فتنة حارس المرمى ومأساته
الجمعة / 21 / رمضان / 1435 هـ الجمعة 18 يوليو 2014 18:31
شوقي بزيع
توفر كرة القدم للاعبيها المهرة فرصا كثيرة لتحقيق النجومية، سواء تعلق الأمر بلاعبي الدفاع أو الهجوم أو خط الوسط، على أن هذه الفرص لا تأتي على صهوة المصادفات أو الحظوظ المجردة، بل هي استحقاق يتم دفع ثمنه بالكدح والذكاء واللياقة البدنية والذهنية والقدرة الفائقة على المناورة وسعة الحيلة.
يبدو اللاعبون في الملاعب وكأنهم مزيج فريد من الخيول والغزلان، حيث تتيح لهم المساحات المفتوحة أمامهم أن يسابقوا الريح في هبوبها، أما المساحات المغلقة فتتيح لهم فرصة كسرها بالرؤوس والأقدام والنفاذ من خلالها إلى منطقة الخصم وساحته ومرماه. هذا الجري المتواصل وراء امتلاك الكرة يتيح للاعبين رغم التعب والعطش أن يشعروا بمتعة الحركة والاندفاع والالتفاف على الخصم، إضافة إلى التلذذ بمذاق الحرية وهوائها الطلق، إلا أن كل حركات اللاعبين وسكناتهم وكل مناوراتهم وأحابيلهم لا تفضي إلى شيء خارج المكان الذي يأخذ حارس المرمى على عاتقه تحصينه من الاختراق وحمايته من كل سوء. وفيما يملك الجميع أن يتقدموا ويتقهقروا ويتبادلوا الأدوار ويتثاءبوا ويبطئوا في الجري أو ينعموا بلحظات من الراحة، فإن هذا الرجل وحده هو الذي يحمل على كتفيه عبء النتائج المترتبة على ما يفعله الآخرون أو لا يفعلونه، إنه وحده حارس القلعة التي عليه أن يكون بابها وبوابها وجدرانها وأسوارها المنيعة، يتفرج حارس المرمى على العراك الدائر قبالته دون أن يستطيع المشاركة فيه إلا حين تصل الكرة إلى حرم المربع الصغير المحيط به، وحيث تفتر همة فريقه وتدور المعركة حول «حياضه» بالذات يشعر أن وقت القرارات الصعبة قد حان، وأن ملازمته للشباك أو ابتعاده عنها للانخراط في المعمعة هما الخياران الوحيدان المتاحان أمامه، واللذان تترتب على كل منهما نتائج خطيرة موازية في بعدها الرمزي للحياة أو الموت، كل حارس للمرمى يحمل في داخله بهذا المعنى تراجيديا شكسبيرية تتجسد بشكل دقيق في شخصية هاملت ومأزق خياراته الوجودية، وقد لا تصل الكرة إلا لماما إلى حيث يقف الحارس، إلا أن عليه أن يظل متيقظا كالنمر طوال دقائق المباراة التسعين، فقد تصله «قذيفة» كروية على حين غرة، ولن يغفر له أحد تهاونه وتراخيه، فهو في موقعه لا يحرس شباكا وحسب، بل يحرس روح الأمة وكرامتها وماء وجهها وخارطة حضورها في العالم، والكرة قبل أن تلامس شباكه عليها قبل ذلك أن تخترق قلبه ودمه الفائر وكرامته المطعونة في الصميم، لكنه حين يصد كرة خطرة يتحول إلى هرقل أو أخيل رمزي ويرقص بخيلاء الطاووس في هواء الملعب المروض.
في كتابه اللافت «المنبوذ: تاريخ حارس المرمى» يعتبر الكاتب البريطاني جوناتان ويلسون بأن هذا اللاعب بالذات هو كبش فداء اللعبة الذي تلقى عليه تبعات الهزائم ويتعرض أكثر من سواه للضرب والأذى الجسدي وصولا إلى التهديد بالقتل، فضلا عن الضغوط النفسية والعصبية التي يصعب احتمالها.
ومع ذلك فإن ما ذكره ويلسون ليس سوى الوجه السلبي للصورة المزدوجة، فالحارس بقامته الممشوقة ولياقته البدنية الاستثنائية يبدو أقرب للمثال اليوناني الأبولوني للجمال الجسدي، وهو الوحيد الذي يمتلك حق التقاط الكرة باليد، فضلا عن حقه في ارتداء ثياب خاصة تميزه عن الآخرين، بحيث يمكن له أن يظهر في صورة العنكبوت أو الوطواط أو المهرج أو السوبر مان، وحيث لا تفصل سوى شعرة واهية بين البطولة والهشاشة، وبين النعمة والنقمة، وبين الفتنة والمأساة.
