «على الفتاة أن لا تجعل وسيلة الاتصال بالاستماع لهذا وذاك، فكم من رجال يقتنصون المرأة ويبتزون كرامتها بالاتصالات المشبوهة التي يرون فيها عقد علاقة مع امرأة أجنبية عنهم لا قرابة تربطهم، ولكنهم والله هم دعاة السوء»، مطالبا الفتاة أن تمسك نفسها وتعرض عن الاتصال الذي لا ينفع، وعندما ترى اتصالات مشبوهة فليكن موقفها عدم المبالاة. وأردف بقوله: «أيتها الفتاة المسلمة، كم من الناس يغوون الفتيات بالاتصال على أرقام الهاتف، وكم يعدون ويمنون حتى إذا وقعت المرأة فريسة تأخروا عنها، وكم من امرأة انساقت وراء قول ظن الصدق فيه، وإذا هم فئات أفسدوا عرضها وأهانوا كرامتها وشوهوا سمعتها».
ونصح آل الشيخ الفتيات بعدم حفظ صورهن أو صور صديقاتهن في البريد الإلكتروني، لأنه عرضة للاختراق والسرقة، ولكي لا يساعدن ضعاف النفوس لإلحاق الضرر بهن وعدم التردد في إبلاغ الجهات المختصة عن هؤلاء حتى ينالوا عقابهم.
جرائم خطيرة
وبما أن جريمة الابتزاز هي من الجرائم الخطيرة حيث أصبحت منتشرة بشكل كبير جدا مع تطور التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي «عكاظ الأسبوعية» ومن خلال هذا التحقيق تناقش هذه القضية مع العلماء والمختصين من جوانب عدة، وهنا يصف المستشار الشرعي والقانوني الشيخ عبدالكريم بن مرحول الشمري، الابتزاز بالدخول غير المشروع على إحدى وسائل الاتصال أو التكنولوجيا الخاصة بشخص معين لتهديده أو ابتزازه، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعا، ويضيف «الابتزاز جريمة أخلاقية تعبر عن خسة نفس وسلوك معوج ووازع ديني منعدم، وتؤكد وجود نية إجرامية لدى الجاني لا تكترث بـالأعراف المجتمعية والآداب العامة».
وقال «تبدأ إجراءات تحريك الدعوى الجزائية ضد الشخص المبتز بتقديم بلاغ لجهات الضبط كأقسام الشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ثم تتم إحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام التي تعمل على استكمال ملف القضية من أدلة ثبوتية وغيرها من وسائل الإثبات وفقا لنظام الإجراءات الجزائية، ومن ثم إحالتها إلى القضاء الشرعي ليصدر فيها حكما تعزيريا رادعا».
وأردف «تبدأ مأساة جريمة الابتزاز بسب التساهل في التعامل مع الغرباء أو الجرأة في مخالفة تعاليم ديننا الحنيف حيث تنتشر قضايا الابتزاز في العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء، فتبدأ بكلمة ثم موعد ثم لقاء أو حتى مجرد إرسال معلومات وصور عن نفسها».
وزاد «ينبغي أن يحذر الجميع من خطورة التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في شبكة الإنترنت والهواتف الذكية، وضرورة تحصين النفوس بغرس تعاليم ديننا الحنيف لتقوية الوازع الديني والأخلاقي في نفوس الأبناء».
حملات توعوية
وهنا أوضح المتحدث الرسمي لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات سلطان المالك، أن الهيئة تنفذ حملات توعوية بدأت منذ ثلاثة أشهر، حيث ترسل كل أسبوع رسالة إعلانية عبر كافة وسائل الإعلام المتاحة، ومنها التوعية والتنبيه بخطورة الابتزاز بأي وسيلة كانت.
وقال بخصوص مواكبة النظام الخاص بجرائم المعلوماتية ومواكبته لما يجري من مستجدات تقنية في هذا العصر، إن النظام صدر في عام 1428هـ ويطبق من حينه، إلا أن الكثيرين لا يعرفون عنه شيئا وكذلك من يرتكبون الجرائم لا يدركون العقوبات المترتبة عليها، ولكن هدفنا نشر النظام لحماية من يحتاجون إلى الحماية وعقوبة من يجرؤون على الاعتداء على الناس.
