أنا هاني فحص أقول لكم
الجمعة / 02 / ذو الحجة / 1435 هـ الجمعة 26 سبتمبر 2014 19:26
شوقي بزيع
اعذروني إذا خاطبتكم بهذه الصيغة التي استخدمها من قبل أعلام ودعاة لا أزعم لنفسي تشبها بهم وبعقولهم وأدوارهم الفريدة في التاريخ. ولكنها طريقتي الوحيدة، وأنا عاشق البلاغة المتبتل، في إيصال صوتي إليكم على شكل وصية أو مكاشفة. وهي طريقة في المخاطبة الجمعية سبقني إليها جبران في كتاب «النبي»، ومحمود درويش في رائعته الشعرية «لاعب النرد». أعرف أن شيئا من النرجسية لا بد أن يعلق في نفوس الكتاب والمبدعين، وأن لوثة الكتاب التي أصابتني لا بد أن توقعني في هذا المنزلق، ولكن الأهم من كل ذلك هو رغبتي العارمة وأنا أرحل عن هذا العالم، وفي هذا الزمن الظلامي الخانق، أن أترك ورائي بصيصا من ضوء وقصاصة من حلم. أنا هاني فحص المولود قبل ثمانية وستين عاما في إحدى قرى الجنوب اللبناني الفقيرة أقول لكم بأنني كنت وما زلت آكل خبزي كفاف يومي ولا أخجل من وطأة الفقر، بل من ذل السؤال ومهانة التسول على أبواب الزعماء والنافذين. وأنا هاني فحص الذي درس الفقه وعلوم القرآن والحديث والسيرة، واعتمر عمامة رجال الدين في مطالع صباه، لم أتردد في قيادة تظاهرات مزارعي التبغ ضد احتكار شركة الريجي في حقبة السبعينات، وفي الدفاع عن حقوق العمال الصناعيين في الحقبة ذاتها. ولم أجد حرجا في الانضواء تحت راية المقاومة الفلسطينية من أجل استعادة الحقوق المغتصبة في فلسطين، ولا في الانضمام إلى الحركة الوطنية التي أسسها كمال جنبلاط بغية الانتقال بلبنان من عهدة الطوائف المتناحرة إلى عهدة المجتمع الديمقراطي البعيد عن الطائفية. وحين بدأ زمن المقاومة الوطنية ضد الاحتلال عام 1982 كنت في الصفوف الأولى للمواجهة. أنا هاني فحص اللبناني العروبي والإنساني، أنا العابر الدائم للمذاهب والكيانات والعصبيات الضيقة. أنا الذي اجتهدت في أن أعمل لدنياي كأني أعيشها أبدا ولآخرتي كأني أموت غدا، ارتضيت بأن أسمى سماحة العلامة لا من باب الزهو باللفظة نفسها، بل لأن نفسي السمحة اتسعت للجميع وارتضت بقبول الآخر المختلف أيا كانت هويته وعقيدته وطائفته. فالحوار لا يقوم بين المتماثلين، بل بين المتباينين في الرأي والموقف. وكان الكثيرون يحارون من قدرتي على التواجد في كل عاصمة وجهة ومحفل فكري وثقافي. ومن قدرتي على التأليف في السياسة والاجتماع والفكر والنقد الأدبي والسيرة والتاريخ. ومن قدرتي على التأليف بين المتعادين والمتخاصمين في ديار العرب والمسلمين، حيث رأيت في الوسطية والاعتدال جوهر الدين الحنيف وروحه ومعناه. أنا هاني فحص الذي لم يحمل في قلبه ضغينة على أحد، والذي كان يبكيه مشهد طفل جائع أو سنبلة مقصوفة أو قصيدة رثاء مؤثرة، لم أقو على رؤية الربيع العربي الذي راهنت على تألقه ووعوده قبل سنوات وهو يقع في براثن القتلة والتكفيريين ودعاة الإسلام الزائفين. لم يستطع قلبي الضعيف احتمال كل هذا العسف والهول، ورئتاي التالفتان لم تجدا هواء كافيا يمنعني من الاختناق، وقلمي سقط من يدي لأنه لم يعد يصدق ما أكتب. ومع ذلك فأنا أقول لكم بأنني عملت ما استطعت على حماية برعم التنوير من الذبول، وهو سيجد في النهاية ورغم قسوة المرحلة طريقه إلى البقاء. وأقول وأنا أرحل عنكم جسدا بأنني موجود في كل لحظة عادلة وفي كل موقف اعتدال، في كل انبلاج فجر للعقل وفي كل موعد مع الحرية.