دراما مصرية جديدة
الجمعة / 21 / رمضان / 1435 هـ الجمعة 18 يوليو 2014 18:31
إبراهيم عبدالمجيد
طوفان الدراما المصرية هذا العام يختلف عنه في الأعوام السابقة، لا أقصد الكم لكن الكيف، ويستحق أن نقف عنده رغم أن مقالا أو حتى عشرة مقالات لن تكفي، لكن ملامح مهمة لم تكن موجودة من قبل في الدراما المصرية في السنين الماضية، وأول ما تلاحظه هو تيترات المسلسلات أو مقدماتها الغنائية وما تحويه من مشاهد جري العرف أن تسمع في التيتر أغنية تلخص المسلسل تقريبا وتفتح طريق المشاهد لانتظار أن تتحقق الأغنية، ففي الشهد والدموع مثلا لأسامة أنور عكاشة تسمع:
تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب
كلنا بنجرى ورا نفس السراب
كلنا من أم واحدة.. أب واحد.. دم واحد
بس حاسين باغتراب
من حنان الحب هل الغل جانا
من مرارة الغل جلجل صوت رجانا
نبكى من الغل اللي بيعكر حياتنا
ولا من الحب اللى هدهدنا وشجانا
يا زمان الغربة ليلك بيحاصرنا
وفى ضلامه المر طاوينا وعاصرنا
بس طول ما الحب بيرفرف علينا
الجدور حنمدها ونصنع مصيرنا
وفي «ذئاب الجبل» لمحمد صفاء عامر تسمع:
قالوا علينا ديابة
واحنا ياناس غلابة
يامغنواتي غني
حكايتنا ع الربابة
دا الكل ليه حكاية
فيها عبرة ونهاية
لاتشوفها في الجراية
ولا عرفتها الكتابة
وفي مقدمة مسلسل «المال والبنون» لمحمد جلال عبدالقوي تسمع:
قالو زمان دنيا دنية غرورة
وقلنا واللي تغره يخسر مصيره
قالوا الشيطان قادر وله ألف صورة
قلنا ما يقدر على اللي خيره لغيره
ايه معنى دنيتنا وغاية حياتنا
إذا بعنا فطرتنا البريئة الرقيقة
ازاي نبص لروحنا جوا مرايتنا
اذا احنا عشنا هربانين من الحقيقة
المال تجيبه الريح وتاخذه الهوايل
اما البنون يوم الحساب بيفوتونا
مال ايه لو كان مال قارون كله زايل
ولا غير عمايل الخير ياهو ينجدونا
وهكذا تقريبا في كل المسلسلات ولقد اخترت هنا أهم الشعراء سيد حجاب والابنودي فما بالك بغيرهم، فضلا عن كونك تستطيع من المشاهد المختارة أن تكون حالة عامة من الفهم أو التوقع لما سيحدث، تيترات هذا العام في معظمها تختلف، لا تقدم لك معاني قائمة بذاتها. إذن من أين يأتي التوقع؟ من المشاهد، والمدهش أن مسلسلا مثل «السبع وصايا» تيتر مقدمته صورت له مشاهد خاصة ليست في المسلسل وهذه جرأة كبيرة وجديدة، فضلا عن أن شعر المقدمة صوفي عميق الدلالة لمحيي الدين بن عربي صار بين يدي المشاهد العادي، اخترقت المسلسلات مناطق كثيرة محظورة ليس بموضوعاتها لكن بما تقدمه، فالوهم والخرافة أهم ملامح السبع وصايا، الذي يعطي الدجل مساحة كبيرة ويجسده في أفعال وليس في أقوال. أفعال بدا أننا نسيناها لكنها تصنع حياتنا من زمان، والقمع والأمراض النفسية التي تصيب المساجين من النساء تصل إلى الرقم القياسي في مسلسل «سجن النساء» الذي استطاعت كاتبته الرائعة مريم نعوم اعتمادا على مسرحية للمناضلة والكاتبة الراحلة فتحية العسال بنفس العنوان، أقول استطاعت مريم نعوم أن تضيف إليه الكثير جدا مما يجعله عملا يدل على براعة كاتب السيناريو ليس في أنه قام بالتعديل أو الإضافة للنص لكن في أنه صنع نصا أوسع وأقرب إلى الملحمة حتمته الدراما التي تفرض رسما للشخصيات والتي يمكن أن تضيف شخصيات حتى يمكن البلوغ إلى الحلقة الثلاثين دون ملل أو مط، وتستطيع أن تمد الحبل إلى مسلسل مثل «ابن حلال» أو «تفاحة أدم» الذي تحرك في خلفية سياسية، أو في «جمهورية مين» الذي من العنوان تبدو الحيرة فهو يقدم الثورة وتجلياتها بما لها أو عليها تتفق أو تختلف معه، لكن يظل السؤال كيف حدث هذا كله ولم يأت بالنتائج المرجوة.
