g30
الجمعة / 20 / جمادى الأولى / 1435 هـ الجمعة 21 مارس 2014 21:39
الشعر في مواجهة الموج والسلالات والمرأة
البحّار الجوّال
ترجمة وإعداد: سعيد بوكرامي
اسمه الحقيقي أديسيوس أليبودليس ثم شاء أن يلقب نفسه أوديسيوس أليتيس. اسم البحار الجوال. الحكيم والمنبوذ في ذات الوقت. ولد الشاعر بهيراكليون في جزيرة كريث في الثاني من شهر نونبر سنة 1911 حيث ولد أيضا زميله الروائي نيكوس كزانتزاكي. كان آخر إخوته الستة. قضى مجمل طفولته وشبابه جوار البحر وفي البحر. إنه بحر إيجة، بحر الأساطير وجزيرة سافو. مكان متخم بالرموز والتاريخ. بعد ذلك انتقل رفقة أسرته إلى أثينا حيث تابع أليتيس دراسة القانون واشتغل في نفس الوقت بمصنع الزيت والصابون الذي يملكه والده. وكغيره من الشباب المحب للثقافة سيكتشف التيار السوريالي، في 1935 سينشر أول ديوان شعري بتشجيع من جورج سيفيريس. ومع اندلاع الحرب العالمية واحتلال النازية لليونان سيلتحق بالمقاومة. سيصبح ملازما أول في الحرب ضد ألبانيا مابين 140 و1941. كانت التجربة المؤلمة لهذه الحرب في ألبانيا تأثيرا أبديا على الشاعر بدمويتها ووحشيتها مما سينعكس أيضا على منظوره للوجود الإنساني. وبعد مشاركة مظفرة في تحرير وطنه سيعود أديسيوس إلى عالم الكتابة والأدب بحيث نشر عددا من الدواوين، لكن بعد اندلاع الحرب الأهلية في وطنه سيترك اليونان ليقيم في فرنسا مع بداية سنة 1948 يعقد صداقات عميقة مع بيكاسو وماتيس وجياكوميتي وريفيردي وشار وغيرهم. سيعود إلى اليونان سنة 1953 سيتحمل بعض مناصب المسؤولية الثقافية، لكنه سيقطع صمته الأدبي بنشر ديوان جديد سنة 1959 هذا الديوان حمله الشاعر في أعماقه مدة 14 عاما وسيشكل حدثا أدبيا. منذ هذا الديوان برزت خصائص شعرية أديسيوس محددة ملامحها في خليط من الأناشيد الوثنية إلى تناص بأشعار والت ويتمان إلى استغوار للشعائر البيزنطية الطقوس وصولا إلى هو الفعل التأسيسي للشعر اليوناني الحديث. وقد أسفر بحثه الشعري إلى خلق إنجيل شعري جديد. وأمام حادث غير متوقع يتمثل في الانقلاب العسكري لسنة 1967 سيختار أديسيوس المنفى بفرنسا حيث عاش وحيدا سنة 1972. سيعود أخيرا إلى أثينا حيث سيتعرض إلى نوبة قلبية بعد سنوات من المرض، ستودي بحياته في 18 مارس سنة 1996. نال جائزة نوبل عن مجمل شعره سنة 1976.
يقول عن تجربته الشعرية: «أعرف جيدا أن هذا بلا قيمة، وأن اللغة التي أحاول كتابتها بلا أبجدية. ولا يمكن تفسيرها إلا في سنوات الحزن والمنفى. الوطن رسم حائطي مصنوع من طبقات إفرنجية وسلافية متتالية، أي محاولة لترميمه ستقودك فورا إلى السجن».
إيروس
I
إيروس
الأرخبيل
والجؤجؤ المزبد
النوارس الحالمة
ترتفع إلى أعلى السارية
البحار يصدح بأغنية
إيروس
أغنيته
وآفاق الرحلات
وصدى حنينه
يمتد إلى الصخرة الأكثر بللا
حيث الخطيبة
تنتظر سفينة شغفا.
إيروس
وسفينته
بين لامبالاة الرياح الصيفية الناعمة
وأمله في الشراع الكبير
تلوح جزيرة العودة على سطح الأمواج الخفيفة.
II
المياه السعيدة
الرحلات البحرية الظليلة
تهتف بقبلاتها للفجر
الداني
من الأفق
والحمامة البرية
ترج صوتها في جوفها:
أصح، أيها الأزرق الغارق في بئر
النهار شمسا.
رياح الشمال تمنح
للبحر أجنحة
تداعب الضفائر
بأحلامها اللامبالية
بالندى.
موج في النور
يجدد الأمل في العيون
هنا حيث الحياة تقلع صوب عرض البحر
حياة
ترى من بعيد.
