د. عاشور لـ «عكاظ»: 4 رواتب وراء تقاعس موظفي مستشفى الملك فهد بجدة تجاه كورونا

الصحة عليلة.. يديرها عتاولة التعاميم

د. عاشور لـ «عكاظ»: 4 رواتب وراء تقاعس موظفي مستشفى الملك فهد بجدة تجاه كورونا

حوار: بدر الغانمي (جدة)

ما هكذا تورد الإبل.. مقال نشر قبل أسبوعين في «عكاظ»، نافح فيه الدكتور أحمد عاشور الخبير البيئي والصحي ومدير عام مستشفى الملك فهد الأسبق عن وزير الصحة السابق الدكتور عبدالله الربيعة، وأطلق فيه تلميحات وإشارات عن أداء وزارة الصحة، محذرا من تطور الوضع لما هو أسوأ. التقيته ليضع النقاط على الحروف، فألقى لي أحجارا لا أشك أنها ستحرك الماء الراكد في أروقة الوزارة منذ نصف قرن. قال بأن الوزارة عليلة من الداخل لكثرة المنظرين والجهلة وتغييب المخلصين، وأكد عدم وجود نظام أو استراتيجية حقيقية للصحة في المملكة، عدا التعاميم التي تصدر من بعض قيادات تشكل بطانة جاهلة تمارس تدميرا أكثر من البطانة الفاسدة. كشف عن أسباب تقاعس بعض موظفي مستشفى الملك فهد تجاه فيروس كورونا، وأوضح أن حمى الضنك كشفت القصور الكبير في التعامل مع الأوبئة. عاشور وصف تعامل الوزارة مع المستشفيات الخاصة بـ(المجحف)، وطالب بعدم التعامل مع متعهدي خدمات الصيانة والتشغيل بفوقية. استغرب عدم وجود مواقع صحية جديدة في جدة منذ 30 عاما، وكشف عن توقف تطور الخدمات الصحية بسبب المركزية والمجاملات.. محاور ساخنة في نص الحوار الذي بدأ ولن ينتهي.
• تحدثت عن الأنظمة التي عفى عليها الزمن في الوزارة. أعطني مثالا لذلك؟ وما المطلوب لتغيير الواقع الحالي؟
•• أنا لم أقصد أنظمة عفى عليها الزمن في وزارة الصحة بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ لأنه أصلا لا يوجد نظام طبي متكامل أو استراتيجية صحية في وزارة الصحة، فالموجود عبارة عن تعليمات وتعاميم متفرقة يتم العمل بها منذ أكثر من 50 سنة، كما أن الاستراتيجية الصحية المقترحة لم تطبق ولم تفعل إطلاقا، وكل وزير يتسلم كرسي الوزارة يعيد دراستها وتمحيصها مرة أخرى. والمطلوب لكي نغير الواقع الحالي اختيار قيادات فعالة تتمتع بالخبرة المناسبة والقدرة على التغيير، وإعطاؤها الصلاحيات الكافية، مع وضع وتطبيق الأنظمة الصحية والاستراتيجية الطبية الملائمة للمواطنين، فصحة الإنسان يجب ألا تكون حقلا للتجارب.
• ما الملاحظات التي رصدتها على الهيكل التنفيذي والإداري داخل الوزارة؟ وهل هناك تضخم حقيقي في أجهزتها الداخلية؟
•• توجد فجوة كبيرة بين الهيكل التخطيطي والتنفيذي والإداري في الوزارة، وللأسف، لا يوجد تنسيق بينهم، فكل يعمل بشكل منفصل. فالوزارة تضم أعدادا كبيرة من ذوي الخبرة والمختصين المعطلين لا يستفاد منهم بشكل صحيح، وهذا يؤدي إلى تضخم العمالة أو ما يعرف بالبطالة المقنعة، وجهاز الوزارة والمواقع الطرفية مليئة بهذه الفئة وضررهم كبير، كما تضم الوزارة كثيرا من المنظرين الذين يعتقد كل واحد منهم أنه هو المفكر الأوحد أو المصلح الملهم، وأنه لذلك منزه عن الخطأ ومحصن عن أي مساءلة.