وأضاف «لاحظنا خلال الفترة الحالية انتشار مثل هذه الجرائم، وليس هذا غريبا إذ أن العالم يشهد نحو 14 ألف جريمة معلوماتية في الدقيقة الواحدة، وهذا الأمر يتطلب مواجهة خاصة من أي جهة مهتمة بهذا الجانب»، وتابع «أطلقنا حملات خاصة لمواجهة الجرائم، ولدينا حملة في مستقبل الأيام خاصة بحماية الأطفال من مخاطر استخدام التقنية».
أما عضو لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بمجلس الشورى النائب السابق لمدير عام الاتصالات السلكية واللاسلكية بوزارة الداخلية اللواء مهندس ناصر غازي العتيبي، فبين أن ابتزاز الفتيات بواسطة التقنيات دارج في العالم كله، وبالتالي فإن أخذ الحيطة والحذر واجب، ويضيف «لا يقتصر الابتزاز على الفتيات فحتى المجرمون يسطون على أموال البنوك مستغلين بعض الثغرات، وكانت هناك ضجة سابقة حول هذه الاختراقات التي استغلت البطاقات الائتمانية»، لافتا إلى أن الثغرات في التقنية سهلت حصول الابتزاز بأنواعه سواء الابتزاز الجنسي أو المالي أو غيره.
وأردف «يعزو حصول المشكلات من وراء التقنية إلى نقص مستوى الثقافة التقنية لدى بعض أفراد المجتمع، فهؤلاء لا يعرفون أين تصل بياناتهم وكيفية انتقالها ولا الشبكات الناقلة لها، خصوصا في ظل كثرة الأجهزة الذكية، وهو ما يحتم علينا تكثيف توعية الناس في كيفية استخدام التقنية وتحذيرهم من أضرارها».
ظاهرة الابتزاز
بدورها، توضح الباحثة الدكتورة نادية باعشن، أن تزايد ظاهرة نشر أخبار الابتزاز في مجتمعنا يتمثل في فئتين: الأولى: شباب «ذئاب» يترصدون المجتمع وفتياته ليفتكوا بهن، والثانية: فتيات لا يمتلكن أدنى مقومات التفكير التي تحد من الوقوع «فريسة» للفئة الأولى، محذرة من نشر الأخبار المتكررة في الصحف والمجلات عن قضايا الابتزاز، قائلة: «إذا كان المقصود بهذه الأخبار توعية الفتيات والنساء من مخاطر تلك الظاهرة، فإن التوعية بهذه الطريقة تسيء للمجتمع كله، وتعمم ظواهر الابتزاز نظرا لكثرتها».
وفيما يحذر مستشار الإصلاح المجتمعي الدكتور عبدالرحمن المحرج من شخصية المبتز التي قد تظهر حتى في الرجل الصالح، أو في صورة مقدمي الاستشارات الأسرية، أكد الدكتور فهد العبود أن أكثر وسائل تقنيات المعلومات المستخدمة في ابتزاز الفتيات والإساءة لهن البريد الإلكتروني، وكاميرا الجوال، وتقنية البلوتوث، مشيرا إلى أن بعض الصحف نشرت كثيرا عن سرقة صور خاصة لبعض الفتيات عن طريق اختراق البريد الإلكتروني لهن، من قبل بعض ضعاف النفوس وابتزازهن بالرضوخ لمطالبهم الدنيئة.
إعادة النظر
ويوضح الدكتور المحرج، أن نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي صدر قبل أكثر من عام ودخل حيز التطبيق، نص في مادته الثالثة على أن الدخول غير المشروع على البريد الإلكتروني لشخص وتهديده وابتزازه يعد جريمة يعاقب عليها النظام بالسجن لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 500 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، مشيرا إلى أنه من هنا يتضح أن هذا النظام يحفظ جميع الحقوق المترتبة على الاستخدام المشروع لأجهزة الحاسب الآلي وتقنيات المعلومات المختلفة، ويعاقب كل من يحاول الإساءة للآخرين أو يخالف مواد هذا النظام.
