كرة القدم وصناعة المعنى

شتيوي الغيثي

العالم مليء بالرموز الثقافية التي يمكن قراءة دلالاتها الثقافية، فالإنسان يفكر باللغة (اللغة أوسع من الكلام)، واللغة بطبعها ذات إشارات ورموز تأويلية دائما ما يسقطها الإنسان على واقعه لصناعة معنى من أي حدث. الفلسفة الحديثة، خاصة بعد التفكيكية قالت بغياب المعنى، لكن جاءت الفلسفة التأويلية لعيد فكرة المعنى من جديد حسب الرؤية الإنسانية المؤولة، مستفيدة من فكرة تعددية المعنى وارتباطه بالإنسان المؤول، وهي أحد وجوه نظريات التلقي أو القراءة التي أتت مع المناهج النقدية الحديثة.
وبحكم أننا نشهد مباريات كأس العالم في البرازيل منذ أسبوعين فإن صناعة المعنى في كرة القدم تتحقق مع كأس العالم أكثر من غيرها حيث يسقط البعض فكرة الهويات على لعبة كرة القدم، وتحديدا بعد مشاركة الجزائر بوصفها ممثلة العرب الوحيدة في هذا المونديال، وللأسف فقد خسرت الجزائر في أول مباراة لها مما جعل كل الآمال المعقودة على الجزائر، وبما تحملها من هوية عربية، تذهب أدراج الرياح، وتعيد فكرة الفشل العربي إلى الأذهان. الزميل الكاتب فايد العليوي كتب تغريدة طريفة في تويتر مضمونها أن كرة قدم العرب مثل ربيعها. هنا تصنع الكرة معناها الخاص سيميائيا حسب قارئ الحدث.
في حمأة الهزيمة الجزائرية على أرض الملعب كتبت بأن كرة القدم لا تنحاز للهويات بقدر ما أنها تنحاز للفن، على اعتبار أنها هي ذاتها فن، رغم كل ما ألحق فيها من ناحية الهوية الثقافية، والفن لا ينحاز إلا لمن يقدره، ولا تقدره إلا الشعوب التي أخذت حظها من التطور الثقافي. ابن خلدون يعتبر أن أول ما يسقط من الحضارة فنونها.
وأيا يكن الأمر، فالمعاني التي يمكن أن تصنعها كرة القدم كثيرة، إلا أن حضور الهوية يكون أكثر من غيرها بوصفها أعلى المعاني الإنسانية التي يتماهى معها الفرد داخل المجموع، والمعاني الكروية العديدة تتشكل وفق من يمنحها بعدا أكثر على أرض الملعب.