لماذا نخاف من الآخر؟!
السبت / 08 / محرم / 1436 هـ السبت 01 نوفمبر 2014 18:48
حسن النعمي
يمثل الآخر في ثقافتنا تحديا للذات الدينية والاجتماعية. ففي منظور البعض كل آخر ما هو إلا مشروع تخريبي. من طبيعة الخوف أنه مرتبط بعدم الثقة التي تتسلل للنفوس. فكلما كان الإنسان واثقا من تاريخه، ومن دينه، ومن تقاليده، سهل عليه التعايش مع الآخر، بل يصل الأمر إلى حد التطلع للقائه على أرض متكافئة.
من هو الآخر الذي نخاف منه؟
هل هو الغربي بكل حمولاته الإيديولوجية؟
هل العربي المختلف مذهبيا؟
هل هو فقدان الإحساس بالمواطنة، فكل من ليس من عشيرتي، فهو مشروع مختلف في النهاية؟
الإشكالية في الاقتناع لدى البعض بتمام المعرفة، وهو شعور نزود به أبناءنا من خلال المناهج، ومن خلال الإعلام، ومن خلال الخطب المنبرية الحماسية. فموقفنا من الغرب أن الله سخرهم لخدمتنا، وموقفنا من العربي أننا أكمل تدينا منهم، وموقفنا من بعضنا أن بعضنا أقل أصالة من غيره. وما زلت أذكر الطرفة التي تداولها الناس بين شخصين يعددان نواقص العالم، بدءا من الغرب ومرورا بالعرب، وأبناء الوطن، وأبناء القبيلة، وأبناء المدينة، وأبناء القرية، حتى أكد في النهاية أحدهما أنه أفضل من صاحبه.
ممارسة الإقصاء بهذه الطريقة ضد طبيعة الحياة، وضد تصور الدين. والقرآن ينص صراحة على مبدأ التعايش رغم الاختلاف: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). فالرهان يقوم على التعايش الذي يستدعي حسن المعاملة، وأمر التفاضل بين الناس ليس من لوازم تقييم العلاقات بين الناس، وليس في مقدور أحد أن يدعي أفضليته في أمر دنيوي، أما وضع الآخرة فأمرها لله وحده. في هذه الآية يتحقق المعنى الإنساني الأكبر وهو تبادل المنافع الحضارية التي من غيرها لا تقوم الحياة.
قبول الآخر لا يعني تخلي الإنسان عن دينه، وثقافته، وكينونته الاجتماعية، فقط هو مطالب بإسقاط الريبة الاجتماعية التي تعتريه عندما يرد الآخر في سياق تجربته. ويمكن أن نستشهد بتجربة الهند الحضارية التي لم تستنكف من الآخر، ولم تتخل عن هويتها. أخذت من الآخر بقدر ما حافظت على شخصيتها. ومن تابع أولمبياد دول الكومنولث قبل سنتين تقريبا فتحت للعالم صدرها، لكن أشعرت القادمين أن هناك تقاليد وأعرافا للبلاد يجب أن تحترم. لم تقل الهند إن هناك قوانين يجب أن تحترم، فهذا أمر ملزم ومعمول به في كل الدول، لكن سياق العادات والتقاليد أمور عرفية من الضرورة احترامها واستيعاب معانيها. فانتهاكها لا يؤدي إلا إلى الانتقاص من قيمة الشخص نفسه الذي قد ينظر لهذا الانتقاص على أنه نزعة عنصرية.