• إذا كان كل وزير يأتي بفريق العمل الخاص به، فأين المشكلة في البطانة الفاسدة التي أشرت إليها؟
•• أنا أشرت إلى البطانة الجاهلة التي تتولى مناصب قيادية، وهي ــ في رأيي ــ أخطر وأكثر تدميرا من البطانة الفاسدة التي لا يعلمها إلا الله ثم الأجهزة الرقابية المختصة.
• أشرت إلى وجود أفكار متقوقعة تحاصر الوزير من اليوم الأول لتولي منصبه.. من هم أصحاب هذه الأفكار؟ وهل يستعصي على وزير الصحة النجاح في ظل هذه التكتلات داخل قطاعات الوزارة؟
•• عندما يكلف أي وزير جديد عادة يصحب معه كوكبة من الخبراء والزملاء الذين عمل معهم في مواقع سابقة ويكونون موضع ثقته، عندها تظهر على ساحة الوزارة بوادر صراع بين المسؤولين السابقين، أو الحرس القديم، أو ــ كما يقال ــ (العتاولة) وبين القيادات الجديدة التي تحاول السيطرة على الوضع وتطبيق أفكار جديدة وإثبات وجودها في الوزارة، ويقابل ذلك عراقيل يضعها المسؤولون السابقون لإفشال جهود هؤلاء الغرباء (حسب رأيهم)، ويحدث هذا التصادم ــ مع الأسف ــ في معظم القطاعات وليس في وزارة الصحة فقط التي يستبدل فيها المسؤولون دون تنسيق، ونتيجة لذلك لا يمكن توفير أرضية مناسبة ومستقرة للعمل، وهنا تتدهور الخدمات الصحية، وبالتالي يكون المواطن أو المريض هو الخاسر الوحيد.. ومن المهم أن يتفهم أي وزير جديد أنه مهما اصطحب معه من الزملاء القدامى، فإن من مصلحته التعامل مع الكوادر القديمة بذكاء وفطنة وكسبهم إلى جانبه والتعاون سويا لقيادة المركب، حيث أثبتت التجارب السابقة أن فرض القوة والسيطرة وتكريس المركزية لا يؤدي في الغالب إلى النتيجة المرجوة.
• إذا كان نجاح أي وزير أو فشله في وزارة الصحة لا تصنعه قدرات الوزير الشخصية ــ كما ذكرت، فمن يصنع النجاح والفشل داخل الوزارة؟
•• إن نجاح أي وزير مرهون بعدد من المواصفات الأساسية التي من بينها كفاءته العلمية وخبراته وقدراته القيادية ومهاراته التكتيكية ومقدرته على التعاون واستقطاب الكوادر الخبيرة، من استشاريين وخبراء، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، والتصرف بذكاء لتجاوز القيود التي تفرضها بعض الأنظمة والتعليمات. ولا يعني نجاح إنسان في مجال ما أن يكون له نفس القدرة لإدارة مجال آخر بعيدا عن خبرته. يمكن لأي وزير بارع معرفة كيفية الاستفادة من خبرات موظفيه مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم وتسخير قدراتهم لصالح العمل. أتمنى من أي وزير للصحة أن يتفهم المعنى الحقيقي لكلمة «الصحة العامة»، وأن يعمل بها مع الاستعانة بجميع الفئات والأطراف لتحقيقها. أما بالنسبة للقطاعات الطرفية، فإن الوضع فيها مختلف وأشد خطورة. فقد يميز العاملون الجدد الداعمين للموقع بمميزات مالية عالية جدا مقارنة بزملائهم القدامى، والذين يحملون نفس الشهادات ونفس مستوى الخبرة، كما حدث في حملة مكافحة وباء كورونا في مستشفى الملك فهد بجدة، حيث أغدق على الداعمين من خارج المستشفى بمميزات مالية تصل إلى أربعة أضعاف رواتبهم الأساسية، ما أدى إلى إحباط وتقاعس موظفي المستشفى الرئيسيين عن العمل؛ لذا فإن الإغراءات المادية والصرف بسخاء في غير محله الصحيح قد تؤدي إلى نتائج عكسية تماما.
