مجمع اللغة الأمل الكسيح

نايف الرشدان

من الآمال التي أتعبت الخطى في ميادين البحث العلمي والمشهد الثقافي المحلي وجود مجمع لغوي سعودي لتزايد الحاجة إليه، فليس الوطن بأقل إمكانات وقيمة وتحضرا وثقافة وعلما من البلدان التي اعتنت بهذا الجانب، لقد تم إنشاء أقدم مجمع للغة العربية في دمشق عام 1918م، ثم أنشئ المجمع العلمي اللبناني في بيروت عام 1927م ولم يستمر سوى عامين لعدم وجود دعم مادي، ثم أنشئ مجمع اللغة العربية الأشهر في القاهرة 1932م، ثم المجمع العلمي العراقي في بغداد عام 1948م، بعدها مجمع اللغة العربية الأردني في عمان عام 1972م، ثم مجمع اللغة العربية في السودان ــ الخرطوم قبل تحوله، ثم أكاديمية المملكة المغربية للتعريب في الرباط، وكنت أتمنى أن مجمع اللغة العربية بالرياض أمل متحقق فعلا ومشروع منفذ على سطح الواقع وليس في الأحلام، بل ليس مشروعا مؤجلا منذ خمسة عشر عاما، فالرياض شهدت قفزات حضارية وعلمية في خمسين عاما بنسبة تعتبر الأولى فيها مقارنة بمدن تاريخية تفوقها بسرعة التطور والتجدد والمواكبة لمعاني العصر ولغاته، مدينة استجابت لأحدث المتغيرات، واتصلت عالميا بجميع القيم الثقافية والفنية والمعرفية دون ذوبان للهوية التاريخية، ولا يمنع أن يكون المقر في أي مدينة أخرى، فقد عاشت الدولة ــ حماها الله ــ قرنا في رقي وتطور قفز خلاله التعليم الجامعي قفزات مذهلة، وارتقى الفكر والإعلام والفن والثقافة رقيا مشهودا، حتى إن الإبداع السعودي شاخص متنامٍ بفضل الجهود والمهرجانات الثقافية التي استضافتها المملكة، فهي تحتضن العديد من المؤسسات من جمعيات ثقافية وأندية أدبية ودور نشر ومنتديات علمية وصوالين فكرية وغيرها، إلى جانب الكليات المتخصصة والحديثة، ولأننا بلد يشهد الرخاء في جميع مناحيه، ما زلنا نتطلع وتشرئب أعناقنا شوقا لوجود مجمع علمي عصري، فالمملكة قادرة على أن تضخ فيه الحياة والحيوية وما تزخر به ساحاتها العامة وقاعاتها العلمية من أساتذة وعلماء وأدباء وموهوبين قادرين على الإفادة من الإمكانات والجهود، وذلك بصناعة أرقى مجمع للغة العربية والعلوم والحضارة، محافظ على الأصالة مستجيب للحداثة، يحظى بعلاقة وثيقة مع عصره لغة وعلما وتقنية، ولعل الأعجب أن نماذج من علمائنا في اللغة العربية كانوا أعضاء في تلك المجامع اللغوية العربية، والآن نحن في أمس الحاجة إلى المجمع اللغوي الشاب الفتي الحديث المتطور، كنت في حلم لهنيهات قطعه نداء أبي الطيب المتنبي وهو يمسح لحيته بيده في لطافة ويقول:
ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام