الاختلاف ضرورة التطور .. !

شتيوي الغيثي

دائما ما يطرح الآخرون على الكثير من الناس بأنهم يحبون أن يختلفوا مع مجتمعهم وهي تهمة لم تسلم منها التيارات التي تميل إلى الانفتاح تحديدا، ربما لتهمة التغريب أو غيرها، لكن القضية ليست بهذا الأمر وإنما بدرجة الوعي في أي خطاب ثقافي أو اجتماعي أو سياسي يطرح على الجماهير.
الوعي يتطلب الاختلاف عن السائد بالضرورة سواء قصدت ذلك أم لم تقصد والأهم تكون مختلفا وواعيا بهذا الاختلاف وأبعاده، فهذا سر استقلاليتك لكن هذا الاختلاف لا يمكن أن ينتج فاعليته إلا من خلال العمل على الذات، ومن خلال معرفة مدى قيمة ما تعمل عليه من اختلاف يمكن أن تطرحه للآخر وتحاول إقناع الآخر بمدى فاعليته، حتى وإن كان ذلك مخالفا لما يريده الناس أو يتقبلونه تقبلا مبدئيا، وتتميز قيمة الاختلاف بمدى صدورها عن ذاتك المفكرة أو المستقلة من غير أن تكون مجرد تقليد للآخرين، فقيمتك هي قيمة تفردك، وقيمة تفردك ناتجة عن قيمة وعيك بذاتك ووعيك بقدرتك على التغيير أو الاختلاف، إذ ليس هناك من قيمة لذاتك حينما تكون مجرد مستنسخ عن الآخرين اختلافهم، وهذا مشكلة العقل التقليدي كونه عقل استنساخي لفكر سبق أن استنسخ من فكر سابق عليه، وهكذا يجتر فكره كل مرة من غير أن يسعى إلى تجاوزه؛ فضلا عن أن يأتي بشيء مختلف عنه بالكلية كنوع من القطيعة مع العقل التقليدي.
لكن هذا الاختلاف له ضريبته في مجتمع تقليدي يحاول أن يقولب المجتمع في قالب واحد. قالب من صياغة نوع واحد: بالشكل، بالملبس، بالفكر، بالسلوك، وحتى في طريقة الكلام، وكونك سوف تكون مختلفا لتحقيق شيء من الاستقلالية ولو في جزء بسيط، يعني ذلك رفض هذا التقولب الذي يفرضه المجتمع فرضا دون أي اعتبار للخيارات المتعددة أو الاختيار الفردي، وهذا ليس من طبيعة المجتمعات التقليدية كونه لا يرى إلا ذاته الممثل الوحيد عن الرؤية الصحيحة لأي مجال من المجالات، لكن على الفرد أن ينتزع حقه في الاختلاف انتزاعا ولا ينتظر أحدا أن يمنحه هذا الحق، لأن الاختلاف يدفع إلى رفض السيطرة على الفكر أو العقل أو الممارسة الفردانية وهذا ما يجعل الكثير من التقليديين في المجتمع يرفضون الاختلاف لما له من أثـر في هدم القمعية التي يتميز بها البعض من الناس وهم الأكثر تشنجا في رفض الاختلاف.
الخوف من الاختلاف يوحي بعدم ثقة المجتمع من قيمه أو من فكره لأنه بني على نوع الإجبار، وهنا تصبح شرعيته مهـزوزة قليلا أمام العديد من الخيارات الأخرى التي تطرح ذاتها بقوة بجانب الفكر التقليدي. والهشاشة التي يحملها الفكر التقليدي أكثر مما يتوقع صاحبها، وهذا ما يجعل التحولات في المجتمع سريعة جدا، خاصة حينما استطاع المجتمع الانفتاح على الآخر انفتاحا شبه مباشر، ولذلك نحن نرى المجتمعات التي فيها خيارات متعددة أكثر قابلية للمختلف من المجتمعات التقليدية..
كنا نقرأ أن اختلاف العلماء رحمة وهذا ما صاغ لنا العديد من المذاهب الفكرية والفقهية على طول تاريخ الإسلام يجعل الواحد يقضي سنوات طوالا في دراستها، لكننا نكتشف أن الاختلاف صار نقمة في المجتمع التقليدي؛ إذ لا يمكن اعتبار أي رأي فقهي خارج الرأي الفقهي العام في أي قضية من القضايا، وكأن معرفتها مجرد تحصيل حاصل أو من باب العلم بالشيء ليس أكثر.
الاختلاف فيه الكثير من الألم في المجتمع التقليدي، سواء جاء هذا الاختلاف من قبل الرجل أو من قبل المرأة؛ لكنه ضرورة معرفية وثقافية واجتماعية وتنموية وسياسية كذلك لكي لا يستفرد بالمجتمع تيار أوحد يقولب الناس وأفكارهم، ومن ثم حياتهم، على ما يريد.