أشرار البشر

عبدالله السلطان

يمثل أشرار البشر (شياطين الإنس) في كل الأزمنة الخطر والضرر الشديد على مجتمعاتهم؛ لأن كثيرا منهم، بشرورهم وسوء توجهاتهم وحبهم لفعل الشر، يملكون القدرة للفتك بالناس والمعارضين لهم ولمصالحهم بشكل كبير. يعارض الأشرار قيم مجتمعاتهم ويكفرون بالدين ويستهينون بالتقاليد ويتبعون كل ما هو باطل دون اعتبار لمصالح الناس في مجتمعاتهم، فهم في حقيقة الأمر متمردون عليها. ومن أشرار البشر (شياطين الإنس) من يغرر الناس ويغويهم لاتباع مسالك الشر والرذيلة وممارسة الفساد الأخلاقي، ويحبب لديهم خيانة الله والوطن وعدم احترام القيم الفاضلة التي يسعد ويأمن بها الناس في مجتمعاتهم، ذلك لأن هؤلاء الأشرار يعانون من خلل ما في عقولهم، الأمر الذي يجعلهم يتكبرون على الآخرين ويتعالون بأنفسهم وبما لديهم من قدرات وهمية، ويضادون كل عمل فاضل صادر من غيرهم، فهم يعتبرون الإصلاح فسادا والفحش والاستهانة بالقيم الدينية تطورا ورقيا حضاريا، ويعتبرون الخيانة وإثارة الفتن ونقض المواثيق والعهود والتآمر أمرا تحرريا تفرضه متطلبات العصر. وهم يدعون لكل ما هو سيئ ويحببون كل ما هو فاحش ومخالف للحياء والتقاليد، بل هم يعملون ضد الحياء والتقاليد الفاضلة في مجتمعاتهم. «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون».
وفي عصرنا الحاضر، يقع في عداد أشرار (شياطين) البشر المنافقون الذين حذر منهم الرسول ــ عليه الصلاة والسلام، وخشي منهم على المسلمين. وقد ورد ذكر المنافقين في آيات كثيرة من السور المدنية، ويكاد يكون كل القرآن ــ كما قال ابن القيم ــ في شأن المنافقين. ومن الآيات التي تصفهم وتحذر من خطرهم قوله تعالى: «إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون». وفي حقيقة أمرهم، فإن المنافقين يظهرون ما لا يبطنون، وهم إنما يخدعون أنفسهم. وفيهم قال تعالى: «مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا» ، أي أن ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، ومنهم من يميل إلى هؤلاء مرة، ويميل إلى أولئك مرة أخرى. فهم لذلك كما قال تعالى: «إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا».
يتوجه الأشرار للتأثير في الناس بما لا يليق من خلال تشويه الفكر والبلبلة الفكرية وقلب حقائق الأمور وتزييفها بمختلف الألوان والأشكال والمتاجرة في العقول وإظهار الباطل حقا. من خلال المرافق العامة، ومنها الإعلام ينشر الأشرار ما يخالف القيم والمعتقد الديني ويسيء للأخلاق والمروءة والحياء، وفي هذا إفساد للمجتمعات وخدمة لما يريده الأعداء ويحقق أهدافهم. وإن كان ما يقوم به الأشرار من أعمال تعتبر متطرفة، فالأسوأ منها ما تتسبب فيه من تطرف مضاد، والضحية المجتمعات التي تنشد أمنها واستقرارها.
مما ذكر يتضح أن شياطين (أشرار) البشر أخطر من شياطين الجن، ولسلامة ونجاة الناس في مجتمعاتهم يلزم التعرف على الأشرار منهم والتعرف على أساليبهم وطرقهم وحيلهم في التأثير على الآخرين وإغوائهم ومن ثم الحذر منهم، والله أعلم.