الأسكتلنديون: لا للاستقلال .. تحيا بريطانيا العظمى !؟
الاثنين / 27 / ذو القعدة / 1435 هـ الاثنين 22 سبتمبر 2014 19:22
طلال صالح بنان
رفض الأسكلنديون، يوم الخميس الماضي، الاستقلال عن المملكة المتحدة بنسبة كبيرة تصل إلى 55,3% في مقابل 44,7% قالوا نعم، رغم أن الوطنيين كان لديهم سنتان ليعدوا للاستفتاء بإحيائهم المستميت للنعرة الوطنية، إلا أن الشعب الإسكتلندي أبى إلا أن يحتفظ برباط الوحدة في ظل التاج البريطاني مع بقية أقاليم المملكة المتحدة (إنجلتر، ويلز وشمال أيرلندا).
الاستفتاء ونتيجته يعكسان مدى متانة وعظمة الكيانات السياسية لمجتمعات الديمقراطيات التقليدية العريقة، حيث تبقى الخيارات الاستراتيجية العليا بما فيها ما يتعلق بمصير الكيان السياسي نفسه، بيد الشعب. كان بإمكان رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) أن يرفض فكرة الاستقلال من أساسها.. وأن يعرقل إجراء الاستفتاء، لأسباب دستورية تتعلق بصميم اختصاصات حكومة لندن المركزية. إلا أن كاميرون اختار أن يدخل مع حكومة إسكتلندا المحلية في مفاوضات أدت إلى توقيع اتفاقية أدنبرة في 15 أكتوبر 2012. ليس هذا فحسب، بل ويوافق كاميرون على جعل مهمة ومسؤولية تنظيم الاستفتاء لحكومة إسكتلندا ووضع قانونه من قبل برلمان إسكتلندا، وتشرف عليه حكومة أدنبرة، التي يرأسها (أليكس سلموند) زعيم حركة الاستقلال.. بل إن كاميرون يتعهد، بموجب تلك الاتفاقية، باحترام خيار شعب إسكتلندا الذي لا يتجاوز 5 ملايين نسمة لتحديد مصير شعب المملكة المتحدة الذي يقترب من 70 مليون نسمة!
لقد أقدم ديفيد كاميرون بالموافقة على الاستفتاء، على مخاطرة كبيرة، إلا أنها ترقى لمستوى جزالة عائد الرهان الذي حصل عليه، بل حصلت عليه بريطانيا بأسرها، وربما العالم. لقد دخل كاميرون التاريخ يوم الخميس الماضي من أوسع أبوابه. بينما يعتبر ونستون تشرشل في العصر الحديث منقذ بريطانيا من احتمالات الغزو النازي، يعتبر ديفيد كاميرون اليوم منقذ التاج البريطاني من التداعي داخليا. من يدري لو استقلت أسكتلندا، ما الذي يضمن عدم مطالبة ويلز وإيرلندا الشمالية بالاستقلال، وربما هذا يقود إلى تفتيت إنجلترا نفسها، ونهاية المملكة المتحدة.
ثم هل يمكن تصور العالم بدون بريطانيا، بتاريخها الاستعماري المديد، وبدورها الاستراتيجي في تشكيل خريطة العالم بعد حربين كونيتين ومواقفها الوسطية والمستقلة بين الكتل الدولية المتصارعة في عصر توازن الرعب النووي، وأخيرا تراثها الثقافي والإنساني في حضارة البشرية. قد لا يعرف الكثيرون إن بريطانيا لو استقلت أسكتلندا قد تفقد رادعها النووي المكون من 225 رأسا نوويا الذي كان فخرا لبريطانيا العظمى. في عام 1946 قال أنتوني بيفن وزير خارجية بريطانيا في أول حكومة منتخبة عقب انتصار الحلفاء على ألمانيا: لن نألو جهدا في الحصول على الرادع النووي بأي ثمن كان، حتى مع وجود نظام اتحادي هش في بريطانيا العظمى!