سأبتعد هنا عن مسلسلات السيرة مثل صديق العمر، لأني أعرف مقدما أنه لا يمكن تقديم مسلسل عن سيرة أي أحد، وخاصة إذا كانت سيرته بيننا لم تمر عليها سنين طويلة، إلا متعاطفا معه، ومتجاوزا عن أخطائه الشخصية التي يمكن أن تثير عليك عائلته، ومن ثم فهذه المسلسلات تقدم أبطالها في أحسن الصور وكضحايا، لا يمكن أن يخطئوا في حب أو عشق أو خروج على المألوف في أي شيء، المسلسل الوحيد الذي نجا من هذه الطريقة التعليمية هو مسلسل «أسمهان» الذي عرض منذ سنوات، حيث قدم لنا اسمهان كائنا بشريا يخطئ ويصيب في حياته الشخصية دون خجل من عرض ذلك، وسيظل هذا المسلسل أحسن ما قدم عن أي شخصية مشهورة في مصر أو العالم العربي، لذلك لن أقف عند مسلسل «صديق العمر» الذي هو عن عبدالحكيم عامر وعبدالناصر. أما مسلسل «سرايا عابدين» فالأخطاء التاريخية فادحة للأسف، المؤلفة تقول إنها تقصد ذلك، لكن متعارف عليه في المسلسلات أو الأفلام التاريخية أو حتى الروايات أن تحتفظ بالوقائع لكن يمكن أن تعيد تفسيرها كما تشاء ويمكن أن تضيف إليها وقائع تتصورها خادمة للدراما، لكن لا تكون وقائع كبيرة لم يعرفها التاريخ بل وقائع صغيرة تساعد في التفسير الجديد إذا كان هناك تفسير جديد، لكن أن تجعل المؤلفة الأمير فؤاد الأول بن إسماعيل باشا الذي حكم مصر تسعة عشر عاما منذ 1917 حتى 1936 يموت بالسم من قبل أمه عن طريق الخطأ وهو طفل أمر مستغرب جدا، والمؤلفة تقول إنها تستدعي شخصيات تعتبرها كما تقول شخصيات حاضنة تفيد المسلسل، والحقيقة أنه هنا موت لرجل حكم دولة وغير تاريخها أو كاد، حتى ما يقال في مقدمة المسلسل أنه متخيل لا يكفي، لأن الخيال في الأصل نشاط إنساني لما ليس موجودا، فالبشرية التي تخيلت كل الأساطير القديمة لأنها كانت في حاجة روحية لها ولن يحدث أن تحققت الأساطير على الأرض، ظلت في الخيال حتى الخيال العلمي في الإبداع لا يتيح ذلك، إنه يستكشف المستقبل لكن لا يمكن أن يقول لك مثلا إن اينشتاين لم يكن موجودا ولا أديسون مكتشف الكهرباء ولا جاليليو مكتشف كروية الأرض، هنا للأسف فهم خاطئ للخيال والحرية في التعبير التي أزعم أني من أكبر المناصرين لها، سينتهي رمضان وسيرى الناس هذه المسلسلات على مهل وسيكتشفون أن جيلا جديدا من الكتاب مثل مريم ناعوم ومحمد أمين راضي وغيرهم وكذلك من المخرجين وطبعا من الممثلين حيث حفلت المسلسلات بأكبر عدد من الوجوه الشابة أبدعوا غاية الإبداع إلى جانب الكبار ويضيق المقال عن ذكرهم جميعا. هؤلاء جميعا يغيرون واقع الدراما المصرية، ولو أن لدينا سينما الآن في مصر وإنتاج سينمائي يسع كل هذه المواهب لصارت مصر هوليوود الشرق من جديد.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب
كلنا بنجرى ورا نفس السراب
كلنا من أم واحدة.. أب واحد.. دم واحد
