لم نعد نكتب إلا عن داعش

شتيوي الغيثي

المشهد المحلي والعربي، وربما العالمي، يغلب عليه الحديث عن تنظيم داعش، حتى أن أحداث غزة رغم أنها مازالت ممتدة حتى الآن، إلا أنها بدأت بالتراجع عن أول الأحداث، ليعود المشهد من جديد إلى داعش وأحداث العنف في العراق في ديالى التي اتهم بها التطرف الشيعي، ليتحول المشهد من «داعش» سني إلى «داعش» شيعي، ويزداد الأمر كوميدية سوداء مع إعلان بوكو حرام الخلافة في أفريقيا. هكذا بكل بساطة يتنقل المشهد السياسي العربي والإسلامي من مكان إلى مكان واضعا صورة التطرف الديني أمام أنظار العالم حتى وصلت الأوضاع الإسلامية إلى أكثر صورها قتامة وبؤسا.
حضور داعش في المشهد المحلي كان، ولايزال، كبيرا؛ نقدا وتحليلا، وربما تعاطفا أيضا من قبل بعض الشباب المتطرف لدينا. حضوره أخذ حجما كبيرا في ردة الفعل التي صنعها ليكون موازيا لحجم الجرائم التي ارتكبها، فكان طبيعيا أن يكون مشهدنا المحلي بكل تفصيلاته يتحدث عن داعش بنوع من الارتباك دون معرفة التفاصيل الدقيقة في تطورات الحدث الديني والسياسي في المنطقة، فخلال هذا الأسبوع فقط، وحتى كتابة هذا المقال، وجدت عددا كبيرا من المقالات والكتابات والتغريدات التي كان موضوعها يدور حول داعش، فلا وجود لصحيفة سعودية إلا وكانت داعش حاضرة في مقالين على الأقل بشكل يومي، بل تتعدى الكتابة حول داعش إلى أشهر وربما إلى العام الماضي وما قبله بحكم تطورات الانشقاقات بين التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق. التغريدات في تويتر ــ بوصفه معبرا عن شريحة كبيرة من المجتمع ــ لا يمكن أن يمر يوم إلا وتكون هناك عدد من التغريدات تدور حول داعش. هذا التنظيم يحتل أحاديث وكتابات المشهد الثقافي والسياسي والاجتماعي في المنطقة، كما احتل، في الحقيقة، أراضي واسعة من سوريا والعراق. لكن لعل أهم التغريدات التي قيلت، وأخذت صدى واسعا، وكتبت عنه بعض المقالات هي للشيخ عادل الكلباني التي بينها بعد ذلك في مقال له أن الإرهاب «نبتة نبتت في دمنةِ المتجاوزين في الأحكام على الآخرين، ويسمون أنفسهم ادعاء «سلفية» (صحيفة الرياض: 28 شوال 1435هـ العدد 16862).
عقب على التغريدة عدد من الكتاب والقراء والمتابعين بعضهم يؤكد ارتباطها بالسلفية، وبعضهم الآخر ينفيها، لكن أبرز من كتب هو الباحث منصور الهجلة الذي بين نقاط التوافق بين داعش والسلفية، كما أبرز جوانب الاختلاف، في حين ينكر السلفيون ارتباط داعش بالسلفية، ويصفونها على أنها دولة خارجية، لكن المتتبع للفكر الداعشي سيجد أن التكوين الديني لداعش هو تكوين سني أقرب له من التكوين الخارجي لمن يعلم تفاصيل الالتقاء والاختلاف، بل تعتبر غالبية التنظيمات الجهادية الموجودة حاليا (غير الشيعية طبعا) هي سلفيات جهادية عند غالبية المدونات الفكرية والسياسية التي تناول مؤلفوها هذه الحركات بالتحليل وتتبعت تطوراتها التاريخية والسياسية والدينية.
هذه عينة صغيرة من الكتابات التي دارت في الآونة الأخيرة عن داعش لنجد أن غالبية ما كتب، ومازال يكتب، يدور حول داعش، ولعل السبب هو في حجم الخطورة، وحجم الصدمة الدينية والفكرية من تطورات التنظيمات الإسلامية. كنا سابقا نتحدث عن خطر انتشار المد الديني في المنطقة، وخاصة أنه مد داخل الإطار الإسلامي نفسه؛ أي أنه لا حاجة للمد الإسلامي داخل المجتمع المسلم من أساسه، وكان البعض ينتقدنا على ذلك. الآن أصبحت الصورة واضحة للعيان، والكثير من الناس أصبحوا أقرب للمتيقنين من خطورتها، ولكن ما زال الكثير والمنتفعين ينكرون ذلك، فما لم يتغير الخطاب الديني لدينا في السعودية، فإن مزيدا من الدواعش سوف يخرجون، فالفكر الداعشي له جذوره التي دائما ما تفرز نتائج مشابهة، ولكن الأحداث السياسية والطائفية تسارع فيه، أو تحد منه، على اعتبار أن الطائفية أحد أهم أدوات السياسيين في تفجير الأوضاع، وهي أكثر المحركات السريعة التي يمكن استخدامها في إشكال المنطقة للأسف.