الاختلاف مبدأ حضاري

احمد عائل فقيهي

فكرة الحوار في مضمونها تعني الاختلاف المفترض أن يكون بعيدا عن الخلاف والحوار أيضا في أفكاره ومحاوره قائم على التحاور المبني على معرفة وفهم ووعي بالقضية المتحاور حولها لا التناحر والنفي والإقصاء.
من هنا فإن فكرة الحوار التي يرعاها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي انطلق منذ عشر سنوات وقامت محاوره وأفكاره على عدة عناوين تتعلق بالتعليم والبطالة والشباب والمناطقية والمذهبية وغيرها من القضايا والمسائل التي كان آخرها عنوان «التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية» الذي عقد في جدة يومي الأربعاء والخميس 26-27 ربيع الآخر في 1435هـ.
هذا العنوان العريض الذي جاء تحت عنوان «التصنيفات الفكرية» يقتضي الوعي به ومدى أهمية الدخول في المعاني والدلالات التي يحملها وضرورة إشراك أسماء قوية وفاعلة في الملتقى، ما شاهدته من النقل المباشر للملتقى الثامن للخطاب الثقافي السعودي على «القناة الثقافية» مجرد تعليقات سريعة وخاطفة للمشاركين وهم في غالبيتهم كتاب صحفيون ليسوا أصحاب رؤية ترتكز على أبعاد فكرية وثقافية واجتماعية مع مشاركة نسوية خجولة وكل ما شاهدته لا يؤسس لحوار فكري يذهب عميقا في صناعة خطاب ثقافي وفكري ووطني ولا بد هنا من البحث عن تصور جديد وآلية جديدة للحوار الوطني.
نحن وكما قلت في مقال سابق ما زلنا في مرحلة التجاور ولم ندخل حقيقيا في مرحلة التحاور ذلك أن نتجاور في مقاعد متقاربة لا يعني ذلك تقاربا في الرؤية وفي الفكر والهدف. إن البعيد ربما يكون أكثر قربا مني ذهنيا وفكريا عكس القريب مني تماما.
إن الأصل في الحوار الاختلاف وليس الاتفاق ولكنه الاختلاف الذي لا يؤدي إلى خلاف ومن هنا وإذا كنا متشابهين في كل لا يمكن أن نكون مجتمعا صحيحا وحضاريا لا يمكن لنا أن نكون شبيهين لبعضنا البعض فكريا ذلك أن الاختلاف الحضاري يخدم الوحدة الوطنية ويساهم في التقاء الأهداف العليا للوطن لا تشتيت هذه الأفكار والآراء والأهداف التي سوف تساهم في تفتيت الوحدة الترابية الوطنية.
إن الفكرة العظيمة والوطنية التي قام من أجلها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني برعاية رمز الحوار الحضاري الملك عبدالله بن عبدالعزيز عبر الدعوة إلى الحوار الوطني والحوار مع أتباع الثقافات الذي توج بإنشاء مركز في العاصمة النمساوية «فيينا» يعكس رغبة حقيقية في تعميق وتوسيع فكرة الحوار بكل تجليات وآفاق هذا الحوار وهو ما يدعونا إلى الأخذ بقيمة الحوار كقيمة إنسانية وفكرية وثقافية وسياسية واجتماعية ومذهبية ولا بد من الانتقال في جلسات الحوار الوطني من حوار النخبة داخل الغرف المغلقة إلى حوار الجماهير والناس والتقاء الشباب والأجيال الصاعدة بأصحاب القرار أولا وبأصحاب الفكر والرأي ثانيا.
وهنا تتحقق الفكرة القائمة على مبدأ الحوار بالمعنى الحضاري الذي يعزز الوعي الكامل بضرورة التعددية الفكرية وأهمية هذه التعددية لا الدعوة إلى التشابه في الأفكار والرؤى والتوجهات.
إن الحوار قائم في أصله على القبول بالطرف الآخر وعلى القواسم المشتركة والتحاور لا التنافر هو قاعدة انطلاقنا إلى المستقبل والتحاور لا التجاور فقط هو ما يمكن أن يؤسس لرؤية وطنية مرتبطة بالأرض وبالإنسان.