بس حاسين باغتراب
من حنان الحب هل الغل جانا
من مرارة الغل جلجل صوت رجانا
نبكى من الغل اللي بيعكر حياتنا
ولا من الحب اللى هدهدنا وشجانا
يا زمان الغربة ليلك بيحاصرنا
وفى ضلامه المر طاوينا وعاصرنا
بس طول ما الحب بيرفرف علينا
الجدور حنمدها ونصنع مصيرنا
وفي «ذئاب الجبل» لمحمد صفاء عامر تسمع:
قالوا علينا ديابة
واحنا ياناس غلابة
يامغنواتي غني
حكايتنا ع الربابة
دا الكل ليه حكاية
فيها عبرة ونهاية
لاتشوفها في الجراية
ولا عرفتها الكتابة
وفي مقدمة مسلسل «المال والبنون» لمحمد جلال عبدالقوي تسمع:
قالو زمان دنيا دنية غرورة
وقلنا واللي تغره يخسر مصيره
قالوا الشيطان قادر وله ألف صورة
قلنا ما يقدر على اللي خيره لغيره
ايه معنى دنيتنا وغاية حياتنا
إذا بعنا فطرتنا البريئة الرقيقة
ازاي نبص لروحنا جوا مرايتنا
اذا احنا عشنا هربانين من الحقيقة
المال تجيبه الريح وتاخذه الهوايل
اما البنون يوم الحساب بيفوتونا
مال ايه لو كان مال قارون كله زايل
ولا غير عمايل الخير ياهو ينجدونا
وهكذا تقريبا في كل المسلسلات ولقد اخترت هنا أهم الشعراء سيد حجاب والابنودي فما بالك بغيرهم، فضلا عن كونك تستطيع من المشاهد المختارة أن تكون حالة عامة من الفهم أو التوقع لما سيحدث، تيترات هذا العام في معظمها تختلف، لا تقدم لك معاني قائمة بذاتها. إذن من أين يأتي التوقع؟ من المشاهد، والمدهش أن مسلسلا مثل «السبع وصايا» تيتر مقدمته صورت له مشاهد خاصة ليست في المسلسل وهذه جرأة كبيرة وجديدة، فضلا عن أن شعر المقدمة صوفي عميق الدلالة لمحيي الدين بن عربي صار بين يدي المشاهد العادي، اخترقت المسلسلات مناطق كثيرة محظورة ليس بموضوعاتها لكن بما تقدمه، فالوهم والخرافة أهم ملامح السبع وصايا، الذي يعطي الدجل مساحة كبيرة ويجسده في أفعال وليس في أقوال. أفعال بدا أننا نسيناها لكنها تصنع حياتنا من زمان، والقمع والأمراض النفسية التي تصيب المساجين من النساء تصل إلى الرقم القياسي في مسلسل «سجن النساء» الذي استطاعت كاتبته الرائعة مريم نعوم اعتمادا على مسرحية للمناضلة والكاتبة الراحلة فتحية العسال بنفس العنوان، أقول استطاعت مريم نعوم أن تضيف إليه الكثير جدا مما يجعله عملا يدل على براعة كاتب السيناريو ليس في أنه قام بالتعديل أو الإضافة للنص لكن في أنه صنع نصا أوسع وأقرب إلى الملحمة حتمته الدراما التي تفرض رسما للشخصيات والتي يمكن أن تضيف شخصيات حتى يمكن البلوغ إلى الحلقة الثلاثين دون ملل أو مط، وتستطيع أن تمد الحبل إلى مسلسل مثل «ابن حلال» أو «تفاحة أدم» الذي تحرك في خلفية سياسية، أو في «جمهورية مين» الذي من العنوان تبدو الحيرة فهو يقدم الثورة وتجلياتها بما لها أو عليها تتفق أو تختلف معه، لكن يظل السؤال كيف حدث هذا كله ولم يأت بالنتائج المرجوة.
