التسول .. استثمار واعد!

خلف الحربي

الفرق بين المحتال والمحتاج حرف واحد، وربما يكون هذا سببا في عدم تمييز هذا من ذاك، حتى أصبح من بين المعالم السياحية لمدننا الرئيسية كثرة المتسولين من جنسيات مختلفة عند إشارات المرور وغيرها من الأماكن العامة، وهؤلاء في الغالب لا يتجهون للتسول تحت ضغط الحاجة، بل لأنه تحول إلى مهنة مربحة في بلد جبل الناس فيه على فعل الخير، وفي ظل ضعف رقابي واضح من قبل الأجهزة المختصة بالحد من هذه الظاهرة السلبية وفي مقدمتها إدارة مكافحة التسول.
كل الطرق مفتوحة للمتسول كي يفعل ما يريد، وفي الوقت الذي يريد،إنه مثل مهاجم كرة القدم الذي وجد المدافعين أمامه مختلفين على مواقعهم فسدد الكرة في المرمى دون تفكير، فملف مواجهة هذه القضية ضائع بسبب تداخل الاختصاصات بين وزارة الداخلية، ووزارة الشئون الاجتماعية.. كما جاء في تقرير نشرته جريدة الحياة أمس، إضافة إلى بعض التعقيدات الاجتماعية المتعلقة بعملية ضبط النساء واللواتي يمثلن شريحة لا بأس بها من جيوش المتسولين التي تجوب الشوارع ليل نهار.
أبرز ملامح ظاهرة التسول كما جاء في التقرير: عدم وجود نظام واضح لمكافحة التسول، إضافة إلى قيام بعض ضعاف النفوس بإرسال أبنائهم إلى مواقع التسول طمعا في المال وليس بسبب الحاجة، وقلة عدد مكاتب مكافحة التسول، وضياع ملف القضية بين عدة جهات لكون أغلب المتسولين من مخالفي الإقامة. أما أسوأ الملامح على الإطلاق فهو قيام مكاتب مكافحة التسول بالجمع بين مهمتي استقبال الخادمات، و ضبط المتسولين رغم أن الخادمة الواحدة أكرم وأعز من ألف متسول لأنها فضلت الاغتراب عن ديارها، وتحمل مشاق العمل في البيوت على أن تمد يدها للناس.
ولكن ما هو أهم من ذلك كله عدم الجدية في مواجهة هذه الظاهرة، حيث يرى الكثير من الناس أنهم سيتجاوزون مشهد التسول بمجرد اشتعال اللون الأخضر للإشارة المرورية دون أن يدركوا بأن أعدادا أكبر من المتسولين تنتظرهم في الإشارة القادمة. فالتسول من أسرع الظواهر السلبية انتشارا في أي مجتمع لأنه عملية سهلة التنفيذ، ومضمونة الدخل، وعقوبتها محدودة لذلك تشعر المجتمعات التي تتغاضى عن هذه الظاهرة لعام أو عامين بأن أعداد المتسولين تضاعفت عشرات المرات،.فالتسول من أسرع الاستثمارات نموا متى ما ارتخت الأجهزة الحكومية في مواجهته.
قد يساهم الناس في تشجيع ظاهرة التسول من خلال تشجيعهم قيامهم بمنح المتسولين الأموال بسرعة دون التأكد من حقيقة وضعهم، ولكن هذا الأمر من طباع البشر الطيبين في كل مكان في العالم، حيث يصعب أن ترى فقيرا يمد يده للناس فتطلب منه تقريرا مفصلا عن أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، فمكافحة التسول تخص جهات محددة ومختصة بهذا الأمر أبرزها الجهة التي أنشئت خصيصا لمواجهة هذه الظاهرة لكن هاهي اليوم بلا أثر ملموس على أرض الواقع؛ بسبب قلة الدعم، وتداخل الاختصاصات، بل وعدم الاكتراث بهذا التسول، حيث لا يصنف التسول حتى يومنا هذا باعتباره ظاهرة خطرة، بل هو في مفهوم البعض ظاهرة غير حضارية فقط. ولكن هذا غير صحيح فهذه الظاهرة رغم ما تحمله من سمات الضعف وقلة الحيلة إلا أنها تتفرع لتنتج ظواهر أشد خطورة. فالاستثمار في التسول كان سببا أساسيا في تدفق المتسللين ومخالفي الإقامة بعشرات الألوف على أغلب المدن الكبرى.. لله يا محسنين.. كافحوا التسول من أجل الوطن، وكي لا يسرق المحتال لقمة المحتاج !.