يبدو اللاعبون في الملاعب وكأنهم مزيج فريد من الخيول والغزلان، حيث تتيح لهم المساحات المفتوحة أمامهم أن يسابقوا الريح في هبوبها، أما المساحات المغلقة فتتيح لهم فرصة كسرها بالرؤوس والأقدام والنفاذ من خلالها إلى منطقة الخصم وساحته ومرماه. هذا الجري المتواصل وراء امتلاك الكرة يتيح للاعبين رغم التعب والعطش أن يشعروا بمتعة الحركة والاندفاع والالتفاف على الخصم، إضافة إلى التلذذ بمذاق الحرية وهوائها الطلق، إلا أن كل حركات اللاعبين وسكناتهم وكل مناوراتهم وأحابيلهم لا تفضي إلى شيء خارج المكان الذي يأخذ حارس المرمى على عاتقه تحصينه من الاختراق وحمايته من كل سوء. وفيما يملك الجميع أن يتقدموا ويتقهقروا ويتبادلوا الأدوار ويتثاءبوا ويبطئوا في الجري أو ينعموا بلحظات من الراحة، فإن هذا الرجل وحده هو الذي يحمل على كتفيه عبء النتائج المترتبة على ما يفعله الآخرون أو لا يفعلونه، إنه وحده حارس القلعة التي عليه أن يكون بابها وبوابها وجدرانها وأسوارها المنيعة، يتفرج حارس المرمى على العراك الدائر قبالته دون أن يستطيع المشاركة فيه إلا حين تصل الكرة إلى حرم المربع الصغير المحيط به، وحيث تفتر همة فريقه وتدور المعركة حول «حياضه» بالذات يشعر أن وقت القرارات الصعبة قد حان، وأن ملازمته للشباك أو ابتعاده عنها للانخراط في المعمعة هما الخياران الوحيدان المتاحان أمامه، واللذان تترتب على كل منهما نتائج خطيرة موازية في بعدها الرمزي للحياة أو الموت، كل حارس للمرمى يحمل في داخله بهذا المعنى تراجيديا شكسبيرية تتجسد بشكل دقيق في شخصية هاملت ومأزق خياراته الوجودية، وقد لا تصل الكرة إلا لماما إلى حيث يقف الحارس، إلا أن عليه أن يظل متيقظا كالنمر طوال دقائق المباراة التسعين، فقد تصله «قذيفة» كروية على حين غرة، ولن يغفر له أحد تهاونه وتراخيه، فهو في موقعه لا يحرس شباكا وحسب، بل يحرس روح الأمة وكرامتها وماء وجهها وخارطة حضورها في العالم، والكرة قبل أن تلامس شباكه عليها قبل ذلك أن تخترق قلبه ودمه الفائر وكرامته المطعونة في الصميم، لكنه حين يصد كرة خطرة يتحول إلى هرقل أو أخيل رمزي ويرقص بخيلاء الطاووس في هواء الملعب المروض.
في كتابه اللافت «المنبوذ: تاريخ حارس المرمى» يعتبر الكاتب البريطاني جوناتان ويلسون بأن هذا اللاعب بالذات هو كبش فداء اللعبة الذي تلقى عليه تبعات الهزائم ويتعرض أكثر من سواه للضرب والأذى الجسدي وصولا إلى التهديد بالقتل، فضلا عن الضغوط النفسية والعصبية التي يصعب احتمالها.
ومع ذلك فإن ما ذكره ويلسون ليس سوى الوجه السلبي للصورة المزدوجة، فالحارس بقامته الممشوقة ولياقته البدنية الاستثنائية يبدو أقرب للمثال اليوناني الأبولوني للجمال الجسدي، وهو الوحيد الذي يمتلك حق التقاط الكرة باليد، فضلا عن حقه في ارتداء ثياب خاصة تميزه عن الآخرين، بحيث يمكن له أن يظهر في صورة العنكبوت أو الوطواط أو المهرج أو السوبر مان، وحيث لا تفصل سوى شعرة واهية بين البطولة والهشاشة، وبين النعمة والنقمة، وبين الفتنة والمأساة.