رغم حالة الرهاب التي تنتابنا من الآخر، فإننا منغمسون في الاستفادة منه نستقبله ونندد به، نستفيد منه، ولا نشركه في تجربتنا الإنسانية والاجتماعية. هناك من يأتي لبلادنا ويعود منها دون أن يعرف كيف يعيش مجتمعنا، نحن معزولون عنهم في بيوتنا المسورة. يتعامل البعض معهم بفوقية غير مفهومة. مع أننا لا نستطيع أن ننهض بمصالحنا دون وجودهم في حياتنا. رتبنا أمورنا على أن نتفرغ للاستهلاك، وندع غيرنا يعمل من أجلنا. غرتنا حالتنا المادية التي نعتقد أنها ميزة لنا، في الواقع أنها أضرتنا من حيث لا نشعر، وأتاحت لغيرنا أن يستفيد منا دون أن نستفيد منهم. لم نستفد من تجاربهم بيننا أيا كانت هذه التجارب، لأننا عمقنا صورة المستهلك الذي لا يهمه وطنه، بل يهمه كيف ينجو بنفسه، كيف ينكفئ على ذاته الاجتماعية.
مجتمعنا ــ بالنسبة للآخر ــ مغر ومحرض على المتابعة. أتدرون لماذا؟! لأننا ندعي التفوق والخصوصية ونأتي بالعجائب. هناك من يرصدنا لأننا نرى أن لنا خصوصية يجب أن نبتعد بها عن الآخر، حتى لو أدى الأمر أن ندعي عكس ما نظهر. حول هذا التصور تمحورت مقولات جاهزة تصف كل فعل لا يواقف مزاجنا العام، على أنه صادر من قلة، لكن هذه القلة تكبر كل يوم.
الآخر الذي نخاف منه سيرانا كما يشاء ولن تنفع معنا عملية التمويه والمواربة. نحن مجتمع لنا أخطاؤنا مثلما لنا إيجابياتنا. يجب أن نقول للخطأ خطأ ونعمل على تعريته وتصحيحه، حتى لو مس هذا الموضوع أكثر الأمور حساسية في حياتنا. ولنبدأ بقراءة مناهجنا قراءة دون أن نستحضر الآخر، نقرأها من أجل بناء ثقافة وطنية تفيض إنسانية، بعيدا عن تكريس ما يمكن أن تفهمه أجيالنا على أنه موقف سلبي من الآخر. الآخر الغربي الذي نخشاه لن يغير عقيدتنا إلا إذا كان لدينا استعداد لذلك، الآخر العربي لن يحبنا إلا إذا أشعرناه أن الاختلاف لا يفرقنا، الآخر المحلي لن يجد أفضل من الإقرار بمبدأ المواطنة بوصفها مرجعية يستظل تحتها الجميع.
من هو الآخر الذي نخاف منه؟
هل هو الغربي بكل حمولاته الإيديولوجية؟
هل العربي المختلف مذهبيا؟
هل هو فقدان الإحساس بالمواطنة، فكل من ليس من عشيرتي، فهو مشروع مختلف في النهاية؟
الإشكالية في الاقتناع لدى البعض بتمام المعرفة، وهو شعور نزود به أبناءنا من خلال المناهج، ومن خلال الإعلام، ومن خلال الخطب المنبرية الحماسية. فموقفنا من الغرب أن الله سخرهم لخدمتنا، وموقفنا من العربي أننا أكمل تدينا منهم، وموقفنا من بعضنا أن بعضنا أقل أصالة من غيره. وما زلت أذكر الطرفة التي تداولها الناس بين شخصين يعددان نواقص العالم، بدءا من الغرب ومرورا بالعرب، وأبناء الوطن، وأبناء القبيلة، وأبناء المدينة، وأبناء القرية، حتى أكد في النهاية أحدهما أنه أفضل من صاحبه.
ممارسة الإقصاء بهذه الطريقة ضد طبيعة الحياة، وضد تصور الدين. والقرآن ينص صراحة على مبدأ التعايش رغم الاختلاف: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). فالرهان يقوم على التعايش الذي يستدعي حسن المعاملة، وأمر التفاضل بين الناس ليس من لوازم تقييم العلاقات بين الناس، وليس في مقدور أحد أن يدعي أفضليته في أمر دنيوي، أما وضع الآخرة فأمرها لله وحده. في هذه الآية يتحقق المعنى الإنساني الأكبر وهو تبادل المنافع الحضارية التي من غيرها لا تقوم الحياة.
