أمراض الدم.. سر حان كشفه

%47 ينصاعون للمشورة الطبية.. ويبقى %53 بين العناد أو الجهل

أمراض الدم.. سر حان كشفه

سعيد الباحص (الدمام) عكاظ (المكاتب الداخلية)

رغم التحذيرات الرسمية الصادرة من وزارة الصحة، والتنبيهات من خطورة بعض الأمراض، إلا أن البعض ما زال يستهين خاصة بأمراض الدم، سواء الوراثية أو الأخرى، ليجدوا أنفسهم أو أبناءهم في نهاية المطاف ضحايا لهذه الأمراض، ليتجرعوا مرارة التهاون في البداية، وآلام رؤية فلذات الأكباد في قبضة الأمراض القاتلة.
وإذا كانت التوعية ضرورية لحماية الإنسان من مخاطر الأمراض بشكل عام، وأمراض الدم بشكل خاص، والتي يأتي إيبولا كأشهرها في هذا الجانب، فإن الجانب الوقائي في غالب الأحيان يعتبر الضربة القاصمة في مكافحة أي مرض معد.
وفيما يطالب الاختصاصيون مرارا وتكرارا بأهمية توحيد جهود برامج التوعية الصحية، خاصة في هذه الأيام التي تشهد توافد ضيوف الرحمن لأداء مناسك الحج، فإن بعثات الحج خيرا فعلت بالقيام بدور فعال وجهود كبيرة في سبيل توعية الحجاج بلغات شتى، ما يسهم في الحد من انتشار الأمراض.
ولعل دور وزارة الصحة في توفير آلية جديدة للرصد الوبائي من خلال استخدام استمارات التقصي الصحي لكافة الحجاج والمعتمرين القادمين للمملكة، يعد أيضا ضمن حزمة إجراءات وسياسات متكاملة تشمل اعتماد عدة وسائل وقائية، لمعرفة أي زيارة سابقة للدول المصابة بأحد الأمراض المعدية، بالإضافة إلى الإصابة بأي من أعراض الحمى النزفية أو الإلتهابات المعدية الأخرى، ويبقى دور المواطن والمقيم على أرض المملكة في رؤية الأمور بشكل دقيق وفعال ليقي الكثيرين بإذن الله من خطورة الأمراض المعدية.

وكشف مدير مركز أمراض الدم الوراثية بمحافظة الأحساء، استشاري باطنة وأمراض الدم، الدكتور أحمد بن محمد السليمان لـ«عكاظ» أن مراكز الفحص الصحي في المحافظة تستقبل ما بين (100 إلى 140) متقدما للفحص يومياً، مفيداً بأنه يتم إجراء الفحوصات لمعرفة مدى التوافق، مؤكدا أن المؤشرات تدل على أن فحص ما قبل الزواج ساهم في خفض نسبة المرض ولكن لا يوجد دليل مؤكد كوجود إحصائيات، مبيناً انه حسب إحصائيات وزارة الصحة لعام 1430هـ، فإن 46.7% من الذي اجروا فحص ما قبل الزواج استجابوا للمشورة الطبية ولم يتمموا عقد النكاح، وذكر أنه في عام 1434هـ تقدم للفحص (24000) مواطن ومعظم أعمار المتقدمين تكون في العشرينات.
وبين مدير مركز أمراض الدم الوراثية أن علاج أمراض الدم الوراثية يكلف الكثير في المناطق ذات الكثافة العالية، مفيداً أن علاج فقر الدم المنجلي على سبيل المثال يكلف (100) ألف ريال سنوياً للمريض، بينما مريض الثلاسيميا الكبرى يكلف أضعاف هذا المبلغ بنقل الدم المتكرر وإعطائه علاج إزالة الحديد الزائد من الجسم. وقال إنه حسب الدراسات التي عملت المتعلقة بفقر الدم المنجلي فإن نسبة حاملي المرض فوق 20%، مشيرا إلى أن المرض ليس له علاقة بنوع الجنس كأن يصيب الذكور أكثر أو العكس.
وبين أنه من خلال الكشف تم اكتشاف عدد من الأمراض الخطيرة منها حالات إصابة بالإيدز، وإن كان ذلك بنسبة بسيطة حيث سجل في الأحساء ومنذ إدخال فحوصات فيروس مرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز» في محافظة الأحساء سنة 1429هـ، (4) حالات إيجابية وتم تحويلها إلى العيادات المتخصصة للتقييم والعلاج.

