تجاهـل الحقـيقة

عبدالله السلطان

اعتاد الكثير من الكتاب الغربيين تقليديا الإشارة إلى العرب على أنهم بدو رحل يجوبون الصحراء على جمالهم. وقد يكونون فيما يكتبون جاهلين أو متعمدين وصف العرب هكذا. وفي الغالب يقصد هؤلاء الكتاب فيما يصفون العرب به التقليل من شأنهم، ومع ذلك برأيهم هزم هؤلاء البدو الرحل الإمبراطوريتين البيزنطية (الرومانية) والفارسية، معللين ذلك بقولهم إن العرب هزموا الإمبراطوريتين لأن الحروب بينهما أضعفتهما، ومن ثم استطاع بعد ذلك العرب نشر الإسلام. والرأي المشترك هذا لهؤلاء الكتاب الغربيين عرضة للجدل والخلاف ويمثـل صورة عقلية نمطية ومقولبة، وهذا لا يعدو عن كونه رأيا مبسطا وموقفا عاطفيا إذ يعوز من يعتد فيه الفطنة والحصافة، ومع ذلك لم يحـظ باعتذار الغربـيين لعدم صحته ولفقدانه الأساس والفهم التاريخي لتعزيزه. وحقيقة الأمر التي قد تخفى عليهم هي أن الإسلام دين مدن، أي أنه نزل على النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، عن طريق الوحي في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وانتشر أساسا بواسطة أبناء المدينتين مع من انضم إليهم بعد ذلك من أبناء البادية وغيرهم من العرب من جنوب وشمال الجزيرة العربية. ثم إن العرب في فتوحات نشر الإسلام وحروبهم مع أعدائه استعملوا الخيل والجمال، وهزموا الرومان والفرس في البلاد العربية الواقعة شمال الجزيرة، وسكانها عرب، لذلك ساعد هؤلاء العرب إخوانهم العرب القادمين من الجنوب ضد ظلم واضطهاد الإمبراطوريتين، الرومانية والفارسية.
وبافتراض صدق الرأي الجدلي الغربي بأن العرب بدو رحل هزموا الإمبراطوريتين وهم يمتطون جمالهم، فذلك يحسب لهم وليس عليهم، لأنه يثبت تفوق قدرة العرب على قدرة الإمبراطوريتين، القويتين عسكريا، أو أن الإمبراطوريتين ليستا على مستوى الحنكة والقوة، كما تم تصويرهم. والواقع أن العرب لا يمكنهم منطقيا الانتصار على إمبراطوريتين متقدمتين بدون أسباب قد تخفى على الكتاب الغربـيين أو أنهم يتجاهلونها عمدا، ومنها شجاعتهم وقوة عزيـمتهم وصدق معتقدهم، ورسوخ إيمانهم بأنهم على حق في نشر الإسلام وتبليـغ رسالته.
وتقييد أو حصر وصف «بدو رحل» على العرب ظلم وغير عادل، إضافة لذلك، يوضح فقدان الفهم للتاريخ العربي لدى من يسقط هذا الوصف من الكتاب الغربـيين على عموم العرب. فالعرب بناؤون للحضارات ــ حتى قبل الإسلام ــ وتشهد بذلك الحضارات المعينية والقتبانية والسبئية والحضرمية والحميرية في الجنوب العربي، وفي الشمال النبطيون والغساسنة والمناذرة، والحضارة العربية الإسلامية تتكلم عن نفسها. ومما يتضح، فإن مغالطات الغربـيين عن العرب تـتعدى وتـتجاهل حقائق التاريـخ حـيث وراءها ما وراءها، وقـد تكـون انـتـصارات العـرب في نشـر الإسلام في بقاع الأرض وصولا إلى بـلاد الأنـدلس، وطـرد الصليـبـيـين من بـلاد الشام وتوغـل المـد الإسـلامي إلى عمـق أوروبـا بـواسطـة العثمانيـين.. دافـعا للتـقلـيـل من شأن العـرب كما هـو مشاهـد حتى يومـنا هـذا، وسبـبا لما جـرى في الماضي القريب ولما يجري حاليا في العالم العربي، وللغرب دور في ذلك .. والله أعلم.