التربية بالمال
السبت / 14 / جمادى الأولى / 1435 هـ السبت 15 مارس 2014 19:31
حسن النعمي
أن تربي طفلا تربية توازن بين القيمة المادية والمعنوية، فذلك من أشق الوظائف الإنسانية التي يتخيلها بشر، وخصوصا عند أولئك الذين يصطرع في دواخلهم تنازع القيم المعنوية في التربية مع القيم المادية المغرية.
قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، فبهما تكتمل أمنيات الإنسان، فالمال للاستهلاك والأبناء للاستقواء. وفقد أحدهما يؤزم حياة الإنسان. أما اجتماعهما فلا يعني الوصول للسعادة المطلقة، لكن اجتماعهما تغيير لمنظور الحياة وهذا مهم. فصاحب المال يسعى للاستكثار، وكذلك صاحب الأولاد يطلب الولد لغايات اجتماعية مختلفة.
ورود (المال) مقدما على (البنون) في الآية له دلالة تفضيل زينة المال على زينة الأبناء، فهما مختلفان في الرتبة، متفقان في كونهما زينة يتحلى بها الإنسان. لكنها زينة تنزل منزلة الضرورة، فليست زينة ظرفية، بل زينة باقية ببقاء وجودها. من هنا جاء تأثيرها في حياة الإنسان. ولعل تقديم المال يدل على تأثيره البالغ في توجيه حياة الإنسان، كما أن الإنسان قد يمتلك الأبناء دون المال، وهو الغالب في حياة الناس. من هنا جاء تقديم المال بوصفه الزينة الأولى التي تتم بها الزينة الثانية. فوجود الأبناء دون المال زينة منقوصة، بينما وجود المال دون الأبناء زينة تعويضية، تعوض الإنسان عن فقد زينة الأبناء، فهي أفضل من شقاء الأبناء في حال كان المال غائبا.
صاحب المال والأبناء يجد نفسه في سياق تجربة غير مسبوقة، فالمال لديه من أجل إسعادهم، والأبناء مصدر سعادة كبيرة، فلم لا ينفق على أولاده بسخاء؟ تفكير صاحب المال، والحديث عن صاحب المال الذين ينظر للمال على أنه مصدر سعادة، فهو يبذل المال لشراء ما يجده محققا له توازنه ورضاه.
يسرف بعض الآباء في استهلاك ماله، أو في استهلاك حبه لأولاده. في حالة المال قد يفنى، وفي حالة الأولاد قد يفشلون في حياتهم. المال الجيد ليس سوى المال الذي يجمع ويصرف من أجل دعم الآخرين بطريقة لا تورثهم الحسرات والندامات.
من وسائل التربية التي ينتهجها البعض يأتي التعويض بالمال أو الإغراء بالمال. وهذه النهج في التربية عادة يبدأ منذ طفولة الأبناء، حيث يصبح المال مفتاحا للحوافز والمكافأة، والأخطر أن يكون أحيانا شرطا لتحقيق الواجبات. في التربية الأصيلة الواجب مقدم على المال، مقدم على الثواب، إنما تعمل الحوافز بعد تحقيق النجاح دون أن يكون النجاح مشروطا بمكافأة مالية.
اعتاد بعض الآباء على ترويض أبنائهم بالمال، وجعل تلبية مطالب الأبوين بمقابل مالي. يدرس الابن بشرط الحصول على مقابل، وينجح بوعد المقابل المالي أو المادي. ولتعمل الحوافز لا يجب أن تكون شرطا، بل يجب أن تكون مكافأة غير مشروطة.
أخطر ما في الأمر تعويد الأطفال دون الخامسة على الإنجاز بمقابل مادي، مثلا إن قرأ الفاتحة أو عد إلى العشرة نعطيه مبلغا من المال قل أو كثر، وعليه فتأثيره سلبي، إذ يوحي للطفل بهذه النزعة المادية، إذ يؤكد له أن أي شيء يبذله لا بد أن يقدر بالمال.