تتضح وجاهة كلام بيفن هذا عندما نعرف أن معظم ترسانة بريطانيا النووية موجودة في أسكتلندا، منها أسطول غواصات (الطليعة) الاستراتيجية التي تحمل صواريخ نووية بالاستية من طراز (ترايدنت) ترسو في غرب إسكتلندا. فإذا استقلت إسكتلندا وقررت التخلص من الترسانة النووية البريطانية لديها، فإن هناك احتمالا كبيرا أن تختفي بريطانيا كدولة نووية من الناحية الاستراتيجية. هذا يفسر شعور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الجنرال (أندريوس فوغ راسموسين) وترحيبه بنتيجة الاستفتاء في إسكتلندا. فاستقلال إسكتلنداستكون له تبعات سلبية على مستقبل الحلف، باحتمال فقد أحد أعضائه المؤسسين والمؤثرين، الأمر الذي يؤدي إلى الاختلال بتوازن النظام الدولي، وربما تعريض سلام العالم وأمنه للخطر.
المفوضية الأوربية ــ بدورها ــ رحبت بنتيجة الاستفتاء، ذلك أن استقلال إسكتلندا سيهدد وحدة العديد من دول الاتحاد الأوربي من بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وكثير من الدول الأوربية التي تأخذ بالنظام الفيدرالي، وهذا في النهاية سيقود إلى احتمال نهاية التجربة الإقليمية التكاملية لأووربا.
في النهاية: إقدام رئيس الوزراء البريطاني على مجازفة الموافقة على إجراء الاستفتاء على استقلال أسكتلندا، في حقيقة الأمر، لم ينبع من إيمان أصيل بخيار الديمقراطية واحترام إرادة شعب إسكتلندا، فحسب.. بل هو في حقيقة الأمر كان رهانا على 307 سنوات من تاريخ المملكة المتحدة، وهو أيضا رهان على وعي شعب إسكتلندا الذي انحاز لمنطق السياسة وليس لشعاراتها العاطفية البراقة.
الأهم: أن كاميرون لعب لعبة الاستفتاء بذكاء شديد، انتظر حتى قبل الاستفتاء بأسبوعين ليطلق استراتيجيته في دعم كيان الاتحاد، ليوفر خيارا عمليا لشعب إسكتلندا عن الاستقلال مع التمتع بمميزات البقاء في الاتحاد. وعد كاميرون بمزيد من الصلاحيات الدستورية والتنفيذية والتشريعية لمنظومة الحكم المحلي في إسكتلندا. وكما جاء في خطابه بعد الاستفتاء: إن ما وعد به إسكتلندا، سوف توفره حكومته لكل أقاليم المملكة المتحدة وشمال إيرلندا. بمعنى: قوة الاتحاد تكمن في مزيد من السلطات لأقاليم الاتحاد، لا العكس، طالما المعيار هو احترام إرادة الشعوب.
الاستفتاء ونتيجته يعكسان مدى متانة وعظمة الكيانات السياسية لمجتمعات الديمقراطيات التقليدية العريقة، حيث تبقى الخيارات الاستراتيجية العليا بما فيها ما يتعلق بمصير الكيان السياسي نفسه، بيد الشعب. كان بإمكان رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) أن يرفض فكرة الاستقلال من أساسها.. وأن يعرقل إجراء الاستفتاء، لأسباب دستورية تتعلق بصميم اختصاصات حكومة لندن المركزية. إلا أن كاميرون اختار أن يدخل مع حكومة إسكتلندا المحلية في مفاوضات أدت إلى توقيع اتفاقية أدنبرة في 15 أكتوبر 2012. ليس هذا فحسب، بل ويوافق كاميرون على جعل مهمة ومسؤولية تنظيم الاستفتاء لحكومة إسكتلندا ووضع قانونه من قبل برلمان إسكتلندا، وتشرف عليه حكومة أدنبرة، التي يرأسها (أليكس سلموند) زعيم حركة الاستقلال.. بل إن كاميرون يتعهد، بموجب تلك الاتفاقية، باحترام خيار شعب إسكتلندا الذي لا يتجاوز 5 ملايين نسمة لتحديد مصير شعب المملكة المتحدة الذي يقترب من 70 مليون نسمة!
