غرفة في التخصصي .. وآخرين

فؤاد محمد عمر توفيق

استوجب الأمر فى حالتي أن أخضع لعملية في المستشفى التخصصي بجدة.. وكنت فيما مضى من أعوام قد أجريت بها ثلاث عمليات ناجحة بحمد الله.. بيد أني كنت نزيلا في قسم الأجنحة التي بدت مريحة ــ عندئذ ــ وتحت أنظار خدمة منتظمة.. حمدت الله سبحانه وتعالى أن بلادنا توفر الخدمة المعقولة للمرضى.. وتمنيت أن تصعد كافة مستشفياتنا لمثل تلك المستويات الطبية.
وقبل ثلاثة أشهر أجريت عمليتين في سويسرا.. ورغم أنهما كانتا ناجحتين.. بل ومن خلال خدمة رائعة.. الا أنهما يبدو قد أتيا بمستوى راق أدى لارتفاع مقياس التوقعات عندي بحيث أجد الأدنى بعيدا كل البعد عن المعقول.. ان لم يكن أفسـد كل ما هو أدنى في التقييم الذاتي..
أعود من حيث بدأت هذه الكلمة.. فقد تم حضوري لمستشفى التخصصي مساء يوم السبت لقضاء الليلة وتجهيزي للعملية المقررة صباح الأحد.. وصعدت لما يسمى جناحا كنت أحسبه وفق ما عهدت في عملياتي القديمة بنفس المستشفى.. وفعلا وصلت لنفس الطابق.. ثم أتينا الى ما يسمى جناحا.. أو غرفة يحسب أنها معدة بمستوى ممتاز.. سواء كان لمكانة واسم المستشفى.. أم لخدمة المرضى..
لا أستطيع أن أجـزم.. ولكني أشـتبه أن ما يعـرف بأنها غـرفة أو جناح.. ــ غالبا ــ أنها كانت غرفـة لأغراض غيـر تنـويم مريـض.. في ركـن الطـابق.. وتم تحويلها ــ دون ترتيب أو كفاءة طبية ــ الى ما يسمى غرفة أو جـناحا.. ناهيك عـن الأثـاث القـديـم والرائحـة غـيـر المريـحة بهــا.. والأهــم مـن ذلـك غيــاب التجهيزات المعتادة في كافة مستشفيات العالم التى تقع خلف السرير وتشمل أجهزة الأكسجين وحمالات الأدوية والاضاءة.. الخ.. وفوق دهشتي لهذا الوضع.. في مستشفى يفترض أنها فوق المستوى العادي بحكم ندرة التمكن من الحصول على علاج فيها ما لم تتوفر تقارير مقننة تدعم الموافقة على تلقي العلاج أو أوامر صريحة.. اضافة لما يتوفر لها من امكانيات مالية وبشرية في سبيل تقديم المستوى المناسب للأمراض الصعبة.. الا أنني كدت أعود لمنزلي لو لم يكن الوقت متأخرا.. وموعد العملية صباحا ..
وعندما رغبت النوم في ظل خيبة الأمل التي حاصرتني كمواطن قبل أي شيء آخر.. حاولت تخـفيـف البـرودة في جهــاز التكييــف وكذلك دفـع الهـواء.. الا ان مفاتيح الجهاز لم تتجاوب فاقترحت الممرضة استدعاء فني الصيانة.. الذي وصل ليفهمني استحالة التحكم من خلال المفاتيح ؟!! بينما ازرار اســتدعاء الممرضة لم يكن يعمل كذلك !.. ولم يكن خلاط المياه الحار والبارد عند «الغسل» المطلوب طبيا قبل العملية ثابتا.. اذ يتبدل عفويا من حار لبارد.. وبالعكس !!، ولم يتسن لي النوم حتى ساعة متأخرة ليلا وبعد انتهاء الاصلاحات !
واذا لا بد من ذكر ما يستحق فخـدمة الأطباء والتمريض كانت بمستوى جــيد.. بحكم حرصهم ومتابعتهم في حدود المتاح !..