فلأجل إقناع الأطفال بعمل ما ينبغي عمله، أو الإقلاع عن شيء يتوجب تركه، يلجأ بعض الآباء والأمهات للترغيب بالمال قل أو كثر لأداء الواجبات، أو التعويض عن ترك أمر يجب تركه. هنا يحل المال بديلا عن وسائل أخرى مهمة، منها التربية بالحوار، ومحاولة تقدير موقف الطفل قبل إصدار أمر بالاستجابة أو الترك. هنا تظهر عيوب التربية بالمال، حيث تعزيز القيم المادية في نفس الطفل قبل الأوان، فماذا يحصل عندما يكبر الطفل، وقد تربى على القيم المادية على نحو مفرط؟
أذكر في إحدى المناسبات الثقافية، اصطف مجموعة من الطلاب للتكريم، حيث حصل كل واحد على مجموعة قيمة من الكتب، هدية ذات قيمة معنوية كبرى، المفاجأة رأيت بعضهم بعد نهاية الحفل يترك هذه الكتب جانبا ويمضي. فخيبة الأمل حلت بهم، فهم في مجتمع يقيم الأمور بالمال ليس إلا. هل نلوم هؤلاء الطلاب على صنيعهم؟ من الأولى أن نلوم مجتمعا رسخ قيما مادية بوسائل نفعية تخلو من قيم بناء الإنسان.
عندما كنا طلابا صغارا كانت مكافأة التفوق أن ينادى بالاسم في طابور الصباح، حيث يعلن الاسم بالتفوق وتضج جنبات المدرسة بالتصفيق. هذا التقدير يبقى حيث تفنى كل مكافأة مادية رخيصة مهما كبرت. في احتفالات مدارسنا هذه الأيام، المكافآت ماديات مطلقة، جهاز حاسب محمول، أو جوال، أو كاميرا، أو ساعة، كل شيء من هذا القبيل يحضر لتنتهي قيمته ولذته فور تسلمه، فلا الطالب حظي برمزية القيمة المعنوية، ولا بقيت له هدايا القيمة المادية.
قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، فبهما تكتمل أمنيات الإنسان، فالمال للاستهلاك والأبناء للاستقواء. وفقد أحدهما يؤزم حياة الإنسان. أما اجتماعهما فلا يعني الوصول للسعادة المطلقة، لكن اجتماعهما تغيير لمنظور الحياة وهذا مهم. فصاحب المال يسعى للاستكثار، وكذلك صاحب الأولاد يطلب الولد لغايات اجتماعية مختلفة.
ورود (المال) مقدما على (البنون) في الآية له دلالة تفضيل زينة المال على زينة الأبناء، فهما مختلفان في الرتبة، متفقان في كونهما زينة يتحلى بها الإنسان. لكنها زينة تنزل منزلة الضرورة، فليست زينة ظرفية، بل زينة باقية ببقاء وجودها. من هنا جاء تأثيرها في حياة الإنسان. ولعل تقديم المال يدل على تأثيره البالغ في توجيه حياة الإنسان، كما أن الإنسان قد يمتلك الأبناء دون المال، وهو الغالب في حياة الناس. من هنا جاء تقديم المال بوصفه الزينة الأولى التي تتم بها الزينة الثانية. فوجود الأبناء دون المال زينة منقوصة، بينما وجود المال دون الأبناء زينة تعويضية، تعوض الإنسان عن فقد زينة الأبناء، فهي أفضل من شقاء الأبناء في حال كان المال غائبا.
صاحب المال والأبناء يجد نفسه في سياق تجربة غير مسبوقة، فالمال لديه من أجل إسعادهم، والأبناء مصدر سعادة كبيرة، فلم لا ينفق على أولاده بسخاء؟ تفكير صاحب المال، والحديث عن صاحب المال الذين ينظر للمال على أنه مصدر سعادة، فهو يبذل المال لشراء ما يجده محققا له توازنه ورضاه.
