دفاتر الذكرى

رندا الشيخ

في كتابة مذكراتنا سحر مبهج. فالدقائق التي نمارس فيها تأريخ تفاصيل حياتنا على الورق، تخفي من المتعة الشيء الكثير. يكفي ما نسقطه عن أكتفانا من حمولة ننساها في دفاترنا لأيام أو لأعوام. لكن وبقدر اللذة التي ترافق لحظات الكتابة اليومية أو شبه اليومية تلك، يبقى الحزن ملازما لها وتبقى السعادة مختبئة في ثناياها، فالحياة ليست ألما أو فرحا مطلقا.
وليس شرطا أن يكون الحزن جزءا من الموقف أو الحدث الذي نخطه في دفتر الذكرى، فقد يرتدي الحزن لباس الحسرة على مضي لحظة فرح وانتهائها مع استحالة عودتها، أو يعتمر قبعة الإدراك بأن تجسيد المواقف التي مررنا بها في حروف ستبقى حبيسة الأوراق، هو أقصى ما يمكننا القيام به للثأر منها..ومنا!
الغريب، هو ظن البعض أننا نبالغ حين نخبره بأن في كتابة يومياتنا شفاء مما يضنينا، وبأن لصرير القلم لحنا مهدئا يخترق ضجيج النفس والفكر ويأخذنا لواحة السلام التي نحتاج دوما إلى الاستطباب بها، والعبرة كما يقال.. بالتجربة! لكن هل تساءلنا يوما عن رحلة العودة لتلك الدفاتر بعد غياب طويل؟ ألن نشعر ونحن نقرؤها أننا نعود إلى جزء كنا قد نسيناه في ذواتنا؟ وماذا لو كانت حفنة الكلمات تلك هي كل ما تبقى لنا ممن نحب؟ سأتركك مع القصة.
كان هيثم شابا مبتسما على الدوام. انزعاجه وتقلباته لم تكن تتجاوز لحظات تذمر تنتهي بنظرات حب وتربيتٍ رقيق من زوجته رجاء. مشوار حياتهما معا كان قصيرا، فقد تزوجا بعد لقاء عابر في مناسبة عائلية، وبقيا معا لثلاثة أعوام كانت الأجمل بالنسبة إليهما. لكن ودون مقدمات، رحلت رجاء بسكتة قلبية! لكن هيثم لم يستطع استيعاب الصدمة! ظل لأيام يستيقظ صباحا على أمل أن يستمتع بدندنة رجاء وهي مشغولة بإعداد طعام الإفطار ويباغتها بدلاله، لكن ضجيج الصمت كان يطبق على صدره مخيبا ظنه، فيقفز عن سريره باحثا عنها، وحين يستوعب الواقع ينهار على الأرض باكيا كطفل تاه عن أمه في متجر مزدحم! وبعد رحلة علاج نفسي تنقل فيها من طبيب إلى آخر، وجد ضالته بعيدا عن كومة الأدوية التي وصفت له. بعد أن اقترحت عليه أخته أن يكتب يوميا رسالة لرجاء يخبرها فيها بما يشعر، وكيف تبدو الأيام حين رحلت. لم يستغرق الأمر سوى شهرين من الكتابة اليومية، حتى بدأ في استعادة توازنه شيئا فشيئا.
في نهاية كل رسالة يا قارئي العزيز، كان هيثم يذيلها بعبارة لرجاء يقول فيها: في كل مرة أكتب إليكِ فيها أشعر باكتمالي. مخيف هو الشعور يا حبيبتي بأني نصف بعد أن كنت كلا مكتملا بكِ.