الحقيقة.. ورغم الملاحظات نحو المستشفيات العامة الأخرى والتي لا تنعم بنفس الاهتمام الذي يتمتع به المستشفى التخصصي.. فانني قد أجد لهم العذر في ظل البيروقراطية والمركزية في الادارة التي تحاصر الخدمة الملائمة للمواطن امـام ما تنفقه الدولة للدفع بالخدمة الطبية الى الأمام.. بالمقارنة مع التخصصي !.. ففي مستشفى الملك فهد بجدة.. ينتظر البعض لموعد عيادة لأكثر من شهرين ؟؟! كما قد يكون هو المستشفى الوحيد مما يعرف في العالم أنه يحتوي على نحو مائة سرير طوارئ ! الأمر الذي يدل على حجم الطلب وكثافة الضغط الذي يستوجب مزيدا من المستشفيات عاجلا.. تلبية لحاجة المواطنين.. وبنظام تشغيلي غير مركزي وفعال.. بينما ابنة لأحدهـم منومة في غرفة لديهم لمدة اسبوع انتظارا لموعد الأشعة المقطعية ؟! وفي مستشفى المحجر جنوب جدة تتم بعض عمليات الولادة قيصريا باستخدام ملقاط الولادة الممنوع حاليا لخطورته على الجنين في بعض الحالات ولنقص أو خلل في الأجهزة ؟!.. والقصص لا تعد ولا تحصى.. بيد أن المجتمع يضج.. والاعلام ينبذ.. وتشمر وزارة الصحة عن ساعديها عند وقوع خطأ في مستشفى خاص.. وهذا حق وواجب.. الا أنه لا يعني أن المستشفيات الحكومية تتمتع بحصانة نحو أخطائها !.
وبالعودة مرة أخرى للتخصصي فقد كان مفروضا أن أبقى خمسة أيام بعد العملية الا أنني اضطررت لأن أهرب منه بعد يوم واحد فقط من العملية متحملا آلاما وأوجاعا جسدية وذهنية.. بينما يستمر في شغل أسرة المرضى فيها من لا يجب أن يبقى لاستخدام الخدمة الفندقية بها !..
إنني أكتب هذا المقال من باب حـب الوطن الذي نحـبه جميعا ونغار عليه.. وإنني أطمع أن تكون الخدمة الطبية الفائقة في متناول كل مواطن ضعيف.. قبل القوي القادر.. أنا لا أطلب وانما اطالب.. وشــتان بين المطلب والمطالبة.. فالمطالبة هـي حق لكل انسان لتحقيق حقوقه.. والمطالبة بمستشفى سواء التخصصي أو غيره يكون ذا فعالية في الادارة والتشغيل والصيانة والمناخ الملائم والأجواء البيئية الطبية حق وواجب تمليه المسؤولية المخلصة وتطالب به المواطنة الصالحة.. وان لم يع القائمون على هـذه الخدمة تحقيق هذا المفهوم الذي ربما قد يستوجب تعديل الأنظمة الخاصة بالتشغيل الطبي.. فالنفق قد لا يكون واضحا.. وفي الخلاصة.. فانه اما أن يكون هناك تقصير في قيادة الادارة القائمة.. أو أن هناك تقصيرا من مركزية ادارة التخصصي والدعم الآتي منها في الرياض.. أو أن هناك شرحا وافيا وحلولا قادمة وواعدة قد تعود بالتخصصي لموقعه المعروف.
وقبل وبعد ما تقدم.. فإنني أظل مقدرا جهود العاملين في الجهاز الطبي والفني والاداري والتمريضي لدى التخصصي لأدائهم المؤدب وتقديمهم أفضل ما يكون في ظل المتاح..
والمعلوم أن هناك مشروعا قادما لبناء تخصصي آخـر أفضل تجهيزا وأوسـع حجما في شمال جدة.. وبتصاميم حديثة تعكس المستوى الانشائي والتشغيل النموذجي.. والكلمة هي: هل الحضارة تتوقف عند حضارة الحجر فقط ؟ أم ربما يكون هناك ادارة وتشغيل وصيانة وكفاءات تعمل باقتدار تحت أنظمة مالية وادارية غير مركزية تستطيع أن تجعل من الطين أفضل جمالا من الحجر المنقوش !
وكان الله فى عون الجميع ..