عبودية الوظيفة
السبت / 16 / شعبان / 1435 هـ السبت 14 يونيو 2014 20:27
حسن النعمي
من يتذكر فيلم صلاح أبو سيف (البداية) يدرك وسائل السيطرة على الأفراد، وتوجيه طاقاتهم للإذعان بمسميات وظيفية تصبح بحد ذاتها آسرة من حيث عدم القدرة على الفكاك منها، إذ تمثل الحماية ومورد الرزق الأوحد دون إحداث فرق في حياة صاحب الوظيفة.
منذ البدء احتاج الإنسان للعمل حتى يبقى على قيد الحياة، ولم تتبدل الصورة كثيراً رغم تطور البشرية. في البدء كان العمل ذاتياً، يعمل الإنسان لأجل ذاته، فكان ذلك يمثل استقلالا معنويا وماديا مهما. لم يستقر الأمر على هذه الحال، فتبدلت الصورة وأصبح هناك صاحب عمل مهيمن في مقابل باحثين عن عمل من أجل البقاء. هنا ظهر مفهوم السخرة. واستغل الإنسان أبشع استغلال. وظهر مفهوم العبودية حتى فقد الإنسان أهم ما يملك، حريته.
هذه العبودية تجاوزت مجرد العمل لقاء لقمة العيش إلى التحكم في مصير الإنسان وتوجيه رغباته وقدراته بما يوافق أصحاب الإقطاعات الكبيرة. لقد مثلت العبودية قوة اقتصادية هائلة تتطور وتزدهر على حساب الإنسان المملوك لصاحبه.
وجد الإسلام ظاهرة العبودية تمثل قوة اقتصادية عند العرب، فتعامل معها من منظور إنساني دون خلخلة أبنية المجتمع حتى استطاع ترسيخ مفهوم الكراهية تجاه العبودية، وجعل أجر إعتاق الرقاب كبيرا تخلصا متدرجا من عبودية مطبقة.
استمرت المجموعات البشرية شرقا وغربا في تسخير الإنسان للإنسان، ونشطت أسواق النخاسة بيعا صريحا لأهلية الإنسان. ولم تسن قوانين تجريم العبودية الصريحة إلا في القرن العشرين.
في القرن العشرين ومع تزايد الثورة الصناعية ظهرت الحاجة للعمالة، فنزل الرجال والنساء للعمل في المصانع والمزارع، ولكن هذه المرة وفقا لقوانين توضح العلاقة بين صاحب العمل ومن يعمل في تلك الوظائف، ظهرت نقابات عمالية تدافع عن حقوق العمال. غير أن رأسمالية المجتمعات كانت أقسى من ظروف العمال من حيث تزايد تكاليف الحياة وارتفاع مستوى المعيشة، هنا ظهرت البنوك تقرض المال مقابل الاستقطاع من الراتب الوظيفي. هنا بدأت ملامح من الأسر تقيد الإنسان وتربطه بوظيفته التي لا يستطيع الفكاك منها، إذ كل احتياجاته مرهونة بالاستقطاع. هل نحن أمام شكل من أشكال العبودية؟
ظهرت مقولة عباس محمود العقاد «الوظيفة عبودية القرن العشرين» في هذا السياق، إذ ليس بمقدور الإنسان أن يتحرك أبعد من وظيفته، فهو يخاف أن يفقدها، وإن فقدها ضاعت منه فرصة العيش الكريم. هذا التصور المرعب هو ما يجعل الإنسان منكسرا أمام وظيفته، غير مبدع، بل غير قادر على تحقيق ذاته.
واقع الحال أن الوظيفة هي عقد عمل توضح فيه الحقوق والواجبات، لكن لأن العامل أو الموظف هو الأقل نفوذا تصبح المعادلة غير متوازنة. كثير من حقوق الموظف مرهونة بمزاج صاحب العمل سواء كان حكوميا أو خاصا. من هنا تظهر أهمية وجود هيئات وجمعيات للموظفين والعمال. فصاحب العمل هو الذي يصوغ قوانين العمل ويحدد الأجر، ويملك قرار الاستغناء عن خدمات الموظف أو العامل. في قوانين الدول المتقدمة، حيث النقابات العمالية، توضع قوانين العمل بالمشاركة بما يحقق مصلحة الطرفين.