• هل لشركات الأدوية والأجهزة الطبية والخدمات في القطاع الخاص دور في فشل الوزير أو نجاحه؟
•• شركات الأدوية والأجهزة الطبية تعتبر الشريان الرئيسي لإمداد الصحة بشكل عام بما تحتاج إليه من أدوية ومعدات، وهذا شيء متعارف عليه، ولا يمكن لأي وزارة في العالم أن تتولى بمفردها هذا النوع من الأعمال. يجب التنسيق مع هذه الشركات وتنظيم عملها حسب التخصص والمنتج، وإعطاؤهم الحماية والدعم الكافي، وخلق الأجواء التي تؤدي إلى التنافس الصحيح والسليم فيما بينهم دون احتكار لتأمين متطلبات سوق العمل بطريقة صحيحة وسريعة، وإدخال كل ما هو جديد ومفيد للقطاع الصحي وتشجيعهم على إقامة المعارض الطبية والندوات والمؤتمرات وورش تدريب العاملين للنهوض بالمستوى الصحي العام في المملكة، فدورهم كبير في تطوير كفاءة العمل.
أما قطاع الخدمات الخاصة، مثل متعهدي خدمات الصيانة والتشغيل والنظافة، فإنه يعتبر شريكا استراتيجيا مع وزارة الصحة، ويقوم بدور فعال في نجاح أو فشل المنشأة. مما يؤسف له أن تعامل الوزارة مع هذا القطاع والشركات يتم ــ في الغالب ــ بفوقية وسيادية، وهنا يجب الدعوة لتعزيز هذه العلاقة وتطويرها، بحيث تكون قائمة على المصداقية والمهنية العالية، وبحيث يعمل الطرفان كقطاع واحد مكمل لبعضه.
• تحدثت عن إخفاقات عانت منها الوزارة على مدى أعوام.. ليتك توضح الصورة بالأرقام والمواقف؟ ومن السبب وراء ذلك؟
•• إخفاقات وزارة الصحة في تقديم الخدمة المناسبة لا تحتاج إلى توضيح، فالصورة ظاهرة وماثلة للجميع وضوح الشمس في رابعة النهار. لو سألت أي مواطن مهما كان مستواه عن مدى رضاه عن الخدمات الصحية المقدمة له، لعلمت مدى الانحدار الذي وصلت إليه هذه الخدمات، بالرغم من الميزانيات الهائلة والضخمة التي خصصتها الدولة لهذا القطاع، إلا أننا لا نجد ما يقابل ذلك من الخدمات الصحية المناسبة، فمنذ عام 1417 هـ وحتى تاريخه تضاعفت ميزانية وزارة الصحة من سبعة مليارات إلى أكثر من سبعين مليار ريال، ومع ذلك لا نلمس أي تطوير يتناسب مع هذا الإنفاق.
ومثال ذلك في مدينة جدة منذ افتتاح مستشفى الملك فهد سنة 1400 هـ ومستشفى الملك عبدالعزيز سنة 1405 هـ وحتى تاريخه، أي منذ 30 عاما، لم تضف أي مواقع صحية مميزة، رغم زيادة الكثافة السكانية إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في تلك الفترة. ورغم حديث الصحف ووسائل الإعلام عن انتهاء مشاريع صحية مثل مستشفى شمال جدة ومستشفى شرق جدة منذ عدة سنوات، إلا أنه لم يتم تشغيل أي منها حتى تاريخه، أما السبب وراء ذلك ــ كما أسلفت سابقا ــ فيعود إلى الجهل ثم الجهل ثم الجهل ثم الفساد.
