الإسلام السياسي والدولة المدنية
السبت / 29 / ربيع الثاني / 1435 هـ السبت 01 مارس 2014 19:39
نجيب الخنيزي
تسنى لي، في الأسبوع الماضي، حضور فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 29)، وخصوصا النشاط الثقافي، والذي تصدره محور «حركات الإسلام السياسي والدولة الوطنية»، وقد خصصت له خمس ندوات جرى خلالها تداول عشرات المداخلات والتعقيبات من قبل باحثين وأكاديميين من المملكة والبلدان العربية والأجنبية، وقد اتسمت المداخلات والتعقيبات بتنوع وتعدد المراجع الفكرية/ السياسية، كما لم تخل من المماحكة والتهويش من منطلقات أيدلوجية ماضوية متشددة، تقف من حيث المبدأ والجوهر على النقيض للدولة المدنية، وذلك من خلال استحضار مفهوم الأمة والجماعة بالمعني التاريخي الضيق. استعرضت رؤية وموقف حركات الإسلام السياسي (بشقيه السني والشيعي) للدولة، وتسييسهم للدين خدمة لمصالحهم الدنيوية في الوصول إلى السلطة، وذلك من خلال طرح وتوظيف شعارات فضفاضة على غرار الإسلام هو الحل أو الحاكمية لله أو ولاية الفقيه. يتعين هنا التفريق بين الإسلام في نصه الثابت والمؤسس (القرآن الكريم)، وبين القراءة البشرية التالية له، وهي بالضرورة متعددة، وتصل إلى حد الاختلاف الحاد بين الفقهاء والمفسرين والمجتهدين، نظرا لتباين قدراتهم ومعارفهم وخياراتهم، ضمن سياق بيئة تاريخية متغيرة، بفعل العوامل السياسية والاجتماعية. منذ أواسط القرن التاسع عشر جابه رجالات النهضة والتجديد الديني، دعوات توظيف الدين في السياسة. وكتب شيخ الأزهر الإمام محمد عبده «المسلمون أدرى بشؤون دنياهم، وأن لهم أن يفعلوا بحياتهم ما شاؤوا ما ظلوا محافظين على إسلامهم»، وجاء في مؤلفه (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) علمت أن ليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير عن الشر.. ثم يعود فيؤكد في كتابه «فليس في الإسلام ما يسمى بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه». أما الشيخ عبدالرحمن الكواكبي، فقد أشار في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد الصادر في 1902، أي مطلع القرن الماضي»، على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول إن لم يكن هناك توليد بينهما، فهما أخوان أبوهما الغلب وأمها الرئاسة.. كما يشير إلى أن «كل المدققين السياسيين يرون أن السياسة والدين يمشيان متكاتفين، ويعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل وأقوى وأقرب طريق للإصلاح السياسي». جمال الدين الأفغاني الذي أقام في النجف، وتلقى العلوم الدينية في حوزتها، غير أنه اتسم بالانفتاح على كافة المذاهب الإسلامية من جهة، وعلى منجزات الحضارة الغربية من جهة أخرى، كما دعا إلى الابتعاد عن الفرقة والانقسام، والتأكيد على الوحدة الإسلامية والتآخي بين المسلمين، على قاعدة المشتركات الدينية والوطنية والإنسانية. ويرى الأفغاني أن إثارة قضية الخلافة بعد وفاة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أمر يضر المسلمين في الوقت الحاضر، ولا ينفعهم وقد كتب ما يلي «لو أن أهل السنة وافقوا الشيعة الآن على أحقية علي بالخلافة، فهل يستفيد الشيعة من ذلك شيئا، أو إن الشيعة وافقوا أهل السنة على أحقية أبي بكر فهل ينتفع أهل السنة؟. ثم يصرخ أما آن للمسلمين أن ينتبهوا من هذه الغفلة ومن هذا الموت قبل الموت. كما نستحضر أطروحات محمد باقر الصدر في دور المجتهدين كشهود، أي أن دورهم هو الإرشاد، لا الزعامة أو السلطة المباشرة للفقهاء. غير هذا الطرح غيب من قبل خط ولاية الفقيه الذي استأثر بالسلطة في إيران. هناك العديد من العوامل التي أدت إلى فشل وانتكاس مشروع التنوير والعقلانية والإصلاح والتجديد الديني، وبالتالي تصدر حركات الإسلام السياسي (السني والشيعي)، ذات المنزع الأيدلوجي الصارم والصدامي والمتزمت إزاء الآخر، الذي خلط الدين بالسياسة وحوله (الدين) إلى ثقافة وممارسات (شكلية) عامية تتسم بالخرافة والخزعبلات والأسطورة، ليس لها علاقة بجوهر الدين القائم على المحبة و التسامح والانفتاح. لنقارن ذلك الخطاب العقلاني بقول سيد قطب المنظر الشهير لحركة الإخوان المسلمين في كتابه «معالم على الطريق»، حيث كتب «المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة وليست شيئا آخر على الإطلاق، إما كفر وإما إيمان، إما جاهلية وإما إسلام.. وأن هناك دارا واحدة هي (دار الإسلام) التي تقوم فيها الدولة المسلمة، وما عداها فهو دار حرب.. وأن هناك حزبا واحدا لا يتعدد هو حزب الله وأحزابا أخرى كلها للشيطان والطاغوت». السؤال هنا: هل تتفق التصورات والممارسات الإقصائية المتطرفة، إزاء الآخر المختلف، مع مفهوم المواطنة المتساوية التي تطرحها الدولة/ الوطنية/ المدنية؟.