صف لنا عدوك نقل من أنت ؟

نايف الرشدان

كان من شيم العرب الثناء على أعدائهم، وعدم الانتقاص من مكانتهم، أو الإقلال من قدرهم، فالاعتراف بحكمة أو شجاعة أو كرم الخصم سمة غالبة عند العقلاء ممن لهم رجاحة ونبل، ولذلك ظل احترام الخصم خطوة أولى للانتصار، ليس شرطا أن يكون الانتصار في ساح معركة وإنما على ميدان المعاملات، بكسب مودات الخلق وكسب المديح.
وقبل أن يشع فجر مؤسس هذه البلاد ويرسله الله بشرى لأرض التناحر والتعادي والتخاصم والكر والفر، كانت العرب أيضا يغير بعضها على بعض صراعا من أجل البقاء أحيانا وصراعا من أجل المكان أحايين كثيرة، وكان هناك فارس شاب لوى الأعناق إليه ولفت الانتباه بالشجاعة وإجادة فنون القتال، ذاع صيته وذهل الناس منه وعلم أمره، وعندما قتل في إحدى الغارات قامت القبيلة المعادية بتسمية أربعين مولودا على اسمه تقديرا من هذه القبيلة العريقة لمكانة هذا الفارس وقيمته، وفي التاريخ شواهد كثيرة على احترام الآخر للخصم ففي إحدى المعارك قتل فارس له مكانته فتحقق الثأر له، وحينها قال الشاعر:
راح الفديع اللي علينا خسارة
واخذ قضاها عبيد حامي ثقلهن.
فعبارة (حامي ثقلهن) مديح كبير من المستثار للخصم، واعتراف بمكانته، أولئك كانوا كبارا في سلمهم وحربهم، لأنهم لم يكونوا ليبخسوا المقابل حقه من الثناء وذكر الحقيقة رغم شراسة المعارك.
وبعد أن زال عهد الكر والفر مع انبلاج نور توحيد هذا الكيان أصبحت المجتمعات متقاربة والقبائل متآلفة، لكن لم تزل الاختلافات باقية لأنها جزء من الحياة، وباتت الحياة الاجتماعية تحتمل صراعات أخرى في الرياضة والاقتصاد والفن والثقافة حيث شهدت كلها خصومات متباينة، الذي تغير أن الخصم بات يقلل من قدر خصمه، والمختلف ينسف بقيم الآخر لمجرد أنه خالفه، ولم تعد الصدور قادرة على الاحتفاظ بالمعروف أو العقول محتفظة بالقيم النبيلة للآخر.
وقيمة المرء أحيانا من قيمة خصمه ومكانة عدوه، فلك أن تفاخر أن عدوك على مستوى من الرجاحة والرقي، ولذلك عبر فكتور هوجو عن المستوى الذي يريد أن يصل إليه بقوله: ... (ليس لدي أعداء عندما يكونون بؤساء).
حاولوا أن تكونوا بمنأى عن الخصومات، هادنوا من خالفكم، وسامحوا من آذاكم، تجاوزوا عمن أساء حتى تنأوا بأنفسكم عن العدوات وإيغار الصدور:
لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من هم العداوات.
فإن لم تقدر على ذلك، ولم تجد بدا من الولوغ في نفق العداءات، فليس أقل من حفظ حقوق الطرف المقابل.
إياك أن تهزأ بخصمك أو أن تقلل من قدره لأنك تقلل من قيمة خياراتك على اعتبار أن كل علاقة فيها اتفاق أو اختلاف هي بشكل أو بآخر من خياراتك.