انتشار الوراثية
وأكد عدد من الأخصائيين في أمراض الدم الوراثية أن المنطقة الشرقية من أكثر مناطق المملكة انتشارا لأمراض الدم الوراثية مما يستلزم معه الوصول إلى برامج تسهم في القضاء على هذا الخطر الداهم.
وبين الدكتور زكي نصر الله أن مرض خلايا الدم المنجلي لوحده في محافظة القطيف وصلت نسبته 33% وفق دراسة علمية بينت أن نسبة الحاملين للمرض قبل اعتماد الفحص قبل الزواج، مشيرا إلى أن فرضية المجتمع تنمو بنسبة 3% وهي النسبة التي ينمو فيها المجتمع السعودي الذي يستلزم معه الأمر بلوغ عشرة أعوام لتزداد النسبة للمرض في المواليد الحاملين له 50%.
واقترح أن الحل الأمثل للوقوف في وجه هذه النسب من المرض اعتماد فحص النطف من الناحية الجينية بالنسبة للأبوين الحاملين للمرض وبالتالي تفادي إنجاب أطفال مصابين تماما وتقليل آلامهم والتخفيف على الآباء الحاملين للمرض كما أن هذا المشروع يوفر على الدولة مليارات الريالات التي تصرف لخدمة المصابين بهذا المرض.
وطالب بأن يكون هناك مركز يهتم بهذا الأمر الذي لا يكلف الثمن الباهظ الذي قد يصرف أضعافه في حالة العناية بأحد المصابين الحاملين للمرض ذاته آملا أن تتبنى وزارة الصحة واحدا من هذه المراكز التي تحتكره القطاعات الخاصة في الشرقية والرياض وجدة حيث لا تقدم خدماته إلا لذوي الدخل العالي ويحرم منه نسبة كبيرة من أفراد المجتمع.
وحذر نصر الله من أعداد المصابين بإمراض الدم الوراثية التي تولد كل يوم وتستمر في التزايد نتيجة تزايد نمو المجتمع وكذلك بسبب عدم تقبل الأطراف غير المتوافقة على الزواج واستمرارهم في الإنجاب من الأبوين غير المتوافقين قبل أن يعتمد الفحص من قبل وزارة الصحة مشيرا إلى أن الأمر الذي بلغ حده من الإزعاج هو العمل على اتساع قاعدة الحاملين لهذا المرض في المجتمع مما تسبب في شل فعاليته.
مرتكزات للمكافحة
وأشار الدكتور محمد حسن قاري رئيس الجمعية السعودية لأمراض الدم الوراثية إلى أن الجمعية تعمل على وضع المرتكزات الأساسية لعملية مواجهة هذا المرض الفتاك وتنمية الفكر العلمي في مجال التخصص والعمل على تطويرها وتنشيطة مشيرا إلى أن هناك مؤتمرات قدمت العديد من أوراق العمل والبحوث التي تتناول التخثرات الدموية المرضية والنزف الدموي وأمراض سرطان الدم الحاد والمزمن في الأطفال البالغين وما يستجد من علاجها.

نوعية الأمراض
وشرح الخبير الصحي أحمد المغنم الأمراض الوراثية ومنها مرض نقص الخميرة أو الأنزيم جلوكوز 6 فوسفيت ديهادروجينيز الذي تم اكتشافه عام 1956 وهو من أكثر أمراض نقص الأنزيمات الوراثية انتشاراً في العالم حيث يصيب أكثر من 400 مليون فرد، وفي هذه الحالة يكون هناك نقصا في أحد الأنزيمات (الخمائر) الموجودة في كريات الدم الحمراء.
وأشار إلى أن وظيفة هذا الأنزيم هي أكسدة الجلوكوز اللازم لإنتاج الطاقة للإنسان في حياته اليومية، ومن وظائفه أيضا المحافظة على حيوية أغشية خلايا الدم الحمراء وذلك عن طريق اختزال بروتينات أغشية كريات الدم الحمراء.
وأضاف أن الأشخاص المصابين بنقص في هذا الإنزيم معرضون لخطر الإصابة بتكسر خلايا الدم الحمراء وانحلالها والذي يؤدي من ثم إلى نقص الهيموجلوبين (خضاب الدم) وبالتالي إلى فقر الدم أو ما يسمى الأنيميا، وما يتبعه من اضطرابات خطيرة في أجهزة الجسم ويعتبر هذا المرض مرضا وراثيا ناتجا عن طفرة موجودة على كروموسوم اكس ويعتبر لذلك من الأمراض الوراثية التي تنتقل بالوراثة المرتبطة بالجنس. وهذا يعني أن الذكور دائما تكون مصابة بالمرض في حالة انتقال كروموسوم اكس الحامل للطفرة عن طريق الأم المصابة أو الحاملة للمرض.
وأكد أن الإناث يمكن أن تكون حاملة للمرض إذا كان أحد كروموسومات اكس سليما وفي حالة وجود الطفرة في كل من كروموسومين اكس تكون الأنثى مصابة بالمرض وتظهر عليها أعراضه.
وقال انه عند النظر إلى المناطق التي ينتشر فيها مرض نقص الأنزيم جلوكوز 6 فوسفيت ديهادروجينيز (G6PD) نلاحظ أنها المناطق التي كانت أو ما زالت موبوءة بمرض الملاريا الذي يسببه طفيل الملاريا وهذا الطفيل يعيش متطفلا على خلايا الدم الحمراء ويستخدمها في بعض أطوار حياته ويؤدي في كثير من الأحيان الى تكسر خلايا الدم الحمراء وتحللها.