• التباعد بين الجانب الصحي والبيئي هل يخلق مشكلة غير منظورة في المجتمع؟
•• نعم، بكل تأكيد، وقد سنحت لي الفرصة أن أعمل في القطاع الصحي والبيئي، وقد يكون ذلك من الأسباب التي دعت إلى إنشاء جمعية البيئة السعودية منذ عام 1418 ه، أي منذ سبعة عشر عاما، وللأسف الشديد لم يعط الجانب البيئي في المملكة الاهتمام الكافي، ولم يوفق في تطبيق استراتيجة مناسبة للبيئة على مستوى البلد، وقد سبق أن صرحت عدة مرات في الماضي بأنه لو طبق بجدية جزء من المعايير البيئية وتم التنسيق مع الإدارات المختصة، فسوف يتم الاستغناء عن أكثر من 60 في المائة من خدمات القطاع الصحي، سواء حكوميا أو خاصا، وهذا ليس مبالغة وأستطيع إثبات ذلك بالأرقام، حيث أن جميع الأمراض المعدية وأمراض الجهاز التنفسي والفشل الكلوي وحوادث الطرق التي تراجع المستشفيات هي نتيجة قصور في تطبيق اللوائح والأنظمة البيئية، كما أن تقاعس وأداء بعض الجهات الخدمية لدورها المطلوب أثر سلبا على المجتمع وزاد من مستوى الأمراض والإصابات الجسدية.
• البطانة الصالحة أليست موجودة في الوزارة؟ وإن وجدت، فهل هي مهمشة؟
•• البطانة الصالحة موجودة في كل موقع وليست وزارة الصحة فقط. وهنا يأتي دور المسؤول الأول في كيفية الاستفادة من هذه البطانة ورعايتها والتعاون معها، وفي الوقت نفسه، العمل على علاج وإصلاح البطانة الفاسدة أو التخلص منها في حال عدم إمكانية ذلك؛ لأن تهميش البطانة الفاسدة يخلق مناخا خطرا أكبر من تهميش البطانة الصالحة.
• ما الدور الذي يمكن أن يقوم به القطاع الطبي الخاص كشريك مع الوزارة؟
•• إن خدمات وزارة الصحة المقدمة للمواطنين والمقيمين لا تخدم أكثر من 60 في المائة من السكان، وبقية النسبة من الخدمة تقدم عن طريق القطاعات الصحية الحكومية الأخرى والقطاع الخاص، وكثيرا ما تحتاج الوزارة لخدمات القطاع الخاص عند وجود عجز في القطاع الحكومي، كما هو الحال بالنسبة لأسرة العناية المركزة؛ لذا يجب أن نعزز دور القطاع الخاص من خلال استكمال منظومته وتنفيذ خطط التأمين الطبي للمقيمين والمواطنين، وعند ذلك سيكون دور وزارة الصحة محصورا في التخطيط والتنظيم والإشراف والمتابعة والتنسيق وتقييم الأداء، وهذا هو ما تفعله وزارات الصحة في معظم دول العالم المتقدم.