يسرف بعض الآباء في استهلاك ماله، أو في استهلاك حبه لأولاده. في حالة المال قد يفنى، وفي حالة الأولاد قد يفشلون في حياتهم. المال الجيد ليس سوى المال الذي يجمع ويصرف من أجل دعم الآخرين بطريقة لا تورثهم الحسرات والندامات.
من وسائل التربية التي ينتهجها البعض يأتي التعويض بالمال أو الإغراء بالمال. وهذه النهج في التربية عادة يبدأ منذ طفولة الأبناء، حيث يصبح المال مفتاحا للحوافز والمكافأة، والأخطر أن يكون أحيانا شرطا لتحقيق الواجبات. في التربية الأصيلة الواجب مقدم على المال، مقدم على الثواب، إنما تعمل الحوافز بعد تحقيق النجاح دون أن يكون النجاح مشروطا بمكافأة مالية.
اعتاد بعض الآباء على ترويض أبنائهم بالمال، وجعل تلبية مطالب الأبوين بمقابل مالي. يدرس الابن بشرط الحصول على مقابل، وينجح بوعد المقابل المالي أو المادي. ولتعمل الحوافز لا يجب أن تكون شرطا، بل يجب أن تكون مكافأة غير مشروطة.
أخطر ما في الأمر تعويد الأطفال دون الخامسة على الإنجاز بمقابل مادي، مثلا إن قرأ الفاتحة أو عد إلى العشرة نعطيه مبلغا من المال قل أو كثر، وعليه فتأثيره سلبي، إذ يوحي للطفل بهذه النزعة المادية، إذ يؤكد له أن أي شيء يبذله لا بد أن يقدر بالمال.
فلأجل إقناع الأطفال بعمل ما ينبغي عمله، أو الإقلاع عن شيء يتوجب تركه، يلجأ بعض الآباء والأمهات للترغيب بالمال قل أو كثر لأداء الواجبات، أو التعويض عن ترك أمر يجب تركه. هنا يحل المال بديلا عن وسائل أخرى مهمة، منها التربية بالحوار، ومحاولة تقدير موقف الطفل قبل إصدار أمر بالاستجابة أو الترك. هنا تظهر عيوب التربية بالمال، حيث تعزيز القيم المادية في نفس الطفل قبل الأوان، فماذا يحصل عندما يكبر الطفل، وقد تربى على القيم المادية على نحو مفرط؟
أذكر في إحدى المناسبات الثقافية، اصطف مجموعة من الطلاب للتكريم، حيث حصل كل واحد على مجموعة قيمة من الكتب، هدية ذات قيمة معنوية كبرى، المفاجأة رأيت بعضهم بعد نهاية الحفل يترك هذه الكتب جانبا ويمضي. فخيبة الأمل حلت بهم، فهم في مجتمع يقيم الأمور بالمال ليس إلا. هل نلوم هؤلاء الطلاب على صنيعهم؟ من الأولى أن نلوم مجتمعا رسخ قيما مادية بوسائل نفعية تخلو من قيم بناء الإنسان.
عندما كنا طلابا صغارا كانت مكافأة التفوق أن ينادى بالاسم في طابور الصباح، حيث يعلن الاسم بالتفوق وتضج جنبات المدرسة بالتصفيق. هذا التقدير يبقى حيث تفنى كل مكافأة مادية رخيصة مهما كبرت. في احتفالات مدارسنا هذه الأيام، المكافآت ماديات مطلقة، جهاز حاسب محمول، أو جوال، أو كاميرا، أو ساعة، كل شيء من هذا القبيل يحضر لتنتهي قيمته ولذته فور تسلمه، فلا الطالب حظي برمزية القيمة المعنوية، ولا بقيت له هدايا القيمة المادية.