رزقك بباب صنعاء
السبت / 26 / جمادى الآخرة / 1435 هـ السبت 26 أبريل 2014 19:39
حسن النعمي
الأمثال ذاكرة مرنة تستوعب الإنسان وأحلامه، وتلبي ولعه باختزال التجارب في مثل سائر خلفه قصة عميقة في منظورها، مؤثرة في معانيها. فهي تجربة إنسانية تمتد عبر الثقافات والمجتمعات ولا تستقر إلا لتبدأ في مسيرتها لتترك نثار المعاني تسقي شغف الإنسان بفهم الحياة من حوله.
الأمثال أقرب للنصوص العفوية التي تتولد عن تجارب، فلا مؤلف لها إلا تجربة الحياة. وفي كل كتب الأمثال المعروفة يحضر المثل تلخيصا لموقف إنساني في الغالب الغاية منه الاعتبار.
في إحدى قصصي في مجموعة زمن العشق الصاخب وظفت هذا المثل رزقك بباب صنعاء. وهو مثل شعبي في منطقة الجنوب، وهو يحكي قصة رجل فقير ينام فيأتيه في المنام من يناديه قائلا: رزقك بباب صنعاء. ويستمر النداء ثلاث ليال يعزم بعدها الرجل السفر إلى باب صنعاء. يقف الرجل بالباب شهرا، فلا الرزق أتى، ولا الوقوف انتهى. في النهاية يسأله رجل من أهل صنعاء عن حاله، فيقص عليه خبر الرؤيا، فيضحك الرجل الصنعاني ويقول قد جاءني مثل ما جاءك، وأخبرني أن رزقي كنز مدفون في قرية السودة في بلاد عسير، لكنني تجاهلت الأمر تماما، تكمل الحكاية أن الرجل يعود إلى بلاده وقد عرف أن كنزا ينتظره، ولكن كان عليه أن يذهب إلى صنعاء أولا ليعرف خبر الكنز على وجه اليقين.
عند البعض تعد الأمثال مجرد حكايات مسلية قبل النوم، لكنها توحي للمتأمل بأشياء كثيرة. منها ما هو إنساني، ومنها ما هو اجتماعي. واستحضارا لواقعنا اليوم يمكن أن نعيد صياغة المثل لنقول (أمنك بباب صنعاء). وفي كل الأحوال يشمل الأمن المعنيين، المعنى الأمني المباشر والأمن الغذائي. ألم يتحدث القرآن الكريم عن حال قريش (الذين أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
اليمن بلد يحتاجنا، ونحن نحتاجه، يحتاج منا الدعم المادي المنظم والكثيف حتى ينهض ويستقر، ونحتاج (فيه ومنه) الأمن الذي هو تبع لازدهار اليمن اقتصاديا. واستثمارنا في استقرار اليمن ينبغي أن يختلف عن غيره من الاستثمار في أي مكان آخر. فأغلى استثمار نجد فوائده مباشرة هو أمن اليمن واستقراره. فاليمن يعيش ظروفا حرجة، يفقد كل يوم هيبته وتماسكه، ومن الخطأ استراتيجيا أن نقف أو نتردد في دعمه اليوم اقتصاديا وأمنيا وعسكريا. فاستقرار اليمن استقرار لنا، ورخاؤه استكمال لتنميتنا.
الصلة باليمن أقوى من مجرد الجوار الحدودي، فهناك نسيج اجتماعي مركب من المصاهرات والمصالح الاجتماعية والاقتصادية الضخمة التي لا أحد يستطيع تجاهلها. لكنها دائما تحتاج لعناية الدولتين ووضع هذه الصلات موضع الضرورة التي لا انفصام لها. وإدراك هذا المعنى، وهو ليس ببعيد عن الإدراك، يترتب عليه التزامات ضخمة على الطرفين ضرورة تفهمها.
الأخطار المحدقة باليمن ليس المعني بها اليمن فقط، بل أرضنا وأهلنا عرضة لهذه الأخطار الإقليمية. فالحوثيون ومن ورائهم إيـران طامعون في فرض نفوذهم وتمرير أجندتهم. فالأجدى الوقوف في وجه هذه الأطماع بالعمل الاستباقي، وذلك بتفهم أولويات اليمن والعمل على تنفيذها بوصفها طوق نجاة للجميع.
لقد أسهمت المبادرة الخليجية في الحماية النسبية لليمن من الانهيار والدخول في الفوضى، لكنها حل مؤقت أو خطوة تمهيدية، وما لم تتبعها خطوات من العمل المشترك اقتصاديا وأمنيا، فلن يسلم الجميـع من خطر تداعيات الأزمة اليمنية. فالخيارات محدودة، ومساحة المناورة ضيقة، ووقت الحلول الناجعة قارب على النفاد.
أتخيل الأمن والاطمئنان الذي عاشه الواقف بباب صنعاء وهو ينتظر رزقه الموعود في الرؤيا. في ذاكرة التجارب الإنسانية يغدو مثل هذا المثل معبرا عن حالات الاحتياج المتبادل، فمنامه يدفعه إلى مكان ورزقه في مكان آخر. الأمر لا يخلو من نزعة البحث عن معنى للحياة، معنى قائم على الذهاب بعيدا في استشراف المستقبل، الذهاب بعيدا في توقع التبعات والاستعداد للتضحيات طالما أن طبيعة الحياة السوية هي الحركة باتجاه الأمام. ما يجري في اليمن هو قدرنا الوجودي الذي علينا أن نعيشه واقعا، وأن نستعد لاستيعاب تحولاته القادمة.
