من أطلق «أبو ملعقة» بيننا؟!

نوف محمد

لا تكاد تخلو صفحات الحوادث في الصحف المحلية من جريمة بمعدل نشر يكاد يكون يوميا، ولا أخبار الفضائيات التي تتناقل الجرائم التي ترتكب وتثير الرأي العام أو تحظى بنسبة متابعين كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المصورة على اليوتيوب، من جريمة يقشعر لها البدن.
ولست أبالغ إن قلت إن العامل المشترك بين تلك الجرائم جميعها، أن مرتكبها يعاني من اعتلال نفسي أو واقع تحت تأثير الإدمان، حتى أن بعض الجرائم التي يعلن عنها بعد ارتكابها بلحظات، يشار إلى أن مرتكبها هو إما مريض نفسيا أو كان في حالة غير طبيعية تحت تأثير الإدمان أو تعاطي نوع من أنواع المخدرات، ونتساءل: متى تسنى لهم فحص المجرم وتشخيص حالته؟!
مما لا شك فيه أن كثيرا من الاعتلالات والأمراض النفسية وحالات الإدمان وتعاطي المخدرات محفز قوي على ارتكاب الجريمة، ولكن ليس بالضرورة أن كل الجرائم لا يرتكبها سوى المدمنين والمرضى النفسانيين.
ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، هو المقطع المفزع والمقزز الذي يتداول على اليوتيوب للجريمة البشعة التي ارتكبها الشاب السعودي الملقب بـ«أبو ملعقة» في حي السويدي جنوبي مدينة الرياض، والذي ظهر فيه «أبو ملعقة» وهو يسدد الطعنات بدم بارد لمقيم هندي يعمل في بقالة بالحي، وهو ممدد على الأسفلت بين المارة دون أن يردعه أحد أو يوقفه أي ممن كانوا يشاهدون الجريمة البشعة، أو حتى أولئك الذين كانوا يصورون حياة تزهق دون أن يهتز لهم جفن لإنقاذها والحيلولة دون إزهاقها.
هذا المقطع المصور الذي أثار استياء مواطنين ومواطنات بطول وعرض وطننا الكبير بإنسانه وإنسانيته، يثير الكثير من الأسئلة التي لم يستثرها المقطع المصور لوحده، بل تصريحات الجهات المختصة المعنية بالقضية كالشرطة ومستشفى الأمل:
من الذي سمح لمعتل نفسيا ومدمن على تعاطي الحشيش -كما أفاد مستشفى الأمل بالرياض- بأن يبقى طليقا حرا في الشوارع يهدد حياة الأبرياء؟!
ألم يكن مستشفى الأمل يعلم أن «أبو ملعقة» مرشح لارتكاب جريمة في أي وقت؟! خاصة أن المستشفى اعترف بأن لـ«أبو ملعقة» ملفا لديهم وبأنه يراجعهم ويعرفون عن حالته، ولكنه يرفض العلاج!!
سؤال بسيط وبديهي للمسؤولين في المستشفى: منذ متى يستأذن المريض نفسيا أو مدمن المخدرات ليتلقى العلاج من عدمه؟! وهل هذه هي طريقتكم في العلاج، تسألون من هم مسلوبو الإرادة في تقرير مصيرهم، وإن لم يستجيبوا تطلقونهم في الشوارع ليهددوا حياة المارة الآمنين على أرواحهم؟!
لا يوجد أي منطق سليم في كل هذا، حتى لو علل المسؤولون في المستشفى ما حدث ويحدث بأن ليس هناك سعة سريرية تستوعب آلاف المرضى والمدمنين، فميزانية وزارة الصحة ضخمة وبلادنا بخير كثير ولله الحمد، وبالإمكان بناء مستشفيات وتوسعة أخرى، لكن بالتأكيد ليس الحل في أن يترك «أبو ملعقة» وغيره من المرضى النفسانيين دون علاج سريري (تنويم) إلى أن يتم التعافي الكامل من المرض أو من الإدمان، وهذه الحلول العرجاء التي تبرر العجز والتقصير، خطر حقيقي أشد من خطر «أبو ملعقة»، ولا بد من آلية مختلفة تماما عما هو قائم الآن، رحم الله من مات، وشفى الله كل من يحتاج إلى علاج، والله الموفق.