ويرى عضو مجلس الشورى الدكتور فهد العنزي، أن عقوبة المبتز والتي لا تتجاوز السنة وغرامة 500 ألف ريال غير كافية، مطالبا بإعادة النظر فيها ومضاعفتها.
ويلقي الدكتور عقيلات اللوم على المسلسلات الرومانسية التي تصور العشاق بصورة مثالية، ما يدفع الفتاة التي تعاني في أسرتها من الجفاف العاطفي إلى الاضطراب والبحث عنه، ثم تقع فريسة لأول ذئب بشري يتربص بها، ويتعامل معها بالأسلوب الذي تبحث عنه.
سلوك انحرافي
وتؤكد الكاتبة الدكتورة هيا عبدالعزيز المنيع أن ابتزاز الفتيات سلوك انحرافي بكل المقاييس، ويكشف عن ضعف الطرفين، معتبرة أن ضعف الفتاة المحطة الأولى التي ينطلق منها الشاب لابتزازها، مشيرة إلى أن «الابتزاز لا يأتي فجأة ويهطل كالمطر في الصيف من سماء الفتاة، بل تسبقه نسائم ومد وجزر، ثم تزداد الأتربة فلا يرى أحدهما الآخر، وتتحرك حقيقة المشاعر وتنكشف الأقنعة لتجد الفتاة نفسها وقعت رهينة سوء تقديرها للأمور».
وأضافت قائلة «من خلال معايشة واقع الفتيات بحكم العمل، لا أعتقد أن المشكلة متسعة، وإن كانت موجودة فهي قليلة، ولكن خطورتها تكمن في أنها كشفت عن ضعف التواصل الإنساني داخل الأسرة بين الفتاة وأسرتها، وبين الشاب وأسرته، ما يجعل الفتاة تقع ضحية ضعفها خوفا من التهديد تارة، ورغبة في الاستسلام للتهديد تارة أخرى، وإن أظهرت للآخرين أنها مرغمة»، مشيرة إلى أن «الفتاة تبحث هنا عن إشباع عاطفي وجدته عند شاب لا يبخل عليها بشيء، خاصة الكلمات الرقيقة والمشاعر المتدفقة، وكأنه سيموت إن لم يسمع صوتها أو يرى بسمتها التي لا تشرق شمس يومه إلا بها».
وأردفت «أتصور أننا نحتاج لمواجهة تلك المشكلة وغيرها من خلال فتح أبواب التواصل داخل الأسرة، بحيث يستمع الوالدان للابن أو الابنة، ولا نترك الأمر حتى يتطور، لأن الشباب غالبا وخاصة في السن الصغيرة يبحثون عن الحلول الأسهل، التي تأتي باستشارة الصديق وهو بنفس الخبرة والوعي، ولا بد من تدخل المدرسة في توعية الفتيات مع التوسع في دور جمعية وهيئة حقوق الإنسان لحماية الفتيات».
من جهته، أوضح أستاذ القانون بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عمر الخولي أن تفعيل الجانب الوقائي ونشر الوسائل الوقائية أفضل من البحث عن علاج للمشكلة بعد وقوعها، إذ أن المشكلات لن تقف غالبا بعد وقوعها وبمجرد الإبلاغ عن الحالة، لأن من يقع ضحية للابتزاز عادة يكون موقفه ضعيفا، ولا يتصور أن المشكلة ستنتهي بمجرد الإبلاغ عن الجاني.
