رحل ولم يمت

عبدالله إبراهيم السقاف

** لم تمت المروءة..
** ولم يمت الحب..
** ولم يمت الصدق والوفاء..
** ولم يمت الخلق النفيس.. ذلك أن صاحب كل هذه السمات هو خالد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود الذي لا زال حيا في الوجدان.. نسمعه، ونراه، ونعيشه، ونعايشه -رحمه الله-.
** نعم استرده خالقه الى برزخه في عليين- في ليلة مباركة وشهر مبارك- لينعم به تكريما لجمال إيمانه الروحي.. فهو الواهب والمسترد- جلت قدرته-.
** لقد رحل الخال والوالد لأسباط الملوك بندر بن خالد بن عبدالعزيز وخالد الفيصل بن عبدالعزيز وسعد الفيصل بن عبدالعزيز أحبتي ونور عيني.
** أزعم وبفخر أني كنت من خاصة خاصته -رحمه الله- على مدار أربعة عقود ونيف لأنه يقدر الوفاء لأحبته الأوفياء له.
** وكان -رحمه الله- متواضعا تواضع الكبار.. بسيطا في تعامله.. حريصا في غوثه بصمت.. لا يمتلك خواصه وتميزه وتفرده في ذلك الحرص.. وذلك الغوث أحد متى ما تأكد منه صدقا.. فعندما أتذكره -رحمه الله- يسبقني شغفي إليه.
** لقد كان -رحمه الله- وديعا ورقيقا في تواضع جم لا يخدش هيبته..
** مترف في أنسه.. ومترف في علاقته.. ومترف في وجدانه.. لم يسكن داخله يوما (التخمط) ذلك أنه عنوان التواضع والقرب واللين لأحبته ومريديه من صحابته.. وكنت أستمد القوة منه.
** وحسبي من له هذه السمات تراه مزارا للكبار والصغار.. مثل خالد بن تركي -غفر الله له- يبادلونه حبا بحب.. ووفاء بوفاء.. اسمه يسبق وصوله دائما الى أي مكان في الدنيا.
** كان عاشقا للفن والشعر والأدب وأثر التراث.. صامت ومفوه وفطن في آن واحد معا.. وهذه سمة خاصة به قلما تتوافر في رجل مثل خالد بن تركي.. لا يحب اللغط والصوت المرتفع.
** مصرفي ورجل أعمال وإداري مهني وعصامي ومستلهم لسيرة الصالحين من الدرجة الأولى وباقتدار إن شاء الله.
** لقد تعود من وفائه -رحمه الله- أن يقوم ما بين كل شهر وأخيه كل ما شعر بالضيق بزيارة مسائية لصديق عمره الأستاذ أحمد صادق الشاعر الغنائي المعروف -رحمه الله- وهو صديق مشترك.. نتناول العشاء ثلاثتنا لا يشاركنا أحد.. وذات ليلة قبل إثنا عشر عاما خابرني الأخ أحمد وطلب مني أن لا أبرح المنزل بحجة أنه سيمر علي ليأخذني إلى منزل سموه ثم نتجه ثلاثتنا إلى داره كالعادة.. وما هو إلا وقت يسير وإذا جرس الباب يدق فسارعت إلى الباب وإذا بهما معا.. فذهلت من المفاجأة.. قال سموه -رحمه الله- أنا والأخ أحمد جئنا للاطمئنان على السيدة الوالدة في وعكتها.. يا له من فضل.. ويا لها من دماثة خلق.. فلم أتمالك نفسي وانهمر دمعي لهذا الجمال.
** أبلغت سيدتي الوالدة المقعدة بذلك على التو فرحبت وخفت أوجاعها المزمنة وأمرت عاملة منزلها بإحضار قهوتها التي تعودت عليها بالزنجبيل المغلية بالزبيب واستضافته - رحمها الله- وقال لها سموه: أي خدمة لك لا تكلمي عبدالله فقط اتصلي بي، وأردف مداعبا لها أنا أحق بزيارتك من شيخنا أبو تراب الظاهري وسالم شكري وعبدالقادر شريم.. ففرحت فرحا بالغا وضحكت ضحكة جميلة حتى بانت نواجذها ودعت لسموه دعاء مستفيضا.. كان ذلك قبل وفاتها بأشهر.
** هل رأيتم سموا كهذا السمو وارتفاعا كهذا الارتفاع.. رحمك الله يا خالد وأفاء الله عليك بالرحمة والغفران في مستقرك الأخير.
** لقد رحل أخي وحبيبي الذي أغدق علي جم لطفه وتركني يتيما.. فمن لي بعده أتفيأ دفء خبأه؟
** اللهم أغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
** اللهم وسع له جنبات قبره ليستقر ويستريح.. واغسله بالماء والثلج والبرد يا أرحم الراحمين.
** اللهم اعصم قلوب أنجاله النجوم والكواكب عبدالله وفيصل وسعود ومحمد وكافة أفراد أسرته الكريمة وأسباطه وأبناء عمومته بالصبر والسلوان.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.