سأبتعد هنا عن مسلسلات السيرة مثل صديق العمر، لأني أعرف مقدما أنه لا يمكن تقديم مسلسل عن سيرة أي أحد، وخاصة إذا كانت سيرته بيننا لم تمر عليها سنين طويلة، إلا متعاطفا معه، ومتجاوزا عن أخطائه الشخصية التي يمكن أن تثير عليك عائلته، ومن ثم فهذه المسلسلات تقدم أبطالها في أحسن الصور وكضحايا، لا يمكن أن يخطئوا في حب أو عشق أو خروج على المألوف في أي شيء، المسلسل الوحيد الذي نجا من هذه الطريقة التعليمية هو مسلسل «أسمهان» الذي عرض منذ سنوات، حيث قدم لنا اسمهان كائنا بشريا يخطئ ويصيب في حياته الشخصية دون خجل من عرض ذلك، وسيظل هذا المسلسل أحسن ما قدم عن أي شخصية مشهورة في مصر أو العالم العربي، لذلك لن أقف عند مسلسل «صديق العمر» الذي هو عن عبدالحكيم عامر وعبدالناصر. أما مسلسل «سرايا عابدين» فالأخطاء التاريخية فادحة للأسف، المؤلفة تقول إنها تقصد ذلك، لكن متعارف عليه في المسلسلات أو الأفلام التاريخية أو حتى الروايات أن تحتفظ بالوقائع لكن يمكن أن تعيد تفسيرها كما تشاء ويمكن أن تضيف إليها وقائع تتصورها خادمة للدراما، لكن لا تكون وقائع كبيرة لم يعرفها التاريخ بل وقائع صغيرة تساعد في التفسير الجديد إذا كان هناك تفسير جديد، لكن أن تجعل المؤلفة الأمير فؤاد الأول بن إسماعيل باشا الذي حكم مصر تسعة عشر عاما منذ 1917 حتى 1936 يموت بالسم من قبل أمه عن طريق الخطأ وهو طفل أمر مستغرب جدا، والمؤلفة تقول إنها تستدعي شخصيات تعتبرها كما تقول شخصيات حاضنة تفيد المسلسل، والحقيقة أنه هنا موت لرجل حكم دولة وغير تاريخها أو كاد، حتى ما يقال في مقدمة المسلسل أنه متخيل لا يكفي، لأن الخيال في الأصل نشاط إنساني لما ليس موجودا، فالبشرية التي تخيلت كل الأساطير القديمة لأنها كانت في حاجة روحية لها ولن يحدث أن تحققت الأساطير على الأرض، ظلت في الخيال حتى الخيال العلمي في الإبداع لا يتيح ذلك، إنه يستكشف المستقبل لكن لا يمكن أن يقول لك مثلا إن اينشتاين لم يكن موجودا ولا أديسون مكتشف الكهرباء ولا جاليليو مكتشف كروية الأرض، هنا للأسف فهم خاطئ للخيال والحرية في التعبير التي أزعم أني من أكبر المناصرين لها، سينتهي رمضان وسيرى الناس هذه المسلسلات على مهل وسيكتشفون أن جيلا جديدا من الكتاب مثل مريم ناعوم ومحمد أمين راضي وغيرهم وكذلك من المخرجين وطبعا من الممثلين حيث حفلت المسلسلات بأكبر عدد من الوجوه الشابة أبدعوا غاية الإبداع إلى جانب الكبار ويضيق المقال عن ذكرهم جميعا. هؤلاء جميعا يغيرون واقع الدراما المصرية، ولو أن لدينا سينما الآن في مصر وإنتاج سينمائي يسع كل هذه المواهب لصارت مصر هوليوود الشرق من جديد.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com