• بلغت مديونيات المستشفيات الخاصة لدى وزارة الصحة 265 مليون ريال لم تسدد منذ 7 سنوات.. ما مدى تأثير هذا التأخير على دور المستشفيات الخاصة في علاج الحالات الإسعافية غير المؤمن عليها، أو ممن لا يغطي تأمينهم كلفة العلاج؟ وإذا عرفنا أن 34 مستشفى خاص في جدة لها مخصصات لم تسدد من قبل وزارة الصحة تصل إلى 170 مليون ريال.. فهل نتوقع فتورا أكبر في العلاقة مع الوزارة في المرحلة القادمة؟
•• مما يؤسف له أن وزارة الصحة تتعامل مع القطاع الطبي الخاص بفوقية وتعالٍ غير مبرر، وإذا أخذت رأي أي مسؤول في القطاع الصحي الخاص، فلن يتردد أحد منهم في تأكيد ذلك، فبدلا من أن تقوم وزارة الصحة بمد يد التعاون وتوثيق العلاقة مع هذا القطاع، نجدها تشهر سيفا مسلطا عليهم، وإصدار تعليمات وأنظمة مجحفة بين فترة وأخرى، وإرغامهم على تنفيذها أو التشهير بهم في الوسائل الإعلامية أو إيقاف تجديد تصريحات العمل الخاصة بهم، مستندة بذلك على بعض الأخطاء والتجاوزات التي قد تحدث في القطاع الخاص، ويحدث مثلها بكثرة في قطاع الحكومة، ولو طبق نفس الأسلوب ومعيار التعامل مع القطاع الحكومي، لوجدنا أنه يتم إغفال أكثر من 50 في المائة من هذه الأخطاء والتجاوزات، إلا أن الوزارة تطبق معايير مزدوجة في تعاملها مع هذا القطاع.
إن إرغام وزارة الصحة المستشفيات الخاصة على قبول الحالات الإسعافية المحالة لهم والتحكم في الفواتير العلاجية وعدم تسديدها لسنوات طويلة، وهو أمر يدفع بالمستشفيات الخاصة إلى الإحجام عن قبول أي حالات محولة إليهم من القطاع الحكومي لعدم سداد مستحقاتهم، ويكون المريض دائما الخاسر الأكبر. ولا يمكن أن تنال المحبة بالخصام.
• كيف رأيت تعامل الوزارة مع فيروس كرونا؟ وهل كانت المعلومات التي تعامل معها الدكتور الربيعة، على مدى سنتين من ظهور الفيروس، مضللة وساهمت في انتشار الفيروس على أرض الواقع؟
•• الوزارة تقاعست في طريقة وسرعة التعامل عند بداية انتشار هذا الوباء وظهوره أول مرة في منطقة الأحساء، وعدم اتخاذ الاحتياطات الكافية، وعدم التعامل مع الوضع بالجدية المطلوبة وحسبما تنص عليه الأنظمة واللوائح الطبية المتعارف عليها في مثل هذه الأحوال، وللأسف فقد استمر هذا القصور حتى عند بوادر عودة انتشار المرض في مدينة جدة، ورغم تحذير المختصين منذ عدة أشهر، إلا أن الأمر لم يؤخذ بجدية، بل إن بعضهم أخذه بسخرية، وكان يؤكد أن الوضع تحت السيطرة.. أما الجانب الغريب في التعامل مع ملف كورونا، فهو ما تقوم به الوزارة الآن من اهتمام بالغ وشديد وتركيز جميع المسؤولين في الصحة والإعلام على وباء كورونا وتجاهل الخدمات الصحية الأخرى، والتي نعلم جميعا أنها تعاني من تدهور وقصور واضحين. إن هذا الأسلوب إنما يدل على أن الوزارة ما زالت تعاني من فقدان البوصلة بشكل يؤسف له، ولا يجب الاستمرار بهذا الوضع؛ لأن صحة وحياة البشر ليست مجال تجارب.
• عدد من الملفات تنتظر المهندس عادل فقيه وزير الصحة المكلف عدا كورونا.. ما هي؟، هل تتوقع أن ينجح في مهمته على ضوء الواقع الذي تعيشه الوزارة؟
•• كلنا يدرك أن الإرث كبير وكبير جدا في وزارة بحجم وزارة الصحة، ونتمنى أن يتحقق له النجاح ونتوقع أنه قادر على ذلك. فالمهندس عادل فقيه كفاءة وطنية ناجحة كما نتمنى أن يولي الملفات الأخرى جل اهتمامه ولا ينصب التركيز فقط على موضوع كورونا، الذي استحوذ على النصيب الأكبر بجلب الخبراء من الخارج، حيث قام بتعزيز بعض مراكز معالجة الكورونا بأعداد كبيرة من العاملين في القطاع الصحي بأجور توازي حوالي أربعة أضعاف ما يتقاضاه أقرانهم من نفس المستوى، إضافة إلى ميزانية مفتوحة لهذا الموضوع، وتم اتخاذ قرارات وإجراءات تم التراجع عنها، وأتوقع أن قراراته صائبة وتعالج الوضع الراهن والمستقبلي.