ظواهر دخيلة
وبما أن ظاهرة ابتزاز الفتيات تعتبر من الظواهر الدخيلة والجديدة على المجتمع السعودي، ومع هذا أخذت في الانتشار خلال السنوات الأخيرة بشكل يدعو إلى القلق الأمر الذي دفع العديد من المختصين والمربين إلى التحذير منها والدعوة إلى التصدي لها، وجريمة الابتزاز تكتمل أركانها بمجرد التهديد حتى وإن لم يكن يقصد التنفيذ، وتستقبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوميا أكثر من 100 اتصال من فتيات تعرضن للابتزاز، ومع هذا لم يعد المنع والحجب يكفيان للتربية، فالتحصين أولى والوقاية خير من العلاج، ونسبة الابتزاز لدى الشباب 62 في المائة أما لدى الفتيات فقد بلغت 28 في المائة تقريبا وهي في تزايد.
وبحسب ما أكدته إحصاءات هيئة الأمر بالمعروف فإن عدد حالات الابتزاز خلال ثماني سنوات فاق ما يقارب الضعف، هذا إذا ما وضع في الحسبان أن بعض القضايا لا يتم التبليغ عنها بدافع الخوف والرهبة ممن تعرضت لهذه الجريمة، فيما أشارت إحصائية أخرى إلى أن عدد قضايا الابتزاز التي تعرضت لها الفتيات في المملكة يصل لـ (20) حالة يومية تختلف خطورتها من بلاغ لآخر مما يعني أن الحالات الشهرية للابتزاز تبلغ (600) حالة.
وقد أدرجت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الابتزاز من ضمن القضايا الأخلاقية والتي عرفتها بأنها الاعتداء على الأعراض قولا وفعلا مثل الدعارة والقوادة والزنا والخلوة المحرمة والاغتصاب والاختطاف والشذوذ الجنسي والمعاكسات والتحرش وأيضا ابتزاز النساء.
ويجمع الأخصائيون والمراقبون، على أن التقنية الحديثة بوسائلها المتنوعة أسهمت بشكل واضح في تفشي ظاهرة الابتزاز إلا أن ضعف الوازع الديني لدى الشباب والفتاة وتهاونهم في إقامة العلاقات بينهم يبقى السبب الأبرز وراء هذه الجريمة ويعضده أسبابا أخرى مثل الفراغ العاطفي والتنشئة الاجتماعية غير الصالحة وتأخر الزواج.
أثر كبير
ومن وجهة نظر مختصين أيضا هناك أثر كبير لوسائل الإعلام (السيئة) التي تحرض الشباب والفتيات على التعارف فيما بينهم وإقامة العلاقات المحرمة وكذلك المواقع الإلكترونية معترفين أن البنات عاطفيات ويتم الإيقاع بهن من خلال استغلال عاطفتهن وضعفهن، كما أن المشكلات الزوجية والحرمان العاطفي والتفكك الأسري والفقر والحاجة الماسة في بعض الأسر أدت أيضا إلى المساهمة في انتشار هذه الظاهرة، وتشير إحصائية اجتماعية أن كثيرا من الفتيات اللواتي يترددن عليها كن يبحثن عن مصدر عمل فوقعن نتيجة خداع من البعض أدى في النهاية إلى استدراجهن وابتزازهن.
ومع أن المرأة هي ضحية جريمة الابتزاز، إلا أنها تكون عادة مساهمة فيها بشكل كبير من خلال تساهلها في إقامة العلاقات ومنح الطرف الآخر فرصة لابتزازها بمنحه صورها أو السماح له بلقائها مما يسهل عملية التصوير والتسجيل ومن ثم ابتزازها، حيث أفادت دراسة حديثة أن 88 في المائة من قضايا الابتزاز تقف خلفها الفتيات، وعللت الدراسة ذلك إلى تجاوب المرأة بتسليم الرجل ما يمكنه من ابتزازها به كالصور والفيديو ونحوهما.
مشكلات اجتماعية
من جانبه، أكد الباحث الاجتماعي خالد الدوس أن الابتزاز ومظاهره من المشكلات الاجتماعية النفسية التي بدأت تشهد تزايدا ملحوظا وبشكل متسارع في المجتمع السعودي ويضيف «الابتزاز وأنماطه وطبقا للمفهوم الاجتماعي هو محاولة الحصول على مكاسب مادية أو معنوية، أو إشباع رغبات عن طريق الإكراه من شخص أو أشخاص أو حتى مؤسسات ويكون ذلك الإكراه بالتهديد بفضح سر من أسرار الضحية وهو أسلوب من أساليب الضغط الذي يمارسه المبتز على الضحية وهي المرأة في الغالب أو الرجل أحيانا».