لقد أقدم ديفيد كاميرون بالموافقة على الاستفتاء، على مخاطرة كبيرة، إلا أنها ترقى لمستوى جزالة عائد الرهان الذي حصل عليه، بل حصلت عليه بريطانيا بأسرها، وربما العالم. لقد دخل كاميرون التاريخ يوم الخميس الماضي من أوسع أبوابه. بينما يعتبر ونستون تشرشل في العصر الحديث منقذ بريطانيا من احتمالات الغزو النازي، يعتبر ديفيد كاميرون اليوم منقذ التاج البريطاني من التداعي داخليا. من يدري لو استقلت أسكتلندا، ما الذي يضمن عدم مطالبة ويلز وإيرلندا الشمالية بالاستقلال، وربما هذا يقود إلى تفتيت إنجلترا نفسها، ونهاية المملكة المتحدة.
ثم هل يمكن تصور العالم بدون بريطانيا، بتاريخها الاستعماري المديد، وبدورها الاستراتيجي في تشكيل خريطة العالم بعد حربين كونيتين ومواقفها الوسطية والمستقلة بين الكتل الدولية المتصارعة في عصر توازن الرعب النووي، وأخيرا تراثها الثقافي والإنساني في حضارة البشرية. قد لا يعرف الكثيرون إن بريطانيا لو استقلت أسكتلندا قد تفقد رادعها النووي المكون من 225 رأسا نوويا الذي كان فخرا لبريطانيا العظمى. في عام 1946 قال أنتوني بيفن وزير خارجية بريطانيا في أول حكومة منتخبة عقب انتصار الحلفاء على ألمانيا: لن نألو جهدا في الحصول على الرادع النووي بأي ثمن كان، حتى مع وجود نظام اتحادي هش في بريطانيا العظمى!
تتضح وجاهة كلام بيفن هذا عندما نعرف أن معظم ترسانة بريطانيا النووية موجودة في أسكتلندا، منها أسطول غواصات (الطليعة) الاستراتيجية التي تحمل صواريخ نووية بالاستية من طراز (ترايدنت) ترسو في غرب إسكتلندا. فإذا استقلت إسكتلندا وقررت التخلص من الترسانة النووية البريطانية لديها، فإن هناك احتمالا كبيرا أن تختفي بريطانيا كدولة نووية من الناحية الاستراتيجية. هذا يفسر شعور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الجنرال (أندريوس فوغ راسموسين) وترحيبه بنتيجة الاستفتاء في إسكتلندا. فاستقلال إسكتلنداستكون له تبعات سلبية على مستقبل الحلف، باحتمال فقد أحد أعضائه المؤسسين والمؤثرين، الأمر الذي يؤدي إلى الاختلال بتوازن النظام الدولي، وربما تعريض سلام العالم وأمنه للخطر.
المفوضية الأوربية ــ بدورها ــ رحبت بنتيجة الاستفتاء، ذلك أن استقلال إسكتلندا سيهدد وحدة العديد من دول الاتحاد الأوربي من بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وكثير من الدول الأوربية التي تأخذ بالنظام الفيدرالي، وهذا في النهاية سيقود إلى احتمال نهاية التجربة الإقليمية التكاملية لأووربا.
في النهاية: إقدام رئيس الوزراء البريطاني على مجازفة الموافقة على إجراء الاستفتاء على استقلال أسكتلندا، في حقيقة الأمر، لم ينبع من إيمان أصيل بخيار الديمقراطية واحترام إرادة شعب إسكتلندا، فحسب.. بل هو في حقيقة الأمر كان رهانا على 307 سنوات من تاريخ المملكة المتحدة، وهو أيضا رهان على وعي شعب إسكتلندا الذي انحاز لمنطق السياسة وليس لشعاراتها العاطفية البراقة.
الأهم: أن كاميرون لعب لعبة الاستفتاء بذكاء شديد، انتظر حتى قبل الاستفتاء بأسبوعين ليطلق استراتيجيته في دعم كيان الاتحاد، ليوفر خيارا عمليا لشعب إسكتلندا عن الاستقلال مع التمتع بمميزات البقاء في الاتحاد. وعد كاميرون بمزيد من الصلاحيات الدستورية والتنفيذية والتشريعية لمنظومة الحكم المحلي في إسكتلندا. وكما جاء في خطابه بعد الاستفتاء: إن ما وعد به إسكتلندا، سوف توفره حكومته لكل أقاليم المملكة المتحدة وشمال إيرلندا. بمعنى: قوة الاتحاد تكمن في مزيد من السلطات لأقاليم الاتحاد، لا العكس، طالما المعيار هو احترام إرادة الشعوب.