علاج الجسد .. بكاء الروح

نايف الرشدان

أخذت تطل برأسها من بين باقات الورود الجميلة التي تحفها من كل جانب، تنز روحها لرؤية مولودها الذي كان يرفرف أمام عينيها، شابة في مقتبل الأمومة، تعلق قلبها بحلمها البكر، إنه الطفل الأول في محطات حياتها وهي تتهجى حروف الإنجاب، تنتظر أن يخلع عليها لقب أم، تسعة أشهر عميقة المعنى، أولها شعور بالفرح وأوسطها تفنن في اشتراء الملابس وختامها محطة الانتظار لهطول الحلم،
ليهطل بزرقته المفاجئة لكنه لون كما وصف لها من قبل بالمؤقت، مضى نهار مرير يشبه الانتظار الحارق، كانت تتحرك ببطء ورغم آلام الوضع إلا أنها كانت سعيدة، نظراتها لم تتوقف تتعاقب على قسم الحضانة، تضاء المصابيح وتنطفئ وهي في رغد الانتظار، تقاوم التعب اللذيذ، ترقب الحلم الفتي، كلما أقبلت الممرضة تلتقط يدها، ترمق ملامحها تستنطقها، تنادي بصوت خفيض موجوع: أين الطفل؟ ويختطف الحوار زوجها الشاب مطمئنا ومنوها ومؤملا، أسر الأب في صدره حقيقة الحلم المتداعي، وستر عنها خبرا جارحا متحاملا على انكسار طموح الأبوة وشعاعه للمرة الأولى، لكنه آثر على نفسه ألا يتحطم قلب الأم، ستر عنها سقوط المولود من يد القابلة وارتطام رأسه بجسم صلب، ليس هناك أعظم لوعة من أمل بريء يدعكه ألم بطيء، دخل الاستشاري الذي لا يكترث بمن حوله وطلب الأم والأب على انفراد قال دون تمهيد: بصريح العبارة ابنكما لن يعيش طويلا وإذا عاش فسوف يكون كسيحا معطل الأركان، ارتجفت أضلع الأم وتدافعت عبراتها، فقدت نور الأمل هكذا ببخة واحدة... انهار بناء أحلامها تطوف على مخيالها ملابسه استعدادها فرحتها وقت التسوق.
لولا أن الأب أخذ يربت على كتفها مطبطبا ومسترجعا وهو يقول كل شيء بأمر الله...وذكرها بأن الله يعطي ويمنع، يكتب الحياة والموت، يقدر البلاء والعافية، بيده العلة والشفاء، ومع إيمانها العميق بذلك الرباط الرحماني إلا أن صدمة الطبيب لها أشبه ما تكون بهزة فاجعة تقتلع شجرة حلمها ورجفة تخلع قلبها الطري !!!.... اصطحب زوجه المكلومة الحزينة وقبل أن يخرج من المشفى كتب في ورقة تركها للطبيب:
«عزيزي الاستشاري منحك الله حذاقة الطب وأصبت من مهارة المهنة لكنك حرمت نفسك من وقار الحكمة، متى تعلمون أنكم لاتداوون الأبدان فحسب حين غفلتم عن فهم الأنفس، لديكم عقار للجسد وعوار للروح، إنكم تغلقون على آثار مشارطكم، لكنكم تنكأون جراحا غائرة .. تظل مفتوحة كعلامات الاستفهام ...»