الأقلام والشاشات الذكية !

شوقي بزيع

لا يملك المرء حقا سوى إطلاق صيحات الدهشة إزاء هذا الكم الهائل من القصائد والمقطوعات، التي تضخها بشكل يومي صفحات الجرائد اليومية والمجلات وشاشات الفيس بوك وسائر أدوات التواصل الاجتماعي. صحيح أن الشعر لم يكن في يوم من الأيام محصنا ضد السطو والقرصنة ومنتحلي الصفة، ولكنه اليوم يبدو، وبخاصة في غياب المواكبة النقدية الجادة، ساحة سائبة أمام كل الراغبين في الحصول على اللقب الأرفع والأعلى مقاماً في الذاكرة الجمعية لهذه الأمة. على أن المثير للاستغراب، في هذا السياق، هو افتقار الكثيرين إلى التواضع والخفر، بحيث بات هؤلاء يستبقون أسماءهم بشتى الألقاب التي تدل على عبقرياتهم المزعومة. فهذه «نبوءة المطر»، وتلك «أميرة الرومنسية»، وذاك «شاعر الضباب».. وغير ذلك من الترهات. ليس تكاثر الشعراء من حيث المبدأ بالأمر السيئ والمستفز. بل إنه لمن المفيد والمفرح أن يرتفع منسوب الجمال والتخييل على هذا الكوكب البائس الذي تثخنه الحروب والكوارث الطبيعية، لكن ما يدعو إلى الاستغراب هو افتقار المنتسبين إلى نادي الكتابة، الشعرية بوجه خاص، إلى أبسط المؤهلات التي تعطيهم الحق بذلك. أعني بها النحو والصرف والتركيب الصحيح للجملة ومعرفة قواعد اللغة. أما الموهبة المتقدة والخيال المتوثب والثقافة العالية، فسندعها جميعها جانبا؛ لئلا نخرج هؤلاء من حديقة الشعر الوارفة. الطريف في الأمر أن هؤلاء أكثر من سواهم يشكون من التسيب واستشراء الفوضى وفقدان المعايير، كما يلحون على تنقية الساحة من الأميين والدخلاء وعديمي الموهبة. في حين أن نصوصهم التي لا يتورعون عن إصدارها في كتب مستقلة تحفل بالغثاثة والركاكة وفقر المخيلة المدقع. وإذا حدث أن عثر القارئ أو المتصفح على صورة لافتة، فهي تبدو من خارج السياق ولا تترك مجالا للشك بأنها مسروقة من مكان آخر. لا يطمح أحد ــ بالطبع ــ إلى توفير ساحة شعرية وفنية نموذجية وخالية من المتطفلين والأدعياء، خصوصا أن التطفل لا يقتصر على الشعر والفن، بل يتجاوزهما ليتصل بمجالات الاجتماع والسياسة والدين وسوى ذلك. ولكن بعض الأصدقاء الظرفاء اقترح في هذا المجال أن تقوم الدول والهيئات المختصة بتدفيع غرامات مالية للشعراء الذين يخطئون بالإملاء والنحو، أو للذين لا يقدمون صورة بيانية جديدة على الأقل في كل قصيدة ينشرونها. وفي حال تقاعس السلطات المعنية عن القيام بهذا الواجب دعا الصديق الظريف إلى اختراع نوع من الأقلام الذكية التي تصدر أصوات ابتهاج تشبه الزقزقة لدى اهتداء الشاعر إلى عبارة مبتكرة أو صورة غير مسبوقة. وحين يقوم «المنتحل» بكتابة عبارة هزيلة أو مسروقة، فإن القلم الذكي يصدر أصواتا مختلفة تدل على الاستنكار، ويبدأ بقذف الحبر باتجاه وجهه وثيابه. ويمكن لشاشات الكمبيوتر أن تبتكر أساليبها وأصواتها المماثلة، أو أن «تعطل» نفسها في حالات السرقة والانتحال والاجترار السقيم. ولو حدث ذلك، بالفعل، فكم من الشاشات والصفحات ستظل بيضاء بالكامل، وكم من الأسماء المزورة ستذهب إلى قاع النسيان.
الادارة