عدوان إسرائيلي وصمود غزاوي

عبدالله السلطان

على غير ما تريده إسرائيل، فإن هجمتها على غزة، التي بدأتها في رمضان، نتج عنها تعاطف دولي مع الغزاويين غير مسبوق، لكن هذا التعاطف لا يعادل الخسارة في أعداد القتلى والجرحى، وفي التدمير والخراب الذي أصاب المدارس والمباني، وفي هدم البيوت على أصحابها. هذا أثار المظاهرات الشعبية في كثير من الدول منددة بإسرائيل وأعوانها، بالإضافة إلى إعلاميين وشخصيات مرموقة قامت بإلقاء خطب وتعليقات نارية في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية ضد العربدة الإسرائيلية في غزة.
رد الفعل الشعبي في كثير من الدول خدم الفلسطينيين والغزاويين بشكل خاص كرد فعل مقاوم للدعاية والتشويه الإسرائيلي والصهيوني للفلسطينيين وقضيتهم العادلة، لقد أدرك العالم ما عملته إسرائيل من قتل وخراب ودمار، فانقلب الظلم على الظالم. ويمكن القول إن اعتداءات إسرائيل خدمت الصورة الفلسطينية على غير ما تقصد وعكس ما كانت تقوم به إسرائيل وأعوانها من دعاية وتشويه للصورة الفلسطينية. فطالما اعتمدت الدعاية الإسرائيلية والصهيونية على اعتبار أن الفلسطينيين إرهابيين، لكن أحداث غزة الأخيرة أثبتت للعالم بوضوح من هو الإرهابي: إسرائيل. هذا مكسب لكنه، كما ذكر، لا يعوض خسائر الغزاويين.
ومن سوء الحظ أن يأخذ العالم هذا الوقت الطويل ليدرك أخيرا بوضوح أن إسرائيل هي دولة العدوان وهي الإرهابية، وليس كما تدعيه الدعاية الإسرائيلية والصهيونية بأن إسرائيل هي الحمل البريء والوديع المعتدى دائما عليه، أو الحمل الصغير المهدد دائما من العرب العطشانين لسفك دماء اليهود. اليوم اختلفت الصورة نوعا ما، شعوب الأرض أدركت كذب إسرائيل وكذب دعايتها وكذب أعوانها المتمترسين معها وراء دعاية موجهة لتشويه العرب والفلسطينيين والإسلام والمسلمين.
فالمظلوم، صاحب القضية العادلة لا بد أن تكون ثمرة نضاله النصر، ولو طال الزمن، وهذا يتطلب الصبر والصمود، والفلسطينيون أثبتوا أنهم أهل صبر وصمود. فقد صمد نبينا محمد ــ عليه الصلاة والسلام ــ وانتصر على الكفار في دعوته للإسلام، وصمد معه أصحابه والمسلمون الأوائل ــ رضوان الله عليهم. وصمد المسلمون ضد غزو التتار حتى استوعبوهم، وصمد المسلمون ضد غزو الصليبيين حتى انتصروا عليهم وطردوهم، وصمد العرب ضد الدول الاستعمارية حتى انتزعوا استقلالهم منها، وصمد الفيتناميون ضد أمريكا حتى انتصروا عليها، ولو بدفع ثمن باهظ، وصمدت الدول الغربية ضد هتلر وانتصرت عليه، وصمد العالم ضد الشيوعية وانتصر عليها، وصمد شعب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي وانتصر عليه، وصمد الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي وانتصر عليه، وصمدت غزة في وجه إسرائيل واعتداءاتها وسوف يكون في صمودها نصر لها وللفلسطينيين والعرب والمسلمين، فالصمود في النهاية يؤدي لانتصار الحق على الباطل.
الإسرائيليون يتفاخرون بانتصاراتهم على العرب، وما كان اليهود عبر التاريخ إلا جبناء وشطارا في مص الدماء، وتخاذل العرب وتفرقهم وحروبهم ضد بعض هو ما أسهم في انتصارات إسرائيل المزعومة وجعل الإسرائيليين يعتقدون بأنهم شجعان، «ومصائب قوم عند قوم فوائد». وكما قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها يوم الثلاثاء 27/3/1430هـ بمجلس الشورى في سنته الأولى من الدورة الخامسة: «الانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها»، كما قال: «.. فمن عدوان إسرائيلي عبث في الأرض فسادا، إلى خلاف فلسطيني بين الأشقاء هو الأخطر على قضيتنا العادلة من عدوان إسرائيل، يوازيه خلاف عربي وإسلامي يسر العدو، ويؤلم الصديق، وفوق هذا كله طموحات عالمية وإقليمية لكل منها أهدافه المشبوهة».
يتفادى اليهود القتال وجها لوجه، فيتخذون سلاح الطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ والقنابل وسيلة لقتال الفلسطينيين العزل، وفي الحروب يتمترس الإسرائيليون في الدبابات والآليات، وفي أحداث غزة الأخيرة نشرت صورة جندي إسرائيلي وعليه «حفاظة» لكي لا يضطر للنزول من دبابة أو آلية خوفا من أن يختطفه الغزاويون، وينطبق على الإسرائيليين قوله تعالى: «لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون» (الحشر14). فالإسرائيليون، وهم تجمع لمهاجرين جاءوا من شتات الأرض، لم يوحدهم إلا العداء للعرب، لكن سيأتي اليوم الذي فيه سوف ينتزع الفلسطينيون وطنهم وحقوقهم من إسرائيل لا محالة مثلما قامت ستزول بإذن الله، والله أعلم.