الأمثال أقرب للنصوص العفوية التي تتولد عن تجارب، فلا مؤلف لها إلا تجربة الحياة. وفي كل كتب الأمثال المعروفة يحضر المثل تلخيصا لموقف إنساني في الغالب الغاية منه الاعتبار.
في إحدى قصصي في مجموعة زمن العشق الصاخب وظفت هذا المثل رزقك بباب صنعاء. وهو مثل شعبي في منطقة الجنوب، وهو يحكي قصة رجل فقير ينام فيأتيه في المنام من يناديه قائلا: رزقك بباب صنعاء. ويستمر النداء ثلاث ليال يعزم بعدها الرجل السفر إلى باب صنعاء. يقف الرجل بالباب شهرا، فلا الرزق أتى، ولا الوقوف انتهى. في النهاية يسأله رجل من أهل صنعاء عن حاله، فيقص عليه خبر الرؤيا، فيضحك الرجل الصنعاني ويقول قد جاءني مثل ما جاءك، وأخبرني أن رزقي كنز مدفون في قرية السودة في بلاد عسير، لكنني تجاهلت الأمر تماما، تكمل الحكاية أن الرجل يعود إلى بلاده وقد عرف أن كنزا ينتظره، ولكن كان عليه أن يذهب إلى صنعاء أولا ليعرف خبر الكنز على وجه اليقين.
عند البعض تعد الأمثال مجرد حكايات مسلية قبل النوم، لكنها توحي للمتأمل بأشياء كثيرة. منها ما هو إنساني، ومنها ما هو اجتماعي. واستحضارا لواقعنا اليوم يمكن أن نعيد صياغة المثل لنقول (أمنك بباب صنعاء). وفي كل الأحوال يشمل الأمن المعنيين، المعنى الأمني المباشر والأمن الغذائي. ألم يتحدث القرآن الكريم عن حال قريش (الذين أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
اليمن بلد يحتاجنا، ونحن نحتاجه، يحتاج منا الدعم المادي المنظم والكثيف حتى ينهض ويستقر، ونحتاج (فيه ومنه) الأمن الذي هو تبع لازدهار اليمن اقتصاديا. واستثمارنا في استقرار اليمن ينبغي أن يختلف عن غيره من الاستثمار في أي مكان آخر. فأغلى استثمار نجد فوائده مباشرة هو أمن اليمن واستقراره. فاليمن يعيش ظروفا حرجة، يفقد كل يوم هيبته وتماسكه، ومن الخطأ استراتيجيا أن نقف أو نتردد في دعمه اليوم اقتصاديا وأمنيا وعسكريا. فاستقرار اليمن استقرار لنا، ورخاؤه استكمال لتنميتنا.
الصلة باليمن أقوى من مجرد الجوار الحدودي، فهناك نسيج اجتماعي مركب من المصاهرات والمصالح الاجتماعية والاقتصادية الضخمة التي لا أحد يستطيع تجاهلها. لكنها دائما تحتاج لعناية الدولتين ووضع هذه الصلات موضع الضرورة التي لا انفصام لها. وإدراك هذا المعنى، وهو ليس ببعيد عن الإدراك، يترتب عليه التزامات ضخمة على الطرفين ضرورة تفهمها.
الأخطار المحدقة باليمن ليس المعني بها اليمن فقط، بل أرضنا وأهلنا عرضة لهذه الأخطار الإقليمية. فالحوثيون ومن ورائهم إيـران طامعون في فرض نفوذهم وتمرير أجندتهم. فالأجدى الوقوف في وجه هذه الأطماع بالعمل الاستباقي، وذلك بتفهم أولويات اليمن والعمل على تنفيذها بوصفها طوق نجاة للجميع.
لقد أسهمت المبادرة الخليجية في الحماية النسبية لليمن من الانهيار والدخول في الفوضى، لكنها حل مؤقت أو خطوة تمهيدية، وما لم تتبعها خطوات من العمل المشترك اقتصاديا وأمنيا، فلن يسلم الجميـع من خطر تداعيات الأزمة اليمنية. فالخيارات محدودة، ومساحة المناورة ضيقة، ووقت الحلول الناجعة قارب على النفاد.
أتخيل الأمن والاطمئنان الذي عاشه الواقف بباب صنعاء وهو ينتظر رزقه الموعود في الرؤيا. في ذاكرة التجارب الإنسانية يغدو مثل هذا المثل معبرا عن حالات الاحتياج المتبادل، فمنامه يدفعه إلى مكان ورزقه في مكان آخر. الأمر لا يخلو من نزعة البحث عن معنى للحياة، معنى قائم على الذهاب بعيدا في استشراف المستقبل، الذهاب بعيدا في توقع التبعات والاستعداد للتضحيات طالما أن طبيعة الحياة السوية هي الحركة باتجاه الأمام. ما يجري في اليمن هو قدرنا الوجودي الذي علينا أن نعيشه واقعا، وأن نستعد لاستيعاب تحولاته القادمة.