رياضة البنات وعصا الاحتساب

أميرة كشغري

قبل سنوات أربع، كتبت مقالا حول الرياضة النسائية استعرضت فيه صفحة من كتاب الجدل حول المرأة والرياضة. في ذلك العام (2010) أخذ ملف الرياضة النسائية منحى يضج بالتناقضات التي يعيشها المجتمع بشقيه الرسمي والشعبي. واليوم أستعرض صفحة جديدة من ذات الكتاب بعد دخول بعض المتغيرات على الموقف، خصوصا بعد توصية مجلس الشورى بإضافة الرياضة البدنية في مدارس البنات.
وإذا ما تجاوزنا جدل التحليل والتحريم حول حق المرأة في ممارسة الرياضة، حيث أنه ليس هناك أي تبرير أو دليل ديني قاطع الدلالة يحرم ممارسة المرأة للرياضة، نجد أننا أمام جدل جديد من نوع آخر يسوق اتهامات تدخل في نوايا مؤيدي التوصية في مجلس الشورى من قبيل «وراء الأكمة ما وراءها». إنه جدل يستبطن السيناريو السوداوي لما يمكن أن تؤدي إليه ممارسة المرأة للرياضة من «مخاطر» و«كوارث» سوف تقفز حتما (في نظر البعض) فوق «الضوابط الشرعية». ويبدو جليا أن المنحى الجديد في الجدل هذه المرة بدأ يحمل سمات تدل على هلامية الموقف وينم عن تناقضات داخلية في التعامل مع قضايا المرأة التي كان من المفترض حسمها منذ زمن.
يسوق المعارضون للرياضة في مدارس البنات اليوم تهمة «وراء الأكمة ما وراءها» من مربع الدخول في النوايا ويدحرجون كرة الانفلات عن الضوابط الشرعية التي يعتقدون بأنها هدف الرياضة النسائية، وهم يعلمون تمام العلم أن الضوابط الشرعية هي في الأساس ضوابط أخلاقية من رب العالمين لن تسقطها كرة تدحرجت هنا أو مضرب حلق هناك. الضوابط الشرعية هي ما نزرعه من أخلاقيات في نفوس أولادنا ذكورا وإناثا، ولن تزيدها ممارسة الرياضة إلا رسوخا يوازن ما بين حاجات الجسم والعقل والروح. وما المنافسات الرياضية إلا تأسيسا لمبدأ «المنافسة العادلة» وثقافة «الروح الرياضية» التي تكسب الأفراد سلوكيات الصبر والسيطرة على الغضب وتهذيب النفس وتحديد الفاصل بين التنافس والتناحر.
في كتاب الأستاذ تركي الناصر السديري المتميز (الإسلام والرياضة) استعراض تاريخي توثيقي جميل للمناشط البدنية في المجتمع العربي المسلم في زمن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وصحابته ــ رضوان الله عليهم ــ حيث كانت الرياضة جزءا من المكون الثقافي للمجتمع الإنساني. كم يشعرنا ذلك التوهج للمناشط الرياضية في المجتمع الإسلامي بتراجع مواقفنا في هذا العصر المتأخر حينما يلوح المحتسبون بعصا الرفض وسيف الإيقاف للمناشط الرياضية في مدارس وجامعات البنات، كما حصل الأسبوع الماضي في حملة المعترضين من أجل إيقاف ماراثون جامعة الطائف للبنات.
إن ممارسة الرياضة حق مشروع للشبان والفتيات وفق الحاجات البشرية الطبيعية والسوية والفطرية، ووفق المبادئ والأخلاق القويمة. فإذا كان لكل فرد منا ــ مؤيدا أو معارضا ــ حق إبداء رأيه بحرية كاملة، فإنه ليس من حق الأفراد فرض آرائهم تلك بقوة الترهيب على المجتمع، وإحداث بلبلة وتشويش في أذهان العموم فيما هو أمر دنيوي خالص، فالناس أعلم بشؤون دنياهم.
تحية لإدارة الأنشطة الرياضية التابعة لعمادة شؤون الطلاب في جامعة الطائف على هذا التوجه المميز، والأمل يحدونا في أن تحذو جامعاتنا ومدارسنا في تنظيم مثل هذه المناشط الرياضية للبنات لتعزيز ثقافة الرياضة والصحة للجميع.