إعاقات الأطفال
وأكد موسى الشايب، وأحمد الخاطر وعبدالله الزهراني ونايف العنزي أن معظم الدراسات العلمية عن الأمراض الوراثية الشائعة، ومن أبرزها أمراض هيموغلوبين الدم «خضاب الدم» والعيوب الخلقية الاستقلالية والأمراض أحادية الجينات الشائعة بأنها السبب الرئيسي للكثير من الأمراض والإعاقات لدى الأطفال.
وأضافوا أن العديد من الأبحاث العلمية التي أجريت حول زواج الأقارب هي السبب في الإصابة بتلك الأمراض والإعاقات لدى الأطفال وذلك بسبب عدم إجراء الفحص الطبي لدى الزوجين قبل الزواج، حيث تكون الفرصة أكبر لدى الزوجين من الأقارب في حمل صفات وراثية متنحية عندما يكون كل واحد من الأبوين حاملا للصفة المسببة للمرض.
وزادوا على ذلك أن الدراسات وآراء علمية محلية متعددة تؤكد أن تلك الأمراض الوراثية شائعة في المملكة بسبب زواج الأقارب.
وألمح عناد الشريف الى أن أمراض هيموغلوبين الدم والأمراض أحادية الجينات والعيوب الخلقية الاستقلالية هي من الأمراض الوراثية الشائعة بالمملكة، وأمراض خضاب الدم تسبب مرض فقر الدم المنجلي ومرض أنيميا دم البحر الأبيض المتوسط، وهما من الأمراض المزمنة التي تستدعي إدخال المريض إلى المستشفى بصفة متكررة ونقل جرعات دم له، أما أمراض التمثيل الغذائي فتتمثل في تدني سكر الدم وتأخر النمو وتضخم الكبد والطحال وتخلف عقلي ومثل هذه الأمراض يصعب علاجها.
وأبان الدكتور زكي نصر الله استشاري الولادة والأطفال بمستشفى الولادة والأطفال في المنطقة الشرقية أن هناك مرضا جلديا مزمنا يتمثل في فقاعات شديدة على سطح الجلد تنفجر وتترك سطح الجلد عاريا، قد ظهر لدى أطفال ولدوا من زواج أقارب ويسمى المرض «الانحلال الجلدي الفقاعي» وانتقل لهؤلاء الأطفال عبر صفة وراثية متنحية بسبب حمل الأبوين الصفة المسببة للمرض، ولا يوجد لهذه الحالة علاج طبي، وإنما عناية تمريضية ونفسية خاصة، ومن هنا تأتي ضرورة حرص الزوجين من الأقارب على إجراء فحوصات ما قبل الزواج لتجنب أسباب الأمراض وهو أصلح وأنجب للذرية بإذن الله.
وأضاف أن معظم الأبحاث والدراسات المتعلقة باقتصاديات الصحة تتفق على أن الأمراض المزمنة والإعاقات تمتد تأثيراتها النفسية والاجتماعية لتشمل الأسرة والمجتمع وتثقل كاهل النظام الصحي. وخلص أحمد المغنم إلى طريقة صحيحة تجنب تكرار مثل هذه الأمراض الوراثية خاصة الحاملين له بأن يكون هناك تفعيل لتقنية الأجنة السليمة عن طريق أطفال الأنابيب بيد أنها مكلفة قد تصل إلى 27 ألف ريال تقريبا في المستشفيات الخاصة وهذا يصعب على ذوي الدخل المحدود حيث يتطلب تدخل الدولة في ذلك أو طريقة أخرى تتمثل في زراعة النخاع مما يسبب زيادة المناعة لدى الأطفال ولكنها عملية دقيقة جدا وخطورتها عالية حيث تدخل في مرحلة العلاج الكيمائي وهذه التقنية ليست متوفرة في الدول العربية.