أبو مدين صاحب مقولة «الثقافة مغارم»

حسن النعمي

«الثقافة مغارم وليست مغانم» بهذه العبارة يلخص الأستاذ الأديب عبد الفتاح أبو مدين رأيه في الثقافة وفي الإدارة الثقافية. فالثقافة بالنسبة له إلتزام ومسؤولية، والإدارة الثقافية استيعاب للاختلاف وتنوع التجارب مع قدر من الطموح نحو تطوير آليات العمل. وفي النهاية عليك أن تتحمل الأعباء ولا تنتظر الثناء.
كلنا عرفنا الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين صاحب النشاط الثقافي والإعلامي النشط عبر متابعته سواء من خلال تاريخه في صحيفتي الرائد والأضواء أو من خلال رئاسته لنادي جدة الأدبي الذي صنع منه منارة ثقافية على مستوى الوطن العربي.
أتيحت لي فرصة العمل ضمن إدارة نادي جدة برئاسة الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين ما بين عامي 2003 و2006م، ولذلك قصة تروى. كنت قبل انضمامي للنادي قد أطلقت مع الزملاء عبده خال وعلي الشدوي وسحمي الهاجري نادي القصة في جمعية الثقافية والفنون بجدة في عام 2002، وعلى مدى موسم قدم نادي القصة برنامجا عن الرواية السعودية بعد عام 2000م، وقد لقيت أمسيات النادي متابعات كبيرة من المثقفين والصحافة الثقافية. وكان النادي يعاني من انصراف الجمهور لأسباب مختلفة. في تلك الفترة ألتقيت الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين في نادي القصيم الأدبي، يومها عرض علي عضوية مجلس إدارة نادي جدة الأدبي التي كانت شاغرة حينذاك. فقد أدرك بنظرته الثاقبة حاجته إلى من يحرك النادي، فقد لاحظ أن مجموعة الشباب في نادي القصة هي التي يمكن أن تعيد للنادي حضوره المنبري الذي أصابه الوهن. فاستمهلته التفكير، حيث إنني مرتبط مع الجمعية. لم يطل قراري، ووجدتها فرصة أكبر للعمل الثقافي واسترشدت بآراء بعض الأصدقاء الذين أكدوا أن فرصة العمل الثقافي في النادي أكبر.
انطلقت لنادي جدة الأدبي في عام 2003م بعد أن قدمت مشروع جماعة حوار الذي رحب به النادي. وقد عرفت أمرا مهما بعد ذلك، وهي صفة نادرة في الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، أنه يقبل كل من يقدم مشروعا على أن يتحمل كافة مسؤولياته. وكانت هذه الميزة تناسبني تماما، فلا أحب أن أراجع المسؤول في كل صغيرة وكبيرة، ولعل هذا أحد أسباب نفوري من المناصب الإدارية التي تؤمن بالتراتبية والبيروقراطية، ولو لم يكن العمل ثقافيا سواء في الجمعية أو النادي لما أقدمت عليه.
وجدت في الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين رجلا مؤمنا بوجهات النظر مهما اختلفت، بشرط أن يعقب القول عمل . أما من يتحدث ولا يفعل فهو ساقط من عينه، وقد مر على النادي أشخاص أسقطهم من عينه إذ رأى فيهم أدعياء كلام فحسب.
في تجربة جماعة حوار، وفي ليلة الافتتاح قدمت الأستاذ أبو مدين على أنه راعي الحفل، فصعد المنبر وقال، وهو خطاب مدون، (لست راعيا ولا مرعيا، ما أنا إلا رجل من عرض الناس، أنا منكم وإليكم، وربما نصيبي من القياس إليكم من الثقافة أقل مما تتوقعون).
وقد كان فعله مصدقا لهذا الكلام، حضر كل جلسات جماعة حوار، إلا أن يكون له عذر من سفر ونحوه، يجلس مستمعا، ويتداخل بصفته الثقافية لا أكثر ولا أقل. فعله هذا كان دائما محل نظر ممن يحضر، ويرون رئيس النادي يجلس في عرض الجلسة لا في المنصة ينصت برغبة الاستفادة لا مجاملة ولا استعراضا.
هذا هو الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، إن تواضع تواضع بصدق، وإن عمل عمل بجد، وإن طاول الطموح كان أهلا له. مرن في العمل إلى أبعد مدى، وصلب في المواقف إلى حد الجمود. يكره من يتحدث كثيرا، ويفرح بمن يعمل.. عندما رأى أبو مدين أحد الزملاء ممن يملأ الدنيا ضجيجا إلى حد الآن، أنه لم ينجز ما أسنده له، قال له: (من الأفضل أن نبقى أصدقاء، وأنت في حل مما طلبت منك)..
هذه الروح الإدارية الفذة التي توازن بين إعطاء الصلاحيات حتى ليظن من يعمل معه أنه صاحب قرار، وبين مركزية تهتم بالمنجز في شكله النهائي، وليس الدخول في تفاصيل التفاصيل التي قد تنزع الثقة ممن يعمل معه، هي أحد أسباب نجاح أبو مدين في إدارة دفة النادي بكفاءة واقتدار لأكثر من عشرين عاما.