عراق اليوم .. هل صنعته أمريكا؟!

خالد عباس طاشكندي

تواصلت، خلال الشهرين الماضيين، مع العديد من الشخصيات القيادية في العراق؛ بهدف إجراء سلسلة من الحوارات الصحفية، سواء في مجلس الوزراء والبرلمان والمحافظات والأقاليم، أو على مستوى شيوخ الطوائف المذهبية، بالإضافة إلى قيادات ثوار العشائر، وكانت المحصلة الشاملة عن حقيقة المشهد العام هي تداعي الأوضاع الراهنة في العراق على جميع الأصعدة سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، وأن العراق اليوم يعاني من صراع طائفي، وإقصاء وتهميش لفئات كبيرة ومتعددة من أبناء الشعب، وهناك نفوذ إقليمي داخل مؤسسات السلطة، وهناك أيضا بوادر فعلية وعملية لنشوب حرب أهلية، واحتمالات لانفصال وتقسيم العراق بأكمله، وتؤكد غالبية الآراء أن الشخصية التي تقف على أعلى هرم السلطة في رئاسة الوزراء هي الواجهة الرسمية لكل ما يحدث في العراق اليوم، هكذا هي الصورة عن قرب، ولكن لأن من المعروف مسبقا أن هذه الفوضى (الخلاقة) ليست وليدة المرحلة الحالية، لذلك نتساءل كيف حصل كل هذا؟ ولماذا؟ وما هو الحل؟
لقد انقسم المحللون كثيرا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد ارتكبت أخطاء سياسية في العراق، أم أن سياساتها في العراق بنيت على أساس منهجي ووفقا لمشروع متكامل يخدم مصالح وأهداف محددة ومدركة مسبقا. والحكم في هذه المسألة يعود إلى كيفية تقديرنا لواقع الأحداث حسب تسلسلها الزمني ومدى ترابطها.
وردا على أحداث سبتمبر، قدم وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد خطة عمل في 30 سبتمبر 2001، تهدف إلى الإطاحة بنظام صدام حسين وتغيير أنظمة الحكم في عدة دول أخرى في الشرق الأوسط، وتغيير خارطة الشرق الأوسط، والأهداف الرئيسية من هذا التوجه ــ بحسب ما فسره المحللون ــ هي القضاء على الإرهاب والقاعدة، وإضعاف القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتفكيكها لفرض بناء تحالفات وشراكات جديدة في المنطقة، بالإضافة إلى أهداف أخرى غير معلنة، وهذه الخطة كشف عنها وكيل وزارة الدفاع الأمريكي السابق دوغلاس فيث في كتابه «الحرب والقرار» الصادر في أبريل 2008، ويضاف إلى ذلك، شهادة قائد قوات حلف شمال الأطلسي السابق الجنرال الأمريكي ويسلى كلارك، عندما قال خلال مؤتمر «الديمقراطية الآن» في أوائل مارس 2007 إن أحد الجنرالات أطلعه على وثيقة أعدها وزير الدفاع رامسفيلد أوضح فيها أن عليهم احتلال العراق، سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، ومن ثم إيران.
وفي أبرز الخطوات العملية التي أدت لتكريس الإقصاء والتهميش والطائفية، أصدر الحاكم المدني بعد احتلال العراق بول برايمر، في السادس عشر من مايو 2003، قانون «اجتثاث البعث»، وطلب من مجلس الحكم بموجبه تحديد الإجراءات الواجب اتباعها لاجتثاث البعثيين من دوائر الدولة، وخول صلاحية تنفيذها للهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث، التي عملت جاهدة على اجتثاث المكون السني من حزب البعث بالكامل، وقذف ما لا يقل عن ثلاثة ملايين أو أربعة ملايين من المواطنين العراقيين مدنيا وعسكريا وقوات مسلحة إلى الشارع بدون أي مستقبل، ومعاقبة عوائلهم بقطع أرزاقها.
وفي محاضرة ألقاها رئيس وكالة المخابرات الأمريكية سي آي إيه السابق جيمس وولسي علنا في العام 2006، قال فيها «سنصنع لهم إسلاما في الشرق الأوسط على طريقتنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات»، وحدد خلال حديثه سورية وليبيا ومصر بعد أن انتهى أمر العراق، وكأنه قرأ ما حدث في المنطقة بشكل دقيق.
وفي أوائل مايو 2008، دعا جو بايدن إلى تقسيم العراق لثلاث مناطق تتمتع كل منها بالحكم الذاتي، وعرفت هذه المبادرة بمسمى مشروع «بايدن»، وبناء على ذلك، أصدر معهد بروكينغر للدراسات السياسة والاستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان «حالة التقسيم السهل للعراق».
وبالتالي، هناك دلائل ومؤشرات على أن ما يحدث في العراق اليوم والعالم العربي تم التخطيط له أو نتيجة لسياسة أمريكا في المنطقة، والولايات المتحدة وإن كانت تريد التشفي من المنطقة بعد أحداث سبتمبر كهدف غير معلن، إلا أنها في نهاية المطاف لا تدير مشاريعها في العالم إلا وفق ما يخدم مصالحها العملية على جميع الأصعدة، وفترة احتلالها للعراق يبدو جليا أن سياساتها أوجدت بيئة للإرهاب والنزاع الطائفي لتروج لتجارة الأمن وبيع الأسلحة، في إطار مشروع خصخصة المؤسسة العسكرية، وفقا لما يسمى بـ«مشروع القرن الأمريكي الجديد» الذي طرحه اليمين المتشدد في أمريكا؛ كتوصيف لطريقة إعادة بناء دفاعات أمريكا، ويرى ضرورة ديمومة الحرب كمنهج لإدارة الأمن، ونتيجة لذلك أدار جنرالات الحرب في العراق وأفغانستان سلسلة من الشركات الخاصة في مجال الأمن وصناعة السلاح، ومنهم نائب وزير الدفاع بيت الدريدج الذي يملك شركة ايرو سبيس، ووزير الجيش توماس وايت وتأسيسه لشركة إنرون، ووزير البحرية غوردون انغلند وترؤسه لشركة جنرال داينميكس، ووزير سلاح الجو جيمس روش وتملكه لشركة نورثروب غرامان.
ولذلك، فإن محاولة إدراك هذه المخططات هو أول الخيط في إيجاد حلول لإحباطها، طالما أنها تهدف لتحقيق مصالح نفعية، وهذا الأمر يتطلب رصد وتحليل من خلال مراكزنا البحثية الغائبة عن تأدية هذا الدور، وهو أمر بالإمكان تحقيقه، ولكن أكثر ما يؤرق في عالم اليوم هو وحشية وبشاعة المشاريع والمخططات التي يقودها الغرب.