لماذا الانتظار في فصل التجارة عن الصناعة ؟

عبدالله دحلان

إن التركيز على تحقيق المصلحة العامة أحد الأهداف الأساسية لنظام الحكم السعودي كما أن العودة عن بعض القرارات والمراسيم السامية لتحقيق المصلحة العامة يعتبر قوة وشجاعة من صانع القرار في القيادة السعودية وأخص على وجه التحديد بعض القرارات السامية التي منها إعادة إنشاء وزارة الإسكان بعد إلغاء الوزارة أو دمج مسؤولياتها في وزارة أخرى منذ سنوات طويلة وعند وضع الإستراتيجية الوطنية للإسكان لتوفير السكن اللائق للمواطنين وذلك كجزء من مسؤولية الدولة تجاه شعبها قررت القيادة السعودية إعادة النظر في قرار إلغاء وزارة الإسكان وأصدرت القرار الإيجابي الذي يحقق إستراتيجيتها الوطنية للإسكان وهو إنشاء وزارة الإسكان وهو قرار حكيم حظي بتأييد شعبي كبير ومن جميع الطبقات وعلى وجه الخصوص طبقة ذوي الدخل المحدود ، ولم يمضِ على القرار سنوات حتى بدأت تظهـر إيجابيات سياسات وخطط وزارة الإسكان على أرض الواقع والمؤمل منها كبير إن شاء الله في السنوات القريبة القادمة . وبنفس التوجه لتحقيق المصلحة العامة كشفت جريدة عكاظ القديرة وبسبقها الصحفي الذي تعودنا عليه بخبر يوم الخميس الماضي على صفحتها الأولى عبر مصادرها المطلعة عن إمكانية صدور قرار خلال 30 شهرا يقضي بفصل وزارة التجارة والصناعة إلى وزارتين الأولى للتجارة والثانية للصناعة . والحقيقة وبصرف النظر عن مصدر الخبر إلا أنه يؤكد أن هناك قيادة واعية حريصة على تحقيق المصلحة العامة للوطن والمواطنين حتى وإن كان قرارها يلغي قرارا سابقا لها صدر بحيثياته وظروفه إلا أن تجربة عشرين عاما من دمج التجارة والصناعة في وزارة واحدة لم تحقق الأهداف المتوخاة من الدمج ، ويؤكد لنا هذا الخبر أن توصيات مجلس الشورى هي في مكان اهتمام وتقدير القيادة السعودية وأن العديد من القرارات السامية أو قرارات مجلس الوزراء تعتمد على توصيات مجلس الشورى ومنها توصية مجلس الشورى قبل سنوات بفصل الصناعة عن التجارة بوزارتين مستقلتين تهدف كل وزارة إلى خدمة القطاع المنتمي لها . وقد سبق أن كتبت وكتب غيري وطالبت بهذا التوجه إلا أن كتاباتي واجهت بعض الامتعاض من كبار المسؤولين القائمين على وزارة التجارة والصناعة آنذاك وانبثقت مطالبتي بالفصل من الرغبة في إعطاء الصناعة مزيدا من الاهتمام والتركيز منطلقا من قناعتي بأن أحد خياراتنا الاقتصادية المستقبلية هي في الصناعة وعلى وجه الخصوص الصناعات الأساسية والعمل على التخفيف من الاعتماد على واردات البترول والغاز الخام من صادراتنا إلى واردات صادرات مشتقات البترول والغاز المصنعة. وما يؤكد هذا التوجه هو حالة سوق النفط الخام المتأرجح في الانخفاض حاليا. وأن توجه الدولة العظيم في إنشاء المدن الصناعية ودعم التمويل الصناعي وتشجيـع الاستثمارات الأجنبية في الصناعة وتحويل الصناعة إلى أحد المصادر المهمة لخلق فرص العمل المتخصصة هو أكبر داعم لقرار الانفصال وبحجم أهمية الصناعة إلا أن التجارة تفوق عليها بالأهمية فوزارة التجارة هي المعنية برعاية جميـع أنواع التجارة ومنها التجارة الداخلية التي من اختصاصها تبادل السلع وتجارة التجزئة ومراقبة الأسواق وحماية المستهلك وتسجيل العلامات التجارية وتسجيل ومراقبة ومتابعة الشركات بأنواعها والإشراف على الغرف التجارية والاستيراد والتصدير وارتباطه بالتجارة الخارجية والاتفاقات الدولية ومجالس الأعمال المشتركة واللجان التجارية المشتركة ومنظمة التجارة العالمية التي تعتبر من أهم الاختصاصات لوزارة التجارة للتجارة الخارجية وهو جانب وللأسف الشديد غير مهتم به ذلك الاهتمام الذي يليق بوزن وحجم التجارة الخارجية في المملكة، ويرتبط بعضوية المملكة الفعالة في منظمة التجارة العالمية العديد من القرارات المؤثرة على صادرات المملكة وعلى الصناعة السعودية وعلى التبادل التجاري الدولي.
وفي وجهة نظري أرى أن ربـع عمل وزارة التجارة ينبغي أن يكون في تمثيلها الملائم والمتخصص في منظمة التجارة العالمية حيث يعتبر مكتب تمثيل المملكة في منظمة التجارة العالمية والذي يتبـع لوزارة التجارة والصناعة السعودية هو الأضعف من حيث عدد الموظفين والخبراء المتخصصين والأقل ميزانية وإمكانات مساندة لعمل ممثـل المملكة في منظمة التجارة العالمية ويعتبر الممثـل الأقل درجة وظيفية وسط زملائـه ممثلي دول العشرين في العالم .
إن المصلحة العامة لقطاع التجارة وقطاع الصناعة تؤكد على أهمية فصل القطاعين إلى وزارتين مستقلتين وهذا هو القرار الحكيم الذي إن شاء الله سيتخذه أصحاب القرار . ولكن يبقى التساؤل: لماذا بعد 30 شهرا ؟، أي بعد سنتين ونصف فإذا كانت القناعة قد تمت بأهمية الفصل بعد ست سنوات من توصية مجلس الشورى فلماذا الانتظار سنتين ونصف أخرى ؟، وقد يكون الانتظار في غير المصلحة العامة للقطاعين والعاملين فيهما . وأخشى أن يتمكن غير الموافقين على فصل التجارة عن الصناعة من إضعاف الحماس في اتخاذ قرار الفصل خلال العامين والنصف القادمين.