بادكوك: اعتزام «ساما» تطبيق الفوائد التناقصية على القروض استجابة لمطالب المواطنين

غسان بادكوك

كتبت مؤخرا مقالا بعنوان «مديرون .. ومديرون !» طالبت فيه بضرورة اعتماد الحكومة نهجا مختلفا لتقييم الأداء الوزاري وفقا لمعايير تتركز حول أهداف كل إدارة، وقياس مستوى النتائج التي تحققها سنويا، ولا سيما الإدارات الخدمية التي تلامس احتياجات المواطنين، كما أشدت فيه بأداء بعض الوزارات والأجهزة الحكومية التي نجحت في إحداث نقلة نوعية على مستوى الأداء الحكومي وتسهيل حياة المواطنين، وقد أوردت في المقال 4 أمثلة لتلك الجهات؛ كان من بينها مؤسسة النقد. ويبدو أن «المؤسسة» لم تتأخر كثيرا في تأكيد استحقاقها لرضا شريحة من المواطنين؛ وذلك بتأكيد انفتاحها على الإعلام بشكل يفوق ما كان مطبقا على مدى العقود السابقة، وانحيازها لصالح المواطن العادي الذي طالما تطلع إلى علاقة متكافئة مع الجهاز المصرفي ؛ تراعى فيها مصالح الطرفين ولا سيما حينما يتعلق الأمر بحصول المواطنين على القروض البنكية وفق آلية لاحتساب العمولات؛ تخفف عنهم أعباء السداد.
وقد طالعتنا وسائل الإعلام أمس بتصريح هام لمحافظ مؤسسة النقد تضمن محاور عديدة هامة لا يتسع المجال لاستعراضها بشكل شامل؛ إلا أن من أبرزها البشرى التي زفها المحافظ للمواطنين بتحقيق أحد مطالبهم الرئيسية من «ساما» والتي سيتم التطرق إليها لاحقا في هذا المقال، تصريح الدكتور فهد المبارك ألقى الضوء أيضا على العديد من الموضوعات الرئيسية ذات الصلة بالوضع المالي الاقتصادي والمصرفي في المملكة، وفي تقديري فإن حديث المحافظ ربما يعتبر أحد أهم تصريحات محافظي مؤسسة النقد منذ تأسيسها وذلك للأسباب التالية:
أولا: انطوائه على قدر كبير من الشفافية، وشموليته لمعظم الموضوعات ذات الصلة بالسياسة النقدية السعودية، وبصناعة الخدمات المالية في المملكة.
ثانيا: إعلان المحافظ للمرة الأولى عن توجه جديد لمؤسسة النقد بخصوص طريقة احتساب عمولات القروض المصرفية ويدور حول اعتزام «ساما» تطبيق الفوائد التناقصية على القروض خلال فترة تتراوح بين 3 أشهر إلى 6 أشهر بعد تطبيق الضوابط الجديدة التي تركز على الشفافية الكاملة فيما يختص بالرسوم الإدارية، وسعر الفائدة، ومعدل التكاليف. ومن المؤكد فإن التوجه السابق طالما كان المطلب الأبرز لعملاء القطاع المصرفي من مؤسسة النقد خلال العقدين الأخيرين تقريبا بعدما زاد اعتماد المواطنين على التمويل المصرفي بكافة أغراضة، وتزداد أهمية ما أعلنه المحافظ، على ضوء صدور أنظمة الرهن والتمويل العقاري التي ستتيح للبنوك التوسع في تقديم التمويل اللازم لتملك المساكن والذي يتميز بالأجل الطويل لاسيما بعد تأخر مشاريع وزارة الإسكان في حلحلة الأزمة، هذا فضلا عن إستمرار نمو أحجام محافظ الإقراض الشخصي، وتمويل شراء السيارات، ومطلوبات بطاقات الائتمان.
تصريح الدكتور المبارك تضمن كذلك توجه مؤسسة النقد إلى إضفاء المزيد من التنظيم على العلاقة بين البنوك وعملائها وعلى نحو يضمن حقوق الطرفين عبر إقرار معايير وضوابط ستتضمن عدم فرض فوائد تراكمية على القروض الأمر الذي من شأنه احتساب العمولات على الرصيد المتناقص للقروض وليس على كامل القرض كما هو الوضع عليه الآن، مع إلزام المصارف بتوضيح كيفية التعامل في حالة تعثر العملاء عن السداد، وطبيعة النتائج التي ستترتب عليهم فيما لو تخلفوا عن الوفاء بالتزاماتهم تجاه البنوك.
ومن جانب آخر، تطرق المحافظ إلى موضوع حيوي؛ كثيرا ماتناولته أقلام الكتاب المتخصصين مطالبين بتوضيحه وهو أسلوب استثمار فوائض السيولة الوطنية التي وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ وذلك للشهر السابع على التوالي بعد أن بلغت في شهر يناير الماضي نحو 2.72 ترليون ريال، منها 1.97 تريليون يتم استثمارها في أوراق مالية.
المحافظ أوضح أن طريقة استثماراتنا تحقق أهداف « المؤسسة» المتمثلة في أقل قدر من المخاطر، وأعلى قدر من السيولة، إضافة للعائد المجزي، كما لفت الدكتور المبارك إلى أن احتياطيات البلاد النقدية يتم استثمارها بمهنية، وفي عملات ودول واستثمارات مختلفة، وأن إدارتها تتم بواسطة مديري استثمار دوليين تحت إشراف مؤسسة النقد.
حديث محافظ مؤسسة النقد حول احتياطيات البلاد وكيفية إدارتها وتنوعها، ربما أجاب على جانب من استفسارات الرأي العام في هذا الشأن إلا أنني آمل أن يكون حديثه القادم أكثر تفصيلا تجاه المجالات والعملات والبلدان التي يتم استثمار الفوائض فيها، وكذلك الإشارة إلى نسبة العوائد المتحققة عنها على ضوء معدل الفائدة الحالي ونسبة التضخم، ومدى مساهمتها في رفد الخزانة العامة للدولة بدخل إضافي يسهم في تنويع مصادر الدخل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المجتمع بحاجة أيضا لاستطلاع رأي محافظ مؤسسة النقد حول إمكانية إعادة النظر في سعر صرف الدولار مقابل الريال والذي ظل ثابتا منذ العام 1986م على الرغم من المتغيرات الكبيرة التي شهدها اقتصادنا الوطني واقتصادات معظم شركائنا التجاريين، وأدت إلى ارتفاع معدل التضخم طوال العقود الثلاثة الماضية على نحو أسهم في زيادة قيمة السلع والخدمات، ولاسيما أن فك ارتباط الريال بالدولار قد لايكون أمرا واردا على الأقل خلال الفترة الحالية.
gbadkook@yahoo.com