III
البحر يواصل قبلاته فوق الرمال – إيروس
يمنح النورس للأفق
حريته الزرقاء
تأتي الأمواج المزبدة
سائلة بلا هوادة آذان الصدفات
من اختطف الفتاة الشقراء المسفوعة؟
نسيم البحر بأنفاسه الشفافة
يميل حلم الإبحار
بعيدا
إيروس يهمس بوعده – فينساب البحر.
جميلة، لكنها بلاد غريبة
جميلة، لكنها بلاد غريبة
تلك التي وهبت
تلقي الشباك لصيد الأسماك
لكنها تمسك الطيور
تبني القوارب على الأرض
والحدائق فوق الماء
بلاد جميلة، لكنها غريبة
تلك التي وهبت
تقبل الأرض وتبكي
ثم تختار المنفى
وفي الخمس طرقات تنهار
ثم تستعيد قوتها الكاملة
تهدد بتناول حجر
لكنها تتخلى عن الفكرة
تتظاهر بنحتها
فتولد المعجزات.
بلاد جميلة ولكنها غريبة
تلك التي وهبت
بقارب صغير
وصلت إلى المحيطات
تبحث عن الثورة
لكنها تمنح نفسها الطغاة
تلد خمسة رجال عظماء
ثم تكسر عمودهم الفقري
وعندما يرحلون
تغني مادحة إياهم
جميلة ولكنها غريبة هذه البلاد.
الشمس أصلنا
لم أعد أعرف الليل وتفاهة الموت الرهيبة
في مرافئ روحي أسطول كامل من مراسي القوارب المرصعة
يا شفق الحارس، كن حظي المشرق
نسيم أزرق لجزيرة تبشر بوجودي وتعلن الفجر من أعلى صخورها
عيناي تعانقان النجم الذي يحوم بك، النجم قلب فؤادي:
لم أعد أعرف الليل، ولا أعرف مطلقا اسم العالم الذي ينكرني
يمكنني أن أفسر البحر و الصدفات والأوراق والنجوم
يمكنني دون عداء، القيام بذلك على خطى السماء، بينما الحلم مستمر أمامي مرة أخرى،
وعلى خطى العبرات ومن خلال بحار الخلود. يأتي غروب الشمس.
وتحت منحنى نورك الذهبي، في هذه الليلة «الفريدة» التي لم أعد أعرفها...
ومن هذه الصخور، من هذه الدماء، من هذا الحديد، ومن هذه النار خلقنا
ومع ذلك يبدو أننا لسنا سوى غمام، يرموننا بالحجر صارخين: أيها الحالمون !
الرب وحده يعلم...
كيف يمكننا الهرب خلال نهاراتنا وليالينا.
البحّار الجوّال
ترجمة وإعداد: سعيد بوكرامي
اسمه الحقيقي أديسيوس أليبودليس ثم شاء أن يلقب نفسه أوديسيوس أليتيس. اسم البحار الجوال. الحكيم والمنبوذ في ذات الوقت. ولد الشاعر بهيراكليون في جزيرة كريث في الثاني من شهر نونبر سنة 1911 حيث ولد أيضا زميله الروائي نيكوس كزانتزاكي. كان آخر إخوته الستة. قضى مجمل طفولته وشبابه جوار البحر وفي البحر. إنه بحر إيجة، بحر الأساطير وجزيرة سافو. مكان متخم بالرموز والتاريخ. بعد ذلك انتقل رفقة أسرته إلى أثينا حيث تابع أليتيس دراسة القانون واشتغل في نفس الوقت بمصنع الزيت والصابون الذي يملكه والده. وكغيره من الشباب المحب للثقافة سيكتشف التيار السوريالي، في 1935 سينشر أول ديوان شعري بتشجيع من جورج سيفيريس. ومع اندلاع الحرب العالمية واحتلال النازية لليونان سيلتحق بالمقاومة. سيصبح ملازما أول في الحرب ضد ألبانيا مابين 140 و1941. كانت التجربة المؤلمة لهذه الحرب في ألبانيا تأثيرا أبديا على الشاعر بدمويتها ووحشيتها مما سينعكس أيضا على منظوره للوجود الإنساني. وبعد مشاركة مظفرة في تحرير وطنه سيعود أديسيوس إلى عالم الكتابة والأدب بحيث نشر عددا من الدواوين، لكن بعد اندلاع الحرب الأهلية في وطنه سيترك اليونان ليقيم في فرنسا مع بداية سنة 1948 يعقد صداقات عميقة مع بيكاسو وماتيس وجياكوميتي وريفيردي وشار وغيرهم. سيعود إلى اليونان سنة 1953 سيتحمل بعض مناصب المسؤولية الثقافية، لكنه سيقطع صمته الأدبي بنشر ديوان جديد سنة 1959 هذا الديوان حمله الشاعر في أعماقه مدة 14 عاما وسيشكل حدثا أدبيا. منذ هذا الديوان برزت خصائص شعرية أديسيوس محددة ملامحها في خليط من الأناشيد الوثنية إلى تناص بأشعار والت ويتمان إلى استغوار للشعائر البيزنطية الطقوس وصولا إلى هو الفعل التأسيسي للشعر اليوناني الحديث. وقد أسفر بحثه الشعري إلى خلق إنجيل شعري جديد. وأمام حادث غير متوقع يتمثل في الانقلاب العسكري لسنة 1967 سيختار أديسيوس المنفى بفرنسا حيث عاش وحيدا سنة 1972. سيعود أخيرا إلى أثينا حيث سيتعرض إلى نوبة قلبية بعد سنوات من المرض، ستودي بحياته في 18 مارس سنة 1996. نال جائزة نوبل عن مجمل شعره سنة 1976.
