المرأة البلدية .. المواجهة مع الرجل

نوف محمد

أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من إسهام المرأة السعودية في بناء وتأسيس البنية التحتية في بلادها، مع قرب تنفيذ الإرادة الملكية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ يحفظه الله ــ بالسماح للمرأة بدخول المجالس البلدية كناخبة ومرشحة، تجلس إلى جانب الرجل، تراقب، تحلل، تناقش، تقترح، تقف ميدانيا على كل ما يتعلق بمفاصل الحياة الخدمية في كافة مدن ومحافظات وقرى وهجر المملكة.
لطالما كانت المرأة أعمق رؤية وأدق تقديرا لاحتياجات بيتها وأسرتها ومحيطها بشكل عام، وهي ــ بلا شك ــ أقدر على تلمس احتياجات محيطها الأوسع على مستوى مدينتها أو قريتها، وتنافس الرجل ــ إن لم تكن أقدر منه ــ على طرح المقترحات والحلول لعلاج المشكلات التي تتطلبها المرافق الخدمية البلدية.
ولطالما كانت تجربة المجالس البلدية في المملكة منذ نشأتها وإقرار نظام الانتخابات فيها بالنصف، والنصف الآخر بالتعيين، تجربة لم يكتب لها النجاح المأمول، حيث خضعت لنفس معايير التكتلات والحشد للمؤيدين لحسابات لم تكن الكفاءة والقدرة على خدمة أهالي المنطقة أو المدينة أو الحي حتى أحدها، وطفا على السطح وقتها ما عرف ــ آنذاك ــ بالقوائم الذهبية، التي صنفت على أساس فكري وليس خدمي، وهو ما يتنافى مع أهداف المجالس البلدية، ولا علاقة له بالبنية التحتية لا من قريب ولا من بعيد. ودخول المرأة السعودية لمعترك العمل البلدي تجربة متقدمة جدا لفكر متقدم أيضا حملته رؤية خادم الحرمين الشريفين لواقع المرأة السعودية وواقع نجاحاتها المتعاقبة على المستوى المحلي في الجوانب الاقتصادية، وإن كانت مليارات سيدات الأعمال مكدسة في البنوك ــ وفق الإحصاءات الرسمية ــ وتصنف ضمن رأس المال الجبان الذي يحتاج لإتاحة فرص أكبر له لينطلق ويسهم في دورة رأس المال الوطني، ونجحت في المجال العلمي والأكاديمي وبرزت عالمات سعوديات كثر في مجالات الطب والفيزياء والعلوم النووية.. وغيرها، ليس على مستوى الوطن، ولكن في المحافل الدولية رفعت اسم بلادها عاليا، وتبوأن مناصب كبيرة في هيئة الأمم المتحدة وفي جامعات عالمية كبرى.
ومن المتوقع أن تكون تجربة المرأة السعودية في دخول المجالس البلدية كمرشحة أو كناخبة ناجحة بكافة المقاييس، وأن تضيف لتجربة هذه المجالس بعدا خلاقا ومبتكرا ينعكس في نهاية المطاف على المواطن ومستوى الخدمات المقدمة له، شريطة أن لا تنتقل إليهن عدوى الاستكانة والبحث عن الوجاهة وعدم فهم حدود صلاحيات أعضاء المجالس البلدية وحدود تدخلاتهم في سير العمل الحكومي، وإذا ما نجحن في تجاوز هذه العقبات والعمل في المستقبل وليس في الحاضر أو الماضي، فإن تجربتهن سيكتب لها النجاح، وإلا فإن النتيجة لن تكون أكثر حظا من أشقائها الرجال، والذين يرى البعض أن نتيجة عملهم لسنوات أمضوها في المجالس البلدية هي «لم ينجح أحد»، تدعم هذه الرؤية تصريحات أعضاء المجالس البلدية أنفسهم للصحف.
تجربة انتخابات المجالس البلدية تجربة متقدمة جدا في مسيرة العمل الحكومي في المملكة، ولكنها تحتاج إلى تفعيل وتعامل أكثر وعيا بصلاحيات هذه المجالس والمهام المطلوبة منها، ودخول المرأة السعودية فيها خطوة أكثر تقدما، شريطة أن لا تتحول إلى واجهات و«ترزز» بعيدا عن حاجات الناس الفعلية.
الفرصة الحقيقية لا تأتي إلا مرة واحدة، وعلى من يتهيأ لها المشاركة في المجلس البلدي لمدينتها أن تحمل الأمانة كما يجب أن تحمل، وأن لا تشوه ملامح هذه الفرصة على من سيعقبنها على ذات الكرسي.
صاحبات التجربة الأولى سيجدن إمكانات موفرة لهن، ودورهن الحقيقي أن يحققن مكتسبات جديدة تضاف إلى ما تم توفيره لهن قبل بداية التجربة، وأتمنى على كل مواطن ومواطنة مساندتهن في أداء عمل حقيقي يستفيد منه الجميع، والبعد عن التمسك بالقشور وتضخيمها والدخول في نقاشات عقيمة عن أماكن جلوسهن وأماكن حملاتهن الانتخابية وكيفيتها، مما هو معلوم بالضرورة أننا بلد يطبق الشريعة ويراعي كل جوانبها، والله الموفق.