طبيعة العمل تنقسم إلى وظائف قطاع عام حكومي وقطاع خاص. والفرق أن الحكومي يسير بوتيرة باردة، فهو قليل المفاجآت وبطيء التغير، ومحدود الدخل، لكنه معدوم المخاطرة. أما الخاص فعكس الحكومي تماما، يمضي بوتيرة متسارعة، حافل بالمفاجآت، سريع التغير، دخله متصاعد بشكل لافت، لكنه ينطوي على مخاطرة أقلها النقل المفاجئ أو التكليف بمهام تفوق طاقة العامل، أو الاستغناء المفاجئ. من هنا ظهرت فكرة الأمان الوظيفي أو الرضى بالقليل خير من التطلع للكثير الزائل.
هذا هو الحال في العالم العربي، حيث الثقافة الحقوقية غائبة. وإن وجدت لم تفعل بالشكل المؤثر في حياة الموظف. الموظف إما أن يرضى بالقليل، أو يتمرد على نفسه وظروفه ويعمل في القطاع الخاص المربح مقارنة بالقطاع الحكومي مع تحمل تبعات المخاطرة.
التصور المعقول أن تكون ظروف العمل واحدة من حيث التشجيع والمراقبة وتطبيق مبدأ الثواب والمحاسبة. ولا يتأتى هذا إلا عند احتساب المؤهل التعليمي والكفاءة الوظيفية في تحديد المرتبات في القطاعين بطريقة متقاربة، وتصميم بيئات متساوية للعمل مثل تحديد ساعات عمل واحدة بين القطاعين. إضافة لذلك، استثمار مبدأ الحوافز الوظيفية في وظائف القطاع الحكومي، ثم تطبيق التقييم السنوي لأداء الموظف.
هل يحد ذلك من الإحساس بالقيد الوظيفي؟ ربما، لكن المهم تغيير بيئات العمل بما يشعر الموظف أنه سيد نفسه له حرية الإبداع، ويحظى بالترقيات بناء على أدائه، وليس على مدد زمنية يتساوى فيها مع غيره ممن لا يبدع ولا يبتكر.
منذ البدء احتاج الإنسان للعمل حتى يبقى على قيد الحياة، ولم تتبدل الصورة كثيراً رغم تطور البشرية. في البدء كان العمل ذاتياً، يعمل الإنسان لأجل ذاته، فكان ذلك يمثل استقلالا معنويا وماديا مهما. لم يستقر الأمر على هذه الحال، فتبدلت الصورة وأصبح هناك صاحب عمل مهيمن في مقابل باحثين عن عمل من أجل البقاء. هنا ظهر مفهوم السخرة. واستغل الإنسان أبشع استغلال. وظهر مفهوم العبودية حتى فقد الإنسان أهم ما يملك، حريته.
هذه العبودية تجاوزت مجرد العمل لقاء لقمة العيش إلى التحكم في مصير الإنسان وتوجيه رغباته وقدراته بما يوافق أصحاب الإقطاعات الكبيرة. لقد مثلت العبودية قوة اقتصادية هائلة تتطور وتزدهر على حساب الإنسان المملوك لصاحبه.
وجد الإسلام ظاهرة العبودية تمثل قوة اقتصادية عند العرب، فتعامل معها من منظور إنساني دون خلخلة أبنية المجتمع حتى استطاع ترسيخ مفهوم الكراهية تجاه العبودية، وجعل أجر إعتاق الرقاب كبيرا تخلصا متدرجا من عبودية مطبقة.
استمرت المجموعات البشرية شرقا وغربا في تسخير الإنسان للإنسان، ونشطت أسواق النخاسة بيعا صريحا لأهلية الإنسان. ولم تسن قوانين تجريم العبودية الصريحة إلا في القرن العشرين.