قبول الآخر لا يعني تخلي الإنسان عن دينه، وثقافته، وكينونته الاجتماعية، فقط هو مطالب بإسقاط الريبة الاجتماعية التي تعتريه عندما يرد الآخر في سياق تجربته. ويمكن أن نستشهد بتجربة الهند الحضارية التي لم تستنكف من الآخر، ولم تتخل عن هويتها. أخذت من الآخر بقدر ما حافظت على شخصيتها. ومن تابع أولمبياد دول الكومنولث قبل سنتين تقريبا فتحت للعالم صدرها، لكن أشعرت القادمين أن هناك تقاليد وأعرافا للبلاد يجب أن تحترم. لم تقل الهند إن هناك قوانين يجب أن تحترم، فهذا أمر ملزم ومعمول به في كل الدول، لكن سياق العادات والتقاليد أمور عرفية من الضرورة احترامها واستيعاب معانيها. فانتهاكها لا يؤدي إلا إلى الانتقاص من قيمة الشخص نفسه الذي قد ينظر لهذا الانتقاص على أنه نزعة عنصرية.
رغم حالة الرهاب التي تنتابنا من الآخر، فإننا منغمسون في الاستفادة منه نستقبله ونندد به، نستفيد منه، ولا نشركه في تجربتنا الإنسانية والاجتماعية. هناك من يأتي لبلادنا ويعود منها دون أن يعرف كيف يعيش مجتمعنا، نحن معزولون عنهم في بيوتنا المسورة. يتعامل البعض معهم بفوقية غير مفهومة. مع أننا لا نستطيع أن ننهض بمصالحنا دون وجودهم في حياتنا. رتبنا أمورنا على أن نتفرغ للاستهلاك، وندع غيرنا يعمل من أجلنا. غرتنا حالتنا المادية التي نعتقد أنها ميزة لنا، في الواقع أنها أضرتنا من حيث لا نشعر، وأتاحت لغيرنا أن يستفيد منا دون أن نستفيد منهم. لم نستفد من تجاربهم بيننا أيا كانت هذه التجارب، لأننا عمقنا صورة المستهلك الذي لا يهمه وطنه، بل يهمه كيف ينجو بنفسه، كيف ينكفئ على ذاته الاجتماعية.
مجتمعنا ــ بالنسبة للآخر ــ مغر ومحرض على المتابعة. أتدرون لماذا؟! لأننا ندعي التفوق والخصوصية ونأتي بالعجائب. هناك من يرصدنا لأننا نرى أن لنا خصوصية يجب أن نبتعد بها عن الآخر، حتى لو أدى الأمر أن ندعي عكس ما نظهر. حول هذا التصور تمحورت مقولات جاهزة تصف كل فعل لا يواقف مزاجنا العام، على أنه صادر من قلة، لكن هذه القلة تكبر كل يوم.
الآخر الذي نخاف منه سيرانا كما يشاء ولن تنفع معنا عملية التمويه والمواربة. نحن مجتمع لنا أخطاؤنا مثلما لنا إيجابياتنا. يجب أن نقول للخطأ خطأ ونعمل على تعريته وتصحيحه، حتى لو مس هذا الموضوع أكثر الأمور حساسية في حياتنا. ولنبدأ بقراءة مناهجنا قراءة دون أن نستحضر الآخر، نقرأها من أجل بناء ثقافة وطنية تفيض إنسانية، بعيدا عن تكريس ما يمكن أن تفهمه أجيالنا على أنه موقف سلبي من الآخر. الآخر الغربي الذي نخشاه لن يغير عقيدتنا إلا إذا كان لدينا استعداد لذلك، الآخر العربي لن يحبنا إلا إذا أشعرناه أن الاختلاف لا يفرقنا، الآخر المحلي لن يجد أفضل من الإقرار بمبدأ المواطنة بوصفها مرجعية يستظل تحتها الجميع.