الجهاديـون والإرهاب .. الأصول المشتـركة

شتيوي الغيثي

الأسبوع الماضي كنت قد كتبت عن تحول بعض الجهاديين إلى إرهابيين. واستعرضت كيف يتم تحول المجاهد من شخص مدافع عن حق الإنسان في العيش إلى رجل يقطع الرؤوس على الهوية، كما أننا شاهدنا كيف أن الفصائل الإسلامية الجهادية تتبادل مشاهد القتال بين بعضها البعض في سوريا بعد الثورة، حتى كان القتال مشكلة دولية حقيقية أفسدت أكثر مما أصلحت.
تكررت عملية تحول «المجاهدين» إلى «إرهابيين» في أكثر من مرة. في الأفغان والجزائر والعراق وسوريا كما استعرضناه في مقال الأسبوع الماضي. لم يكن هذا من قبيل الصدف الغريبة، بل هي راجعة إلى بنية فكرية في التكوين الجهادي لدى جميع هذه الجماعات المتطرفة منذ نشأتها، ومنذ تبنيها فكرة الجهاد من أساسها. بالطبع هناك عوامل عديدة ساعدت على تحول هؤلاء إلى ما هم عليه. قد يكون لبعض السياسات العربية والغربية دور في هذا التحول، إلا أنه لا يعفي تلك الفصائل من تهمة الإرهاب، كونها كانت تحمل بذور التطرف، وأشجاره أحيانا، ولم يبق إلا قطف ثمار هذا التطرف لضرب هذه الفصائل في المرحلة الأخيرة. في سوريا كان النظام في أكثر من مناسبة يشدد في ادعاءاته على مسألة أنه يقاتل فصائل إرهابية، وللأسف فإنه استفاد من هذه الورقة كثيرا لضرب الثورة نفسها، وقد كانت التهمة جاهزة كون تلك الفصائل تحمل تلك التهمة في حقيقة تكوينها الفكري والعملي، وقد أفسدت على الثورة ثورتها حتى عجزت عن أن تسير بثورتها إلى النهاية، بل إن الفصائل الإسلامية قتلت بعضا من أبناء الجيش الحر كونها تنظر إليهم بوصفهم أيادي غربية في سوريا.
في نهاية مقال الأسبوع الماضي كنت أرى ضرورة مراجعة مفهوم الجهاد عند تلك الفصائل لأنه يعتبر من الأصول المهمة لدى غالبية السلفيات الجهادية، وتشترك أكثرها في المفهوم الكلي، وتختلف في التفاصيل، كما تختلف في مسألة وقوع الحكم على الحادثة، وإلا فإن المفهوم الكلي واحد لديها، فالأصول الفكرية واحدة، وإن تغيرت الصور والتطبيقات، وآليات العمل على المفهوم في الواقع، ولذلك فإنه لو قادت الظروف إلى هيمنتها على المشهد في فرض رؤاها، فإنها سوف تقود إلى ما قادت إليه الفصائل الأخرى في سوريا. مبدأ تطبيق الشريعة مثلا نراه يقود إلى عملية إرهاب المجتمع وتطبيقه بالقوة رغم الاختلاف على تفاصيل هذه الشريعة في المذاهب الفقهية والدينية الإسلام. رأينا مشاهد القتل والجلد وتطبيق الحدود الدينية في مشاهد فيديو متكررة رغم أن الوقائع تختلف من مكان لمكان إضافة لاختلاف المفاهيم الشرعية من أساسه.
هناك مشتركات فكرية عديدة بين السلفيات الجهادية بحيث تصب كلها من منبع واحد، وإن كانت تختلف في جريانها، فمفهوم الجهاد، لديها جميعا، يتصل بمفهوم الحاكمية، الذي يتصل بدوره هو الآخر، بمفهوم الولاء والبراء، وهذا ما يقود إلى المفاصلة مع كل الأنظمة العربية والإسلامية التي لها علاقات دولية، وهنا تختلف في تطبيق هذه المفاهيم على تلك الدولة أو تلك، بمعنى أن هذه السلفيات تختلف في تسمية الأنظمة الكفرية مباشرة، ويتحرج بعضها من ذلك لأسباب سياسية أو دينية، وإلا فإن هذه المفاهيم تتصل بعضها ببعض، وتقود في النهاية إلى ذات المشكلات لدى الفصائل المتناحرة. ولعل موقف هذه السلفيات من مفهوم الديمقراطية ــ كما ذكرناه في مقالات سابقة ــ دليل على مدى أزمة الجهاديين مع المجتمعات لكونها تنظر إلى الديمقراطية بوصفها كفرا، وهذا الفكر يقود بالضرورة إلى تكفير ذلك المجتمع الذي يتبناها لمبدأ الحاكمية الذي لا تختلف عليه السلفيات جميعها (هناك استثناء حصل مع السلفية المصرية في مشاركتها الديمقراطية بعد سقوط الإخوان، وهذا يحتاج إلى قراءة خاصة). من هنا تتحول عمليات الجهاد إلى عمليات إرهابية (ربما) قادت إلى جهاد المدنيين الموالين، أو قتلهم لإشكالية التمترس مع العدو، وهذه من المفاهيم والإشكاليات التي تختلف عليها السلفيات الجهادية، أي أنها تختلف في الإجابة حول سؤال: هل يقتل المدني لولائه للدولة، أو أنه يقتل لسبب أن العدو يتمترس بهم في المواجهات العسكرية ؟!، وهذا الاختلاف راجع ــ كما قلت ــ إلى مدى تطبيق المفاهيم الكبرى على الواقع، بحيث تطبقها السلفيات الجهادية بحرفيتها، في حين تتوقف السلفية العلمية دون ذلك، وتتحرج منه..
إن النظر إلى أدبيات تلك الجماعات والموازنة بينها، يمكن أن يقودنا إلى رؤية المشتركات الفكرية والعملية بينها، مما يمكن التنبؤ معها بـ «حتمية» تحول كثير منها من المفهوم الجهادي إلى العمليات الإرهابية، لأن مفهوم الجهاد لديها يقود بالضرورة إلى المشكلات العريضة التي قادتها لاحقا إلى قطع رؤوس بعضهم البعض، والاقتتال فيما بينهم؛ فضلا عن قتال غيرهم.