بقر

طارق على فدعق

ترددت في كتابة هذا المقال لأن العنوان قد يفسر بالهزل، ولكن الموضوع غاية في الجدية. وقبل الدخول في جديته، لا بد وأن نذكر أن البقرة تبدو وكأنها في قمة «الروقان» في عالم الكائنات.. يعني في «الطراوة» في أقوى أدوارها. شكلها وحركتها يعكسان لا مبالاة عجيبة، وكأنها تعلن أن أولوياتها مختلفة تماما عن المخلوقات الأخرى. وللبقر العديد من الغرائب ومنها أن لديها أربعة بطون كل تستلم محتوياتها من الأخرى. ويعتبر البقر من المخاطر البيئية الأساسية على العالم لأن كل بقرة تنتج يوميا كميات غازات خطيرة على البيئة بمعدل يزيد على المائة ليتر من غاز الميثان. تخيل أن هذا يفوق محتوى ثلاثمائة علبة بيبسي. والخطورة هنا هي التأثير على بيئة كوكبنا لأن تلك الغازات تؤثر على الغازات الدفيئة وعلى الاحتباس الحراري. وللعلم فعدد البقر يفوق الألف مليون بقرة في العالم.. ولكي تتخيل الأثر البيئي، اضربها في محتوى مائة علبة بيبسي.. يعني ما يزيد على مائة بليون علبة يوميا ! ولكن البقر يعكس مخاوف بيئية أخرى ومنها أن إنتاج كيلو جرام واحد من لحمه للغذاء يحتاج إلى حوالي ستة عشر ألف لتر من الماء.. ما يعادل حوالي تسعة وأربعين ألف علبة «فيمتو». وهذه كمية ضخمة من الماء لو قارنتها مثلا بمتوسط كمية الماء التي نحتاجها لإنتاج كيلو جرام واحد من اللحوم الأخرى، ومنها الدجاج الذي يحتاج إلى حوالي ثلاثة آلاف ليتر من الماء.
وقبل عدة سنوات كتبت عن خطورة أخرى ظهرت عن البقر في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومفادها أن تاريخ اليهودية يظهر أن من علامات الساعة هي ظهور بقرة حمراء بالكامل في فلسطين ويطلق عليها اسم «بارا أدومه» بالعبرية. وقد جاء ذلك في كتابات «موسى ابن الميمون» الشهير باسم «ميا مونديز»، وهو أهم فلاسفة اليهود على الإطلاق. الشاهد أن البقرة ظهرت فعلا حسب زعمهم في فلسطين وتسببت في حالة ذعر لدى العديد من الطوائف اليهودية عام 2002. ولكن فجأة اكتشفوا بعض الشعر الأبيض على جسم البقرة الحمراء وبالتالي فلم تستوف متطلبات المواصفات الدقيقة.
ونأتي إلى أهم ما في هذا المقال وهو جهلنا بحقائق تاريخية مهمة ومنها «مأساة بحر البقر». وقصتنا تعود إلى الثامن من أبريل عام 1970 خلال فترة حرب الاستنزاف بين مصر الشقيقة والكيان الصهيوني. وخلال هذه الحرب التي ينساها التاريخ للأسف، كانت هناك تجاوزات للحدود الإنسانية ومنها ضرب مدرسة «بحر البقر» الابتدائية في محافظة الشرقية شرق القاهرة بحجة أنها كانت «تهدد أمن إسرائيل». تخيلوا «الهرج الفاضي» ؟ يعني قسوة، وجبروت، وإهانة لذكاء البشر. الشاهد أن في 8 أبريل 1970 قام سرب طائرات إسرائيلية من طراز «فانتوم إف 4» بإلقاء قنابل على المدرسة فتسبب في قتل حوالي واحد و ثلاثين طفلا وجرح العشرات. ولو تأملت في تصميم الطائرة الحربية التي صممتها شركة «ماكدونال دوجلاس» فلن تجد في تصور مهامها القتالية ما يؤهلها لضرب المدارس، وقتل الأطفال، وممارسة النذالة الدولية في أبشع أدوارها. ومن ردود الفعل المؤثرة أن مجموعة من أطفال المدرسة كتبوا كتابا مؤثرا لزوجة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون للاعتراض على الهجوم، والاعتراض على تزويد إسرائيل بالمزيد من الأسلحة المدمرة التي تستخدم ضد المدنيين. وطبعا مارس الرئيس آنذاك اللامبالاة المتعمدة.
أمنيـــــــة
قصص البقر كثيرة وعجيبة، وللأسف أن بعضها يعكس جهلنا بأمور يجب أن نحفرها في ذاكرة أوطاننا سواء تلك التي تعكس التأثيرات البيئية، أو المعتقدات الدينية، أو القسوة الصهيونية ضد المسلمين والعرب. أتمنى أن لا ننسى كل هذا، وحسبنا الله ونعم الوكيل،
وهو من وراء القصد.