وعن الآثار السلبية للابتزاز قال «للابتزاز آثار شرعية كالوقوع في معصية الله تعالى والمجاهرة بها، وانتهاك المحارم إلى جانب الآثار النفسية وما يصاحبها من شيوع بعض الأمراض النفسية خاصة عندما تكون جرائم جنسية».
إلى ذلك، قال المستشار والباحث الاجتماعي خالد البيشي بأن ظاهرة الابتزاز ظاهرة وممارسة خطيرة متى ما انتشرت في المجتمعات فإنها تهدد كيانه وتماسكه وترابطه، فابتزاز من الرجل للمرأة يكاد يكون هو الأكثر منه للمرأة للرجل، وتنجم عنه أمراض نفسية ومشكلات اجتماعية وتكون المرأة في الغالب هي الضحية، ويضيف «الاحصائيات تقول إن نسبة الابتزاز لدى الشباب بلغت في العامين الفائتين 62 في المائة أما لدى الفتيات فقد بلغت 28 في المائة تقريبا وهي في تزايد».
ضعف الوازع
وأوضح إمام وخطيب الجامع الكبير بمليجة الشيخ فهد بن سعد العبلان، أن ابتزاز للفتيات أمر خطير ويعود إلى ضعف الوازع الديني لدى المبتز الذي لو عرف أن عقاب التشهير بالناس عقاب شديد من رب العالمين لمن فعل ذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والأخرة)، ورسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم صعد المنير فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه و لم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ونظر ابن عمر إلى الكعبة فقال: «ما أعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك».
من جانبه، قال مبارك الدوسري (من الأعيان) إن سوء استخدام وسائل الاتصالات الحديثة يعد أحد أنواع الابتزاز، كما أن عدم تثقيف الناس بأضرار هذه التقنية أضر بفئة الشباب من الجنسين، ويرى الدوسري الحل في زيادة الوعي وفتح الأسر قلوبها لأبنائها والتقرب منهم، ومعاقبة المبتزين بالعقاب الرادع.
في حين بينت من جانبها، المرشدة الأسرية رئيسة المركز النسائي بالخفجي هاجر بنت علي إبراهيم العتين أن هناك أسبابا عديدة للابتزاز للفتيات منها قلة الوعي وعدم الخوف من الله وسوء الاستخدام للأجهزة الحديثة ووسائل الاتصال.
سلاح ضغط
وأوضح المحامي والمستشار القانوني حمود الخالدي، أن الابتزاز سلاح ضغط يمارسه المبتز على الضحية، مستخدما أسلوب التشهير بها على أوسع نطاق أو إبلاغ ذوي المرأة حتى يجعلها تقع تحت وطأة ضغوط المبتز ليجبرها على مجاراته وتحقيق رغباته الجسدية أو المادية.
وأضاف «لا شك أن هناك عددا لا يستهان به من قضايا الابتزاز في السعودية لا تكون المرأة طرفا فيها، فقد يحصل المبتز على صور خاصة للمرأة دون علمها فتكون أداة لابتزازها من خلال نشرها على مواقع التواصل، لذلك فإن الابتزاز إذا خلا من حالة الجرائم المعلوماتية، فإن القاضي ينظر إليها حسب وقائع وظروف القضية حيث أنه قد يحكم فيه بالسجن والجلد على المبتز.
أما إذا دخلت جريمة الابتزاز كنوع من الجريمة المعلوماتية عن طريق الحاسب الآلي أو عن طريق الهاتف فإنه يطبق عليه نص نظام العقوبة من خلال نظام الجرائم المعلوماتية، مع التنبيه هنا لضرورة التروي والهدوء في التعاطي مع قضايا الابتزاز، خاصة حينما تتعلق بالفتاة والتي هي الطرف الأضعف غالبا.