يقول عن تجربته الشعرية: «أعرف جيدا أن هذا بلا قيمة، وأن اللغة التي أحاول كتابتها بلا أبجدية. ولا يمكن تفسيرها إلا في سنوات الحزن والمنفى. الوطن رسم حائطي مصنوع من طبقات إفرنجية وسلافية متتالية، أي محاولة لترميمه ستقودك فورا إلى السجن».
إيروس
I
إيروس
الأرخبيل
والجؤجؤ المزبد
النوارس الحالمة
ترتفع إلى أعلى السارية
البحار يصدح بأغنية
إيروس
أغنيته
وآفاق الرحلات
وصدى حنينه
يمتد إلى الصخرة الأكثر بللا
حيث الخطيبة
تنتظر سفينة شغفا.
إيروس
وسفينته
بين لامبالاة الرياح الصيفية الناعمة
وأمله في الشراع الكبير
تلوح جزيرة العودة على سطح الأمواج الخفيفة.
II
المياه السعيدة
الرحلات البحرية الظليلة
تهتف بقبلاتها للفجر
الداني
من الأفق
والحمامة البرية
ترج صوتها في جوفها:
أصح، أيها الأزرق الغارق في بئر
النهار شمسا.
رياح الشمال تمنح
للبحر أجنحة
تداعب الضفائر
بأحلامها اللامبالية
بالندى.
موج في النور
يجدد الأمل في العيون
هنا حيث الحياة تقلع صوب عرض البحر
حياة
ترى من بعيد.
III
البحر يواصل قبلاته فوق الرمال – إيروس
يمنح النورس للأفق
حريته الزرقاء
تأتي الأمواج المزبدة
سائلة بلا هوادة آذان الصدفات
من اختطف الفتاة الشقراء المسفوعة؟
نسيم البحر بأنفاسه الشفافة
يميل حلم الإبحار
بعيدا
إيروس يهمس بوعده – فينساب البحر.
جميلة، لكنها بلاد غريبة
جميلة، لكنها بلاد غريبة
تلك التي وهبت
تلقي الشباك لصيد الأسماك
لكنها تمسك الطيور
تبني القوارب على الأرض
والحدائق فوق الماء
بلاد جميلة، لكنها غريبة
تلك التي وهبت
تقبل الأرض وتبكي
ثم تختار المنفى
وفي الخمس طرقات تنهار
ثم تستعيد قوتها الكاملة
تهدد بتناول حجر
لكنها تتخلى عن الفكرة
تتظاهر بنحتها
فتولد المعجزات.
بلاد جميلة ولكنها غريبة
تلك التي وهبت
بقارب صغير
وصلت إلى المحيطات
تبحث عن الثورة
لكنها تمنح نفسها الطغاة
تلد خمسة رجال عظماء
ثم تكسر عمودهم الفقري
وعندما يرحلون
تغني مادحة إياهم
جميلة ولكنها غريبة هذه البلاد.
الشمس أصلنا
لم أعد أعرف الليل وتفاهة الموت الرهيبة
في مرافئ روحي أسطول كامل من مراسي القوارب المرصعة
يا شفق الحارس، كن حظي المشرق
نسيم أزرق لجزيرة تبشر بوجودي وتعلن الفجر من أعلى صخورها
عيناي تعانقان النجم الذي يحوم بك، النجم قلب فؤادي:
لم أعد أعرف الليل، ولا أعرف مطلقا اسم العالم الذي ينكرني
يمكنني أن أفسر البحر و الصدفات والأوراق والنجوم
يمكنني دون عداء، القيام بذلك على خطى السماء، بينما الحلم مستمر أمامي مرة أخرى،
وعلى خطى العبرات ومن خلال بحار الخلود. يأتي غروب الشمس.
وتحت منحنى نورك الذهبي، في هذه الليلة «الفريدة» التي لم أعد أعرفها...
ومن هذه الصخور، من هذه الدماء، من هذا الحديد، ومن هذه النار خلقنا
ومع ذلك يبدو أننا لسنا سوى غمام، يرموننا بالحجر صارخين: أيها الحالمون !
الرب وحده يعلم...
كيف يمكننا الهرب خلال نهاراتنا وليالينا.