خلاف «الوزارة» مع «المؤسسات» .. واختلاف الأحكام!

غسان بادكوك

قد لا أبالغ إذا ما زعمت أن أحد أهم الأخبار المحلية التي اطلعت عليها الأسبوع الماضي وكانت مصدر سعادة بالنسبة لي، ومؤشر اطمئنان على مستقبل النزاهة في بلادنا هو الخبر المنشور في مكان بارز على الصفحة الأخيرة من جريدة عكاظ تحت عنوان: («الاستئناف» تؤيد حل مجلس مطوفي حجاج إيران)، مع حرص الجريدة على التنوية عن الخبر على صدر صفحتها الأولى، وتكمن أهمية هذا الحكم ــ في تقديري ــ في كونه يرسل رسالتين في غاية الوضوح؛ أولهما عن وجود رغبة حقيقية في مكافحة الفساد، وثانيهما عن نزاهة القضاء السعودي؛ وذلك على الرغم من الانطباع المجتمعي العام عن بطء جهود التصدي للفاسدين على ضوء محدودية تأثير هيئة نزاهة في القيام بالدور المأمول منها حتى الآن.. على الأقل.
وتعود تفاصيل حكم محكمة الاستئناف السالف الذكر إلى موسم حج عام 1433هـ بعد صدور قرار معالي وزير الحج بحل مجلسي إدارة مؤسستين أهليتين لمطوفي الحجاج، وإعفاء أعضاء مجلسي الإدارة المسؤولين عن التجاوزات فيهما أو الذين تدور حولهم شبهات جنائية، وإحالة من ثبتت عليهم مخالفات إلى مجلس تأديب أرباب الطوائف الذي أوقع عليهم عقوبات متفاوتة، علما بأن مجلس التأديب يضم في عضويته ممثلا لكل من وزارة الداخلية وديوان المظالم، بالإضافة لممثلي وزارة الحج، ولعل ما يستحق التوقف عنده في هذا الصدد هو غياب هيئة نزاهة عن هذا الموضوع تماما؛ وقد يكون لذلك مبرر لا أعلمه.
وكانت المؤسسة الأهلية التي صدر حكم الاستئناف المشار إليه أعلاه ضدها قد قامت في موسم حج سابق بالمتاجرة بمخيمات خاصة بالحجاج الذين يفترض أن تخدمهم، ما أدى إلى حرمان أولئك الحجاج من حقوقهم المكتسبة مقابل الأجور التي دفعوها، والتكسب غير المشروع من وراء ذلك، والتسبب في تفاقم مشكلة الافتراش لعدم كفاية المساحة المخصصة لأولئك الحجاج مقارنة بعددهم، هذا بالإضافة إلى الحرج الذي يمكن أن يسببه ذلك على بلادنا الغالية، والتأثير سلبا على الجهود الضخمة والمبالغ السخية التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ لخدمة حجاج بيت الله الحرام، ورغم كل ذلك، قامت تلك المؤسسة برفع دعوى أمام المحكمة الإدارية بمكة المكرمة تتظلم فيها من قرار الوزارة بحل المجلس!.
إلا أن الحكم النزيه لمحكمة الاستئناف جاء لصالح سمعة بلادنا بتأييده لموقف وزارة الحج؛ مستندا على صحة الإجراءات التي اتخذها الوزير، وصوابية قراراته المبنية على المصلحة العامة، وذلك بموجب الصلاحيات المخولة له استنادا إلى مرسومين ملكيين كريمين، واللوائح التنفيذية الصادرة من مقام مجلس الوزراء الموقر، والتي تنص على أن وزير الحج هو المرجع في كل ما يتعلق بشؤون الطوائف وهيئاتها، وإدارتها، وحل مشاكلها، وتحديد واجبات ومسؤوليات منسوبيها، والإجراءات والجزاءات الواجبة الاتباع للإشراف عليهم، وضمان حسن قيامهم بتلك الواجبات.
الجدير بالذكر هنا هو أن قرار محكمة الاستئناف هو نهائي وواجب النفاذ، وهذا تحديدا هو ما جعلني أكتب عن هذه القضية اليوم باعتبارها قضية محسومة قضائيا من قبل أعلى درجات المنظومة العدلية في البلاد، إلا أن هناك قضية أخرى مشابهة خاصة بمؤسسة أهلية ثانية حدثت فيها تجاوزات أكبر وموثقة بالأدلة والبراهين؛ قد أخذت منحى قضائيا مغايرا تماما، حيث جاء قرار الاستئناف لصالح تلك المؤسسة بإلغاء قرارات الوزارة ضدها! وذلك على الرغم من صدور قرار مجلس التأديب ضد مجلس إدارة المؤسسة المنحل، متضمنا عقوبة الإقصاء من الخدمة لبعض أعضاء مجلس إدارتها، وذلك قبل صدور حكم محكمة الاستئناف.
التباين السابق بين الحكمين يطرح عددا من التساؤلات أبرزها حول سبب هذا التفاوت الواضح في قضيتين متماثلتين؟ سواء من حيث الظروف والملابسات، أو التجاوزات والمخالفات، فضلا عن تشابه قرارات الوزارة المختصة بشأنهما، وكذلك أحكام مجلس التأديب ضدهما، هذا فضلا عن اختصاص الوزير المعني في كلتا القضيتين بإصدار القرارات بموجب نصوص نظامية واضحة لا تحتمل اللبس وبما يؤدي لتحقيق المصلحة العامة، ويصون سمعة بلادنا، ويصب في مصلحة حجاج بيت الله الحرام وفق الأنظمة المرعية.
ختاما، لا يساورني شك في كفاءة مؤسساتنا القضائية، وكذلك في احترام وزارة الحج لكل ما يصدر عن المحاكم في المملكة، بقدر ثقتي في حق الوزارة في ممارسة حقها النظامي في طلب إعادة النظر في حكم محكمة الاستئناف تجاه المؤسسة الثانية، ولا سيما أن القضية لا تتعلق بأفراد مهما كانت درجة تمكينهم؛ بل بصورة بلادنا، وبجهودها الجبارة لتيسير فريضة الحج، سواء لحجاج الداخل أو للمسلمين من كافة أنحاء المعمورة، خصوصا أن استمرار عمل بعض مجالس إدارة المؤسسات الأهلية للحجاج التي لا تلتزم بأنظمة الدولة ولا بقرارات ذراعها التنفيذية المختصة، وهي وزارة الحج، من شأنه إلحاق الضرر بجهود مكافحة الفساد من جانب، وتشويه الجهود الحكومية الهادفة إلى الارتقاء بخدمة ضيوف الرحمن من الجانب الآخر، سائلا الله ــ عز وجل ــ أن يوفق قضاءنا للمزيد من الحق والعدل والمساواة.