وقف المليار ريال لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة

عبدالله دحلان

في الأسبوع الأول بعد مباشرته للعمل أميرا لمنطقة المدينة المنورة زرت الأمير فيصل بن سلمان في منزله في المدينة المنورة مهنئا بالثقة الملكية في تعيينه. ورغم قصر مدة الزيارة إلا أنني شعرت بأن هناك فكرا اقتصاديا قادما لمنطقة المدينة المنورة، وهناك مشاريع اقتصادية من نوع خاص ومميز وبفكر اقتصادي متطور وخرجت من الاجتماع، وظللت أتابع خطط الأمير فيصل من بعد حتى الأسبوع الماضي تأكدت توقعاتي عندما أعلن عن (وقف المنورة) وهو أحد المشاريع الوقفية الرائدة التي تعمل على خدمة المجتمع المدني من بنات وأبناء المدينة المنورة من خلال آلية تنفيذية محددة الأهداف والبرامج تعمل بفكر اقتصادي ذات عائد يخدم في النهاية (وقف المنورة) من خلال مؤسسة (نما المنورة) وهي مؤسسة غير ربحية هدفها الرئيسي دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تمثل قاعدة أي اقتصاد نام، أو أي اقتصاد من اقتصاديات الدول الصناعية في العالم، كما هي تمثل أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد السعودي، وتعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي المولد الحقيقي لفرص العمل، وتسهم في تخفيض نسب البطالة، وتعمل على تحويل الشباب إلى أصحاب أعمال المستقبل. ومن أهم أسباب نجاح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو الدعم الذي تحظى به من الدولة سواء كان دعما تمويليا أو رعاية وحماية من بيروقراطية الإدارة لأن أخطر ما يواجه المؤسسات الصغيرة في المملكة هي البيروقراطية الإدارية، وعجز التمويل وللأسف الشديد أن دعاية تسهيلات التمويل للمؤسسات الصغيرة من البنوك التجارية هي أكبر من الواقع الفعلي نظرا لصعوبة الشروط، والتشدد في الضمانات التمويلية من البنوك التجارية والبنوك الحكومية. إلا أن الأمير فيصل أخرج لنا نموذجا متميزا عكف على دراسته ووضع الخطط له ثم أعلن عنه الأسبوع الماضي في رحاب جامعة طيبة ليربط التعليم بالعمل معلنا الانتهاء من وضع الخطط، وبدء مرحلة التنفيذ المحددة بفترات زمنية تبدأ من الربع الأول للعام المقبل. ووضع برنامج متابعة للتنفيذ كل ستة أشهر، وسيتم الإعلان عن النتائج ليتعرف عنها مجتمع منطقة المدينة المنورة. وهذا هو التوجه الصحيح لبناء القاعدة الاقتصادية في منطقة المدينة المنورة، محددة التوجه إبتداء من مبادرات معلن عنها منها المدينة الصناعية بمسمى (صنع المدينة) ومنها معامل الإبداع والإنتاج ومركز الخدمة الشاملة وواحات المدينة المنورة والتي خصصت لخدمة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. بداية موفقة وهادفة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في منطقة المدينة المنورة. وكم كنت أتمنى أن تتوجه مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ إلى نفس التوجه وتحويل المدينة إلى مدينة المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو تحويل جزء منها إلى هذه الفئة عوضا عن التوجه إلى تحويل جزء كبير من مدينة الملك عبدالله الاقتصادية إلى تطوير عمراني ومتاجرة في الأراضي والفلل السكنية، وتخصيص الجزء الصناعي الأكبر للمنشآت الصناعية والخدمية الكبرى وفرض أسعار إيجارية عالية تحرم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الاستفادة منها. وبالتالي خرجت المدينة الاقتصادية عن أحد أهدافها التي كنا نأمل أن تركز عليها وهي دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم الشباب السعوديين لبناء مستقبلهم الاقتصادي. إن مبادرة الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة جديرة بالاقتباس ومتابعة الأمير لها شخصيا تؤكد آمالنا الكبيرة في نجاحها. كما أن تخصيص مبلغ سبعمائة مليون ريال في محفظة تمويلية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي بداية النجاح لتجاوز أهم عقبة لنجاح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهي التمويل. وأن تخصيص 100 مصنع متوسط الحجم مجهز للمنطقة الصناعية وبمعايير جودة عالية هي بداية النجاح لمشروع (صنع المدينة).
إن الإعلان عن أول وقف تنموي لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بمبلغ مليار ريال يعتبر انطلاقة قوية لأكبر مشروع تنموي على مستوى المملكة والعالم العربي مخصص للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما أن حضور مجموعة من الوزراء المعنيين بالتنمية في المملكة وتوقيعهم بعض الاتفاقيات والإعلان عن دعمهم ومساندتهم لهذا المشروع هو بمثابة التزام لتنفيذ الوعود وتطبيقها على أرض الواقع . وأن أي مشروع تنموي لا يحظى بدعم الدولة ممثلة في الوزارات المعنية ستكون نهايته الفشل. ولكنني أشعر بتفاؤل كبير لنجاح هذا المشروع لأن من يقف خلفه مؤمن به، ومصر على نجاحه.