تحريك الراكد

عزيزة المانع

ينشغل الناس، هذه الأيام، بتداول نبأ مفاده أنه أثناء نظر ديوان المظالم دعوى مقامة ضد مدير عام في ديوان وزارة العمل ومعه ثلاثة من رجال الأعمال بتهمة تزوير توقيع الوزير لإصدار (1083) تأشيرة باكستانية، حصل المتهم على ترقية وظيفية فعين مستشارا للوزير، وأبعد عن مكتب الوزير من كان سببا في الكشف عن الحادثة.
هذا الخبر ليس الوحيد عن كشف حالات الفساد ومحاكمات تجرى لمتهمين به، فهناك كثير من العناوين الكبيرة التي تنشر على صفحات الصحف، ورقية أو إلكترونية أو عبر تويتر أو غيرها من وسائل الإعلام، تخبر عن محاكمات المفسدين؛ كتلك التي نشرت خلال الشهور الماضية مثل (ديوان المظالم يحاكم أربعة من موظفي الدولة وأحد عشر رجل أعمال بتهمة الرشوة والتزوير)، (ديوان المظالم يحاكم خمسة قياديين في التربية بتهمة استغلال النفوذ في توظيف قريبات لهم، بما يخالف الأنظمة)، (ديوان المظالم يحاكم قاضيا زور أربعة وأربعين صكا واستلم ربع مليون رشوة)، أو غيرها من العناوين التي لم نكن سابقا نرى مثلها ينشر بهذه الكثرة.
هذا يعني أن تغيرا في درجة الإشراف والرقابة بدأ يحدث، وأن تخفي المفسدين وسياسة (غطي علي وأغطي عليك) لم تعد تحتل المكانة التي كانت تحتلها في زمن مضى.
في ظني أنه برغم كل ما يقال من أن نزاهة لم تحقق نجاحا في مجال مكافحة الفساد، أو أنها تحصر مكافحتها له فيما يجري في الأدوار السفلى، دون محاولة الصعود إلى الأدوار الأخرى.
رغم هذا القول، إلا أني أرى أن وجود نزاهة، حتى وإن انحصر في الأدوار السفلية ــ كما يقال، إلا أنه استطاع أن يحرك ما ركد من مياه الفساد، ويؤكد ذلك ما صرنا نسمعه من أمثال هذه المحاكمات والإعلان عن أشكال من الفساد ما كان ليعلن عنها أو تكشف للرأي العام قبل هذا.
وفي ظني أن نزاهة متى نجحت في تنظيف الأدوار السفلية من الفساد، فإن أثر ذلك سيمتد ليصل إلى من هم في الأدوار الأخرى، فيضطرون مرغمين إلى تقليص نشاطهم والحد من تكاثر عملياتهم حتى وإن لم تتوقف تماما، فالقضاء على صغار المفسدين يجرد الآخرين من أدوات التنفيذ التي يستخدمونها في عملياتهم.
معظم المفسدين يبحثون عن سكان الأدوار السفلية ليتكئوا عليهم في تنفيذ ما يريدون، ومتى لم يجدوا بينهم من يتعاون معهم، فإنهم سيضطرون إلى إغلاق أبوابهم وتقليص نشاطاتهم.
لو تحقق هذا، فإنه ــ في حد ذاته ــ يعد إنجازا كبيرا.