• طلب بعض مديري المستشفيات إعفاءهم من مناصبهم بعد ظهور فيروس كرونا؛ مثل مدير مستشفى الملك فهد في تبوك.. كيف تفسر موقفهم؟ ولو كنت مكان أحدهم هل كنت ستطلب الإعفاء؟
•• لا أعرف السبب الذي أدى إلى طلب مديري المستشفيات إعفاءهم، وقد تكون لهم مبرراتهم، ولكن المتعارف عليه والمنطق في مثل هذه الظروف الطارئة يقضي أن يقوم كل مسؤول بأداء دوره المطلوب حسب موقعه في مواجهة أي ظرف طارئ، وليس الانسحاب، وعليه إصلاح ما يراه من قصور إن وجد، فهو أدرى وأكثر اطلاعا على جهازه الداخلي من أي مسؤول جديد قادم.
• ما تفسيرك لإهمال مركز مكافحة الأمراض المعدية التصدي لفيروس كرونا، وهو المركز الذي أنشئ منذ 19/6/1434 هـ ولم يعقد اجتماعه الأول إلا قبل أيام مع وزير الصحة المكلف المهندس عادل فقيه؟ وهل لدينا ثقة في مراكزنا العلمية أم لا؟ ولم؟
•• ليس لدي فكرة واضحة عن هذا المركز، ولكن على علمي أن في الوزارة إدارة مختصة لمكافحة الأوبئة والوقاية من الأمراض المعدية، ومن الضروري تفعيل هذه الإدارة، وأن تربط مباشرة بالمراكز أو المستشفيات الطرفية والمختبرات المركزية للاطلاع أو الوقوف على أي انتشار وبائي أو أمراض معدية والتعامل معها مباشرة في حينه دون الرجوع لأي مسؤول، كما توجد مراكز عالمية معروفة متخصصة لمثل هذه المواضيع كان يمكن الاستعانة بها مجانا، وإشراكها في دراسة الوضع واتخاذ الخطوات المناسبة وإيجاد اللقاح أو العلاج المناسب، وليس عيبا أو قصورا أن نستعين بهذه المراكز والاستفادة من خدماتها، والتي ساهمت المملكة بتمويلها من خلال المنظمات العالمية.
أما مقدار الثقة في مراكزنا العلمية، فالإجابة واضحة من خلال القصور الكبير في التعامل مع كثير من حالات الأوبئة التي انتشرت في بعض مدن المملكة؛ مثل حمى الضنك، والتي صرف على برنامج علاجها أكثر من خمسة وخمسين مليون ريال لمدينة جدة فقط، ولم يتم السيطرة عليه، وعلى العاملين في هذه المراكز إيضاح سبب القصور وهل يعود ذلك إلى كفاءة القوى العاملة أو التجهيزات أو وسيلة التعامل والصلاحيات.