في القرن العشرين ومع تزايد الثورة الصناعية ظهرت الحاجة للعمالة، فنزل الرجال والنساء للعمل في المصانع والمزارع، ولكن هذه المرة وفقا لقوانين توضح العلاقة بين صاحب العمل ومن يعمل في تلك الوظائف، ظهرت نقابات عمالية تدافع عن حقوق العمال. غير أن رأسمالية المجتمعات كانت أقسى من ظروف العمال من حيث تزايد تكاليف الحياة وارتفاع مستوى المعيشة، هنا ظهرت البنوك تقرض المال مقابل الاستقطاع من الراتب الوظيفي. هنا بدأت ملامح من الأسر تقيد الإنسان وتربطه بوظيفته التي لا يستطيع الفكاك منها، إذ كل احتياجاته مرهونة بالاستقطاع. هل نحن أمام شكل من أشكال العبودية؟
ظهرت مقولة عباس محمود العقاد «الوظيفة عبودية القرن العشرين» في هذا السياق، إذ ليس بمقدور الإنسان أن يتحرك أبعد من وظيفته، فهو يخاف أن يفقدها، وإن فقدها ضاعت منه فرصة العيش الكريم. هذا التصور المرعب هو ما يجعل الإنسان منكسرا أمام وظيفته، غير مبدع، بل غير قادر على تحقيق ذاته.
واقع الحال أن الوظيفة هي عقد عمل توضح فيه الحقوق والواجبات، لكن لأن العامل أو الموظف هو الأقل نفوذا تصبح المعادلة غير متوازنة. كثير من حقوق الموظف مرهونة بمزاج صاحب العمل سواء كان حكوميا أو خاصا. من هنا تظهر أهمية وجود هيئات وجمعيات للموظفين والعمال. فصاحب العمل هو الذي يصوغ قوانين العمل ويحدد الأجر، ويملك قرار الاستغناء عن خدمات الموظف أو العامل. في قوانين الدول المتقدمة، حيث النقابات العمالية، توضع قوانين العمل بالمشاركة بما يحقق مصلحة الطرفين.
طبيعة العمل تنقسم إلى وظائف قطاع عام حكومي وقطاع خاص. والفرق أن الحكومي يسير بوتيرة باردة، فهو قليل المفاجآت وبطيء التغير، ومحدود الدخل، لكنه معدوم المخاطرة. أما الخاص فعكس الحكومي تماما، يمضي بوتيرة متسارعة، حافل بالمفاجآت، سريع التغير، دخله متصاعد بشكل لافت، لكنه ينطوي على مخاطرة أقلها النقل المفاجئ أو التكليف بمهام تفوق طاقة العامل، أو الاستغناء المفاجئ. من هنا ظهرت فكرة الأمان الوظيفي أو الرضى بالقليل خير من التطلع للكثير الزائل.
هذا هو الحال في العالم العربي، حيث الثقافة الحقوقية غائبة. وإن وجدت لم تفعل بالشكل المؤثر في حياة الموظف. الموظف إما أن يرضى بالقليل، أو يتمرد على نفسه وظروفه ويعمل في القطاع الخاص المربح مقارنة بالقطاع الحكومي مع تحمل تبعات المخاطرة.
التصور المعقول أن تكون ظروف العمل واحدة من حيث التشجيع والمراقبة وتطبيق مبدأ الثواب والمحاسبة. ولا يتأتى هذا إلا عند احتساب المؤهل التعليمي والكفاءة الوظيفية في تحديد المرتبات في القطاعين بطريقة متقاربة، وتصميم بيئات متساوية للعمل مثل تحديد ساعات عمل واحدة بين القطاعين. إضافة لذلك، استثمار مبدأ الحوافز الوظيفية في وظائف القطاع الحكومي، ثم تطبيق التقييم السنوي لأداء الموظف.
هل يحد ذلك من الإحساس بالقيد الوظيفي؟ ربما، لكن المهم تغيير بيئات العمل بما يشعر الموظف أنه سيد نفسه له حرية الإبداع، ويحظى بالترقيات بناء على أدائه، وليس على مدد زمنية يتساوى فيها مع غيره ممن لا يبدع ولا يبتكر.