• إلى أي مدى ساهمت المجاملات والمزايدات والشخصنة في التأثير على القطاع الصحي في المملكة؟ وكيف يمكن إيقافها؟
•• للأسف الشديد أن انتشار المجاملات والمزايدات والشخصنة في القطاع الصحي قد ساهم كثيرا في تدهور هذه الخدمات، إضافة إلى المركزية وأساليب السيطرة والاستحواذ والانفراد بالقرارات، كل ذلك أوقف تطور الخدمات الصحية. وكما أسلفت بأن الجهل وعدم الكفاءة أحيانا هما عاملان رئيسيان فيما نراه من تخبط بعض مسؤولي الصحة في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، كما أن عدم إشراكهم لزملائهم وعدم التعامل بموضوعية وفقد لغة الحوار والتعامل بشفافية وندية بين مسؤولي الصحة والعاملين في الكادر الطبي الميداني كان لها تأثير مباشر على انحدار الخدمات الطبية وعدم تطورها كما ينبغي أو كما هو مخطط له .
• لماذا اختلفت مع الوزراء في طريقة إدارتك للعمل؟ وما هو خط التماس بين رأيك ورؤيتهم؟
•• الفرق كبير جدا بين الإدارة والقيادة، فأنا لم أعمل إطلاقا خلال عملي في الأجهزة الحكومية إداريا أنفذ تعليمات وأنظمة عفى عليها الزمن.. ونظرا لما لمسته من تدهور في أوضاع الخدمات والنظام الصحي في تلك المرحلة، أخذت زمام القيادة ولم أطلبها، واضعا نصب نظري مصلحة المريض وما تتطلبه المصلحة العامة، بغض النظر عن أي تعليمات أو أنظمة لو التزمنا بتطبيقها لما أمكن إحراز أي تقدم ولتسببت في عدم حصول المريض على العلاج المناسب، ولكان الموت هو مصير أعداد كبيرة منهم.
لقد كانت الفجوة بين تطلعاتنا وأهدافنا وما نطمح في تحقيقه وبين أنظمة وتعليمات الوزارة كبيرة وبعيدة جدا.. لقد سبقت إنجازاتنا عمر وخطط الوزارة بعشرات السنين؛ لذا قررت العمل منفصلا والاستعانة بالإمكانيات الذاتية المتوفرة في تلك الفترة، ولكن هذا الوضع لم يرق لبعض مسؤولي وزارة الصحة واعتبروه نوعا من التمرد والخروج عن سيطرة الوزارة، محاولين عرقلة ومحاربة المسيرة.. ولكن ــ في الوقت نفسه ــ وجدت تجاوبا ومساندة كبيرة من بعض كبار المسؤولين، سواء في الصحة أو خارجها، الأمر الذي مكننا من الإنجاز وتحقيق كثير مما خطط له.
قد يبدو أمام بعض وسائل الإعلام اختلافي مع الوزراء في طريقة إدارة العمل، وهذا ــ للأمانة التاريخية ــ غير صحيح، فقد وجدت دعما من الكثير من الوزراء السابقين؛ منهم معالي الدكتور حسين الجزائري، ومعالي الدكتور غازي القصيبي ــ يرحمه الله، ونائبه الدكتور نزيه نصيف، والدكتور أنور جبرتي الذين دعموا بقوة مسيرة العمل الذي قمت به في مستشفى الولادة معنويا وماديا، رغم الخلاف الشخصي والاختلاف في الرأي، إلا أن ذلك لم يؤثر إطلاقا في قدراتهم على اتخاذ القرار وتوجيه الدعم الكبير للمشاريع التي اقترحتها في تلك الفترة وساهمت في إنجازها.
أما معالي الدكتور فيصل حجيلان، فقد وجدت منه مساندة وتوجيها ونصائح قيمة وثقة وشفافية في التعامل والتعاون استفدت منها كثيرا في أداء عملي أثناء إدارتي لمستشفى الملك فهد وأثناء موسم الحج، ورغم أنني شكوت وزارة الصحة في تلك الفترة إلى المقام السامي الكريم، إلا أن معاليه تقبل ذلك بسماحة نفس وسعة صدر وشفافية وأسلوب أذاب كل الحواجز، فقد كان معاليه يتمتع بقدرة كبيرة على تجاوز الأحداث والأهواء الشخصية مع صفاء السريرة، وكان ذلك يظهر عند مناقشتي لمعاليه في مهام لا أجد حرجا في إعلانها لأول مرة عند قيامي بتجاوزات كبيرة وأعمال مخالفة للأنظمة والتعليمات المتعارف عليها، بابتعاث عدد من العاملين في المستشفى للتدريب وإكمال الدراسة دون موافقة وزارة الصحة أو التعليم العالي، نظرا لتوقف الابتعاث في تلك الفترة، حيث أجابني معاليه بقوله «إن وافقتك رسميا فتلك مخالفة على مستوى الدولة، أما أنت فمخالفتك محصورة على المستشفى فقط»، والنتيجة حققت فوائد وإنجازات جيدة في المستشفى، وعند اعترافي له بها طالبا الاستمرار على نفس النهج أجابني بأسلوب بارع، وقال: «أحمد أنت لم تبلغني بذلك ولا أنا سمعت به منك، استمر في أداء هذا الدور وفقك الله، ولكن لا تجهر به، وإن حدثت أي مساءلة فسأقوم بحمايتك» هذا الموقف العظيم الذي يدل على ما يتمتع به هذا الإنسان من بصيرة وحكمة وبعد نظر وسعة أفق تتجاوز كل الأهواء وتعلو على المصالح والشخصنة واصطياد الأخطاء من صفات القائد والمسؤول الذي قاد الوزارة بجدارة واقتدار دون أن يخادع أو يتصنع أو يهدد أو يتوعد، محققا بذلك أعلى درجات السلوك الحضاري وأعظم درجات التناغم الوظيفي، مما أدى إلى ما تحقق من نجاحات.
إن الجعبة مليئة بالأحداث المثيرة خلال الفترة التي قضيتها في الحقل الطبي والبيئي، والتي تعتبر كل واحدة منها بمثابة قصة وعبر ودروس للأجيال قد لا يكون الوقت مناسبا لسردها، وبيننا الأيام إن أبقى الله شيئا من العمر.
وقد يكون مبدأ الشفافية والتشاور الذي انتهجته طيلة عملي، سواء مع زملائي الذين وجدت منهم كل تعاون وأمانة وكفاءة بمهنية بارعة مثل الدكتور عبدالرحمن خياط والدكتور فيصل شاهين والدكتور عبدالله فلاته ــ يرحمه الله ــ والدكتور وليد بخاري، والدكتور عثمان متولي وغيرهم، كذلك تعاون وتفهم المراكز القيادية، وعلى رأسها الديوان الملكي الذي دعم المسيرة وأنقذنا في كل محنة وورطة، إضافة إلى تعاون وتفهم القطاعات الحكومية الأخرى الذين وجدت منهم دعما وتشجيعا كبيرا، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ وصاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله، فقد كان الأب الروحي والقائد الفعلي في ذلك الوقت، وسعادة الأستاذ عبدالهادي المنصوري وكيل هيئة الرقابة والتحقيق، والأستاذ عبدالقادر باصفار، والأستاذ أحمد الحمدان من وزارة المالية وكثير غيرهم، إضافة إلى دعم ومساندة القطاع الإعلامي الذي ساهم في توضيح الصورة للمجتمع بكل شفافية، وعلى رأسهم صحيفة عكاظ التي ساهمت بإيصال الرسالة المطلوبة للجهات المختصة، كما لعب القطاع الخاص دورا كبيرا في تحقيق مسيرة النجاح، ولا يفوتني أن أشيد هنا بالشيخ محمد علي مغربي ــ يرحمه الله ــ والشيخ عبدالقادر البكري، والشيخ صالح الصيرفي ــ أمد الله في عمريهما ــ ولا يغفل التاريخ دورا رئيسيا وداعما ومرشدا لمسيرة النجاح تفضل به كل من معالي الدكتور محمد عبده يماني، ومعالي الشيخ محمد عمر توفيق ــ